لماذا يثور بعض العرب ضد أنظمتهم
ليون برخو
وأخيرا نهض العرب بملايينهم متحدين بعض الأنظمة الفاسدة التي لا تتورع عن استخدام الطائرات الحربية في قصف أبناء شعبها. الكثير يعزو الثورة العربية الكبرى التي نشهدها اليوم إلى عوامل اقتصادية بحتة، والبعض يربطها بمسائل ذات علاقة بالدين أو الحركات التي تتخذ من الدين منهجا.
في وضع كالذي نشاهده اليوم، من الصعوبة بمكان تقديم تفسير محدد لما يحدث من ثورات وغليان. ليس هناك عامل محدد نستطيع الاتكاء عليه لتفسير ما يحدث. والمختصون لن يتفقوا على سبب أو أسباب محددة لتحليل الأحداث التي قلبت الموازين في منطقة من أكثر المناطق أهمية في العالم.
وما أقدمه من تحليل في هذا المقال قد لا يرضى عنه البعض؛ لأنه يعرض وجهة نظر تختلف عما سمعناه وقرأناه حتى الآن. وما كتب وما قيل وما سيكتب ويقال عن هذه الأحداث المزلزلة سيدخل التاريخ ويدرسه التلاميذ ضمن مناهجهم الدراسية. بهذه الثورات الشعبية العظيمة دخل العرب التاريخ الحديث من أوسع أبوابه. أنا لست مؤرخا ولكنني أقول إن العرب برهنوا لأنفسهم أولا وللعالم ثانيا، أنهم حقا خير أمة أخرجت للناس، وبرهنوا لأنفسهم والعالم أن إسلامهم ليس كما حاول الغرب المنافق بمؤسساته الدنيوية والدينية تصويره، ولا كما حاول حكامهم الظالمون تقديمه.
هذه الثورة المباركة، من وجهة نظري المتواضعة، كانت ردا على الضغط الهائل الذي مارسه الغرب على العرب والمسلمين. واتخذ الضغط هذا أشكالا مختلفة؛ منها البطش والغزو والاحتلال والتحالف مع حكام وأنظمة لا تعير لإسلامها وتعاليمه السمحة أهمية تذكر، ولا تهتم بشؤون شعوبها وأوطانها. وهذه الأنظمة، كي تحصل على ود الغرب ورضاه، جعلت من الإسلام السياسي وحركاته فزاعة ترفعها كي تتنصل من أبسط واجبات الحكم وتمنح نفسها شرعية بمباركة الغرب، كي تجعل من شعوبها بمثابة رهائن لديها.
ونسي الحكام والأنظمة أن العرب من أذكى شعوب العالم، وأن فروسيتهم وحكمتهم وصبرهم تفوق التصور. وهكذا ازدادت الشعوب العربية فطنة ومعرفة وأخذت تمتلك بعد نظر يمكنها من قراءة وتحليل الوضع الراهن، وكيف أن الغرب وأصحابه من الحكام والأنظمة يريدون استغلالهم، لدرجة أن قادة القوات الغازية يتهمون المسلمين اليوم بحرق أبنائهم لزيادة عدد قتلى الغارات الأمريكية من المدنيين. انظر أين وصل الصلف والإهانة، وكيف أن الغزاة صاروا يفتقدون حتى الذوق السليم في مخاطبتهم للعرب والمسلمين، ومع ذلك لا تنبس أنظمتهم ببنت شفة.
وكلما ازدادت الشعوب العربية معرفة بما يجري من حولها، ازداد الحكام والأنظمة جهلا بما يجري حولهم. واتسع البون بين الاثنين لدرجة أن الشعوب العربية صارت لا تطيق حكامها وأنظمتها. تغيرت الشعوب واتسع أفقها، بينما ازدادت الأنظمة تقوقعا وقصر نظر. وهكذا نرى كيف أن الغرب والنظم العربية التابعة له أصبحت تعيش في حالة عجز تام وجهل مطبق تجاه ما يحصل اليوم.
لا الغرب ولا الأنظمة العربية تستطيع تغيير أنفسها. التغير بمفهوم ما يحدث اليوم يعني الانتحار بالنسبة لهم. لا يجوز تجاهل البعد السياسي لما يحدث الآن في العالم العربي. الثورة التي تجتاح الدول العربية لا يمكن تفسيرها دون العامل السياسي. العرب يريدون محاسبة أنظمتهم وحكامهم على مهادنتهم، لا بل أحيانا مناصرتهم للممارسات الإسرائيلية الشنيعة. العرب اليوم يريدون محاسبة أنظمتهم وحكامهم على وقوفهم ليس على الحياد، بل مع الغزاة الغربيين والإسرائيليين لأراضي العرب والمسلمين.
ولهذا السبب أعتقد أن الحكام العرب وأنظمتهم أضاعوا فرصة مصالحة شعوبهم. إن غيروا في أنفسهم معناه منح شعوبهم حرية التعبير وحرية محاسبتهم، وعندها لن يصمدوا. وضع الحكام والأنظمة وضع لا يحسدون عليه اليوم لأنهم فشلوا في إرضاء شعوبهم في شتى النواحي؛ السياسية والاقتصادية والعسكرية والثقافية والتربوية والصحية والتعليمية والاجتماعية.
والغرب في وضع مزر اليوم أيضا. إنه يقطف ثمار زرعه. حارب الغرب دون هوادة من خلال الحكام والأنظمة، الحركات والمقاومات الإسلامية، وكلما زاد الغرب من بطشه ازداد العرب تمسكا بإسلامهم وحركاتهم ومقاوماتهم الإسلامية. ونسي الغرب أن الممارسات الإسرائيلية ضد الفلسطينيين واستمرار أبشع احتلال استعماري عرفه التاريخ للأراضي الفلسطينية لأكثر من أربعة عقود يعزوها العرب إليه. وهكذا صارت الشعوب العربية تساوي بين إسرائيل والغرب. ولهذا فقد العرب ثقتهم بالغرب، حيث ينظر الكثيرون منهم إلى الدول الغربية بالمنظار نفسه الذي يرون به حكامهم وأنظمتهم.
والعجز الغربي ليس كعجز الحكام والأنظمة العربية. إن غيّر الغرب في نفسه لتغيرت وجهة نظر العرب إليه. ولكن لا يبدو أن هناك أي تغير في الأفق. التغير في الغرب يعني أن عليه قبول الإسلام السياسي وحركات المقاومة الإسلامية، ووضع حد للظلم في فلسطين والعراق وأفغانستان وأماكن أخرى كثيرة، الأمر الذي يبدو أن الغرب لا يرى أن ما حدث حتى الآن يستوجب القيام بذلك.
وإلى اللقاء..