حول محكمة القرن
حين لا ييأس ضعيف
من عدل يخمد يورانيوم الكراهية
زهير سالم*
إلى الذين يهيجون شعوبهم وراء ما يسمونها الحرب على الإرهاب . موهومين هذه الشعوب أن مخالب هذا الإرهاب طويلة ، وانه سيطال يوما إن صمتوا عنه وجوههم وصدورهم وأعناقهم ، فينفقون مليارات الدولارات من أموال دافعي الضرائب لمطاردة البراغيث في صحراء ... نؤكد : أن ما صدر من أحكام مائعة على حسني مبارك وأولاده وشركاه تعادل في خطرها في شحن النفوس بالكراهية والرفض أكثر من قنبلة نووية ربما سيمتلكها قريبا وبإذنكم حلفاؤكم الجدد في طهران ..
إن الحقيقة التي يجب أن تظل واضحة أنه لا صغير ولا كبير من أبناء أمتنا الواقعة في بؤرة دوائر المكر الدولي يمكن أن يصدق أن القتل الذي يباشره بشار الأسد منذ أربع سنوات في سورية ، أو الانقلاب الذي وقع في مصر ، أوالمال الذي رعى ذلك الانقلاب وسانده وغذاه ، أو أحكام القضاء التي تصدر بإعدام الناس بالجملة ، أو أحكام البراءة العريضة التي صدرت بالأمس على القتلة واللصوص ومساعديهم ، لا شيء من كل ذلك ؛ يمكن أن يتم بغير موافقة دولية ظاهرة أو خفية ...
في وصية تاريخية كتبها عمر بن الخطاب لقاضيه منذ ألف وخمس مائة عام أوصاه فيها : سوّ بين الناس في مجلسك ووجهك حتى لا ييأس ضعيف من عدلك ولا يطمع قوي في حيفك ..
فلقد كان جبل العدل في التاريخ الإنساني يدرك معنى أن ييأس الضعيف من العدل ، وانعكاسات ذلك اليأس وتداعياته وآثاره وانعكاساته السلبية على حياة الناس كل الناس .
كان جبل العدل ( عمر ) يعلم في عصر لم يكن فيه مدارس للعلوم النفسية والدراسات السيكلوجية أن يأس الضعفاء من العدل ، لن يقودهم إلى قرارة الاستسلام والعجز كما يطمح إليه الطامعون في الحيف بسبب ما يغتصبونه من أدوات القوة ، ووسائلها أو بسبب ما يتمتعون به من دعم الأقوياء الطغاة المتنفذين ، بل سيدفعهم إلى ألوان التمرد والرفض ليس من حق الباغي الأول أن يشترط على تمردهم أن يكون قويما رشيدا ..!!
في ظلال ( يأس الضعفاء ) من العدل الذي يعمل على تكريسه إنسان متغلب وإن لبس قفافيز بيض ، أو تزيا بزي القانون الدولي ، أو اصطبغ بأصبغة حقوق الإنسان ...تتفاعل جزئيات يورانيوم الكراهية إشعاعا قاتلا مدمرا لكل ما هو حق وخيّر وجميل في حياة الناس ..
تصادر أحكام ( البراءة ) الوالغة في الجريمة التي أصدرها مأمور في القضاء المصري بالأمس الجهد الإنساني النبيل الذي يهدف إلى إقرار قيم المحبة والإخاء في حياة الناس . وهي بكل ما فيها من جنف وحيف وظلم ومن افتئات على قيم العدالة لا تختلف كثيرا عن تلك الأحكام التي كانت تحكم على المئات بالإعدام جزافا ، أو تقنن الإعدام لكل مخالف في رأي سياسي أو مذهبي كما فعل قانون حافظ الأسد الشهير بالقانون 49 / 1980 الذي حكم بالإعدام على جميع منتسي جماعة الإخوان المسلمين ونفذ على عشرات الألوف من الأبرياء حتى من الانتماء إلى هذه الجماعة وبأثر رجعي ..
إننا ، نحن المسلمين ، الأمة الأكثر تضررا من مشروع الغلو ومن تصرفات الغلاة الذين تسمونهم ( الإرهابيين ) ، والأمة الأكثر حرصا على تجفيف منابع هذا الغلو فكرا وموقفا وسلوكا ، والأمة الأكثرتمسكا أن تسود روح البر والقسط بين البشر أجمعين ؛ نؤكد لكل من يعنيهم أمر وقف دوامات العنف والقتل وسفك الدماء أن الاسترسال في طرائق البغي والجور وتكريس يأس الضعفاء من العدل تنقض دائما مرتكزات الحب والتعاون والبر والقسط بين الناس ، وتؤسس لعالم يسوده الشر والكراهية والبغي والعدوان ...
تصدوا لظلم الظالمين وخذوا على أيديهم تحاصروا مشروعات الإرهاب والإرهابيين ، ولا طريق لحرب الإرهاب غير هذا الطريق . توقفوا عن ممارسة الإرهاب الفاعل تقطعوا الطريق على الإرهاب المنفعل فكرا وسلوكا وتنقذوا بذلك أرواح ضحاياه وفي مقدمتهم أرواح حامليه ومنفذيه
معذرة إلى ربنا ..
* مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية