سباعية الحقيقة التونسية

زهير سالم*

تعالوا نقرأها لكم أو عليكم

زهير سالم*

[email protected]

تذهب بك المذاهب كل مذهب وأنت تتابع الوجوم الذي يكسو وجه الإعلام السوري في موقفه من الثورة الشعبية في تونس الشقيقة. ما يجري في تونس ليس مباراة كرة، ولا هو تحطم طائرة في آلاسكا، وليس خبرا فنيا عن جارية أو ساقية، كما إنه ليس خبرا من النوع الذي اعتادت قناة الجزيرة أن تلتقطه كل صباح من الصحافة السورية لتذكرنا بوجودها..

ما يجري في تونس هو عرض لحقيقة وثائقية بالصور الحية للمصير الذي يقف بمرصاد الظالمين . وتجاهلُ هذا الحدث لا يلغيه، ولا يصادر مساراته هذه حقائق تاريخية وسنن كونية. الحمقى وحدهم هم الذين لا يشهدون الموتى كي لا يموتوا!!

يؤكد السطر الأول في رسالة الحقيقة التونسية الحكمة القديمة: [ الظلم مرتعه وخيم ] ، تلك الحكمة التي يظن البعض أن باستطاعتهم نسخها أو تحويلها أو تبديلها أو الالتفاف عليها...

ويوضح السطر الثاني في تلك الحقيقة أن الركن الشديد، الذي يأوي إليه الظالمون والمستبدون ولو كان في باريس أو واشنطن أو حتى تل أبيب لا يجدي، عندما يجد الجد، وتبلغ الحلقوم، نذكّر فقط بعدد المرات التي عقد فيها ساركوزي مع خبرائه ووزرائه لقاءات استثنائية ساخنة لدراسة الوضع في تونس، وكأن تونس ولاية فرنسية!! وكأن ابن علي عامل لساركوزي عليها. نتذكر أن فرنسا، خلفت في مستعمراتها وكلاء، وهي ما تزال تتصرف مع جميع هذه المستعمرات باعتبار ما كان، ومن تابع بجد لم تنقصه الوقائع والشواهد في جميع الولايات...

الحذر من عودة الأمور إلى أيدي أبناء تونس الأصيلين لا يخفيه فرنسي ولا أمريكي ولا ألماني ولا صهيوني. كانت الرسالة واضحة بالنسبة إلينا أيها المتربصون. إنها ديمقراطية الاستئصال والإقصاء، هذه هي الرسالة التي تخصنا نحن المستضعفين..

وكان السطر الثالث في رسالة الحقيقة التونسية: قلة الجدوى ساعة الجد من الأبراج والأسوار، أبراج القصور المحمية، وأسوار الجند والأجهزة الأمنية، سطر يردد في مسمعيك قوله تعالى (وَظَنُّوا أَنَّهُم مَّانِعَتُهُمْ حُصُونُهُم مِّنَ اللَّهِ فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ..) أرأيت رئيسا يفر كما فر، ويذوب كما ذاب؟! ذاك هو الرعب حين يدب في القلوب..

وتصفُ حروف السطر الرابع عبيدَ الخصب هؤلاء الذين يرتعون حول الظالمين، كما نرى وينفضّون عن الظالم كما رأينا. نسمعهم اليوم وكلٌ يدعي فصلا عن ليلى، الكل يعلن البراءة، ويؤكد الرفض، ويتنصل من الصحبة والصداقة والتبعة. ما كان أحوج بن علي لو كان صديقا لنفسه صادقا لمقاربة الصادقين الذين يقولون له نعم، ويقولون له لا، ويقولون له نعم ولكن... دبس الحاكم الحلو يفرض عليه أن يكون أكثر حيطة في اختيار البطانة والأعوان. حقيقة أفاض فيها الناصحون، وأكثر فيها المصلحون؛ ولكن هيهات هيهات... قال الصحابة لعمر ولو رتعت لرتعوا، وهل تروج في سوق السلطان غير بضاعته؟! معذرةً إلى ربنا

والسطر الخامس في رسالة الحقيقة التونسية في قوله ( فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا )، أتاهم من أهون الأسباب، ومن أبسطها وأقربها.. لم يكن الذي أطلق شرارة الثورة، زعيما ولا خطيبا ولا سياسيا، كان مجرد جائع تفجرت قوته من ضعفه وأجمع أهل الأرض على الانتصار له والسير وراءه..

تتحسب الأجهزة الأمنية، تتابع من يفكر ومن يعبر ومن ينظّر، تعد الكلمات، تكتم الأنفاس، تراقب الزفرات ثم يفجؤها أهون شيء في تقديرها، فيُبطل كل ما قدرت ودبرت. وتعددت الأسباب والموت واحد. يقول لك السطر الخامس: احذر لا تدري متى يصطك الحجر بالحجر وتنطلق الشرارة ويشتعل حطام الظالمين..

ثم يسائلنا السطر السادس ما أسهل الذهاب بالظالمين؟ وما أهون هذا الذي يفكر فيه المفكرون، ويتنازع فيه المتنازعون، ويصبر على الأذى فيه المتصاغرون؟! ادخلوا عليهم الباب، أو اخرجوا إلى الشارع، ورددوا: لا..ثم لا.. ثم لا.. و يكفي فيه مثل ما جرى في تونس، واستمع إن امتريت إلى السنة الربانية الخالدة: (قَالَ رَجُلانِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمَا : ادْخُلُواْ عَلَيْهِمُ الْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ ، وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُواْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ..). يسائلنا السطر السادس أيهما أشد مشقة، وأبلغ كلفة، آلصبر على الذل والهوان وعلى الاستبداد والفساد أم الصبر على كلفة وقفة العز، وقولة الحق؟! درس الحقيقة التونسية يؤكد أن بيت الظالمين أوهن من بيت العنكبوت (مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاء كَمَثَلِ الْعَنكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ..)..

هل نستمر في القراءة عليكم؟ قد يطول الدرس؛ ولكن حقيقتنا في السطر السابع هي التي نختم بها هذا المقام هي رفضنا المطلق لبداية ابن علي ولنهايته جميعا، نرفض البداية التي سار عليها ومن ذاك الرفض نشتق الرفض للنهاية التي انتهى إليها. كانت النهاية هي بعض خياره السيئ الذي أصر عليه، ولم يسمع نصح الناصحين فيه.. من رفضنا للسيرورة نرفض الصيرورة . نؤكد رفضنا لمقولة طالما رددها البعض على مسامعنا: لن يخرجوا من السجن حتى ندخله، ولن يعودوا إلى الوطن حتى نطرد منه، ما كان أغنى ابن علي عن هذا الخروج المهين الذليل؟!! لأننا ومهما طال الزمان نحن العائدون ونحن الباقون..( وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ إِنَّ فِي هَذَا لَبَلاغًا لِّقَوْمٍ عَابِدِينَ) ..

حقيقتنا تقول إن الوطن أرضه وسماءه أرحب مما يظنه المحدودون، وهو حضن أم حنون: ميثاق وطني جامع ، وعقد اجتماعي يفصل الواجبات والحقوق، ميثاق وعقد مثل هذين كانا سيحميان ابن علي وكل إنسان على أرض الوطن من المصير المهين..

حقيقتنا الأخيرة تقول:

لعمرك ما ضاقت بلاد بأهلها ولكن أحلام الرجال تضيق

       

* مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

*مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية