بعد جزرة أوباما وقرار الكنيست الإسرائيلي

زهير سالم*

بعد جزرة أوباما وقرار الكنيست الإسرائيلي

أما لليل العجز من آخر؟!

زهير سالم*

[email protected]

لا يخفى على أحد التشابك والتعقيد في الواقع العربي، في فلسطين ولبنان والعراق ومن ثم الاضطراب في المواقف والسياسات في مصر وسورية وغيرهما من دول الجامعة العربية. في فلسطين يحلو للبعض أن يعلق على مشجب الانقسام الفلسطيني حالة الإثم الكبير الذي تعيشه القضية الفلسطينية. ولكن القضية الفلسطينية دخلت حالة الاختناق غير السوي منذ كامبد ديفيد الأول ومن بعده مدريد..

وفي لبنان تُقدم الهندسة الطائفية بتراثها وواقعها لتكون المسئولة الأولى عن الصراع البيني الذي لم يجد حتى الآن مظلة وطنية تحتويه. ويتناسى المخادعون أن لبنان قام أساسا غطاء لوضع طائفي أراد البعض تضخيمه واستثماره!!

وفي العراق يسعى الاحتلال الأمريكي جاهدا لتحويل العراق إلى تجاعيد لبنان جديد. حيث تمتد كل الأيدي بالسوء لتنال من وحدة العراق وعروبته. وأكثر الذين يتضاغون اليوم على المسرح العراقي تتناقض مشروعاتهم مع عروبة العراق ووحدته.

وفي الوقت الذي استراحت فيه مصر، بثقلها الاستراتيجي، إلى دور المتفرج معرضة عما يدور حولها؛ فإن سورية هي الأخرى ما زالت تبدئ وتعيد في حديث بلا سقف عن مفاوضات، أصبح الحديث عنها مثيرا للإشفاق، أو دافعا للاستصغار.

إن المستفيد الأول والوحيد مما يجري بيننا وينفّذ علينا هو المحتل الصهيوني الذي يزحف على مربعات وجودنا مربعا بعد آخر. قضمة هنا وصفعة هناك، ( وما لجرح بميت إيلام ).

فانفصال جنوب السودان، الذي أمسى قريبا، يعني تأسيس قاعدة استراتيجية للكيان المحتل في قلب القارة السوداء. وما جرى ويجري في العراق لم يعد بحاجة إلى تعليق، فقد تحول عراق ما بعد الاحتلال بشماله وجنوبه وكرا يسرح ويمرح فيه عملاء الموساد. ويرتكبون فيه الفظائع ويجدون من لابسي ثياب الشهرة والزور من يسارع إلى تحمل المسئولية عنها وعنهم. اختفى العراق العربي الموحد الذي كان اختفاؤه ثأرا تاريخيا أدركه أصحابه بعد آلاف السنين. وفي لبنان يبدو مشروع فرز القوى أكثر تعقيدا في المشهد السياسي، حيث لكل قوة ظاهر وباطن، وقريب وبعيد، وحبل سري وارتباط مشيمي، في لبنان هذا يتقدم المشروع الصهيوني، مكرا مفرا مقبلا مدبرا حتى لا تكاد العين تمسك به في غدوه أو رواحه ، وتأمل إذا شئت ما اكتُشف حتى الآن من شبكات الجواسيس، وابحث بحيادية عمن قََتل وقُتل من قيادات لبنان، الشلو الممزق على أيدي بنيه.

وعلى الأرض، في حيفا ويافا وأم الفحم وفي القدس ونابلس وبيت لحم، وفي الجولان، الذي لم يكن قط غريبا عن السياق؛ ما يزال الاحتلال يتضخم ويتوسع، يقضم الأرض وينال من الهوية والإنسان.

وكما يتقدم المشروع الصهيوني على الأرض يتقدم أيضا على الصعد الاستراتيجية والسياسية. وفي الوقت الذي تتبارى فيه الجامعة العربية ودولها في تقديم التنازلات الصامتة والناطقة للمشروع الصهيوني ورعاته وحماته يبالغ الكيان الصهيوني في بناء الاستحكامات والدشم السياسية لحماية ما اغتصبه، وجعل ما وضع يده عليه أمرا واقعا لا يمكن التجاوز عنه..

الجزرة الأمريكية، التي ما يزال نتنياهو يتأملها، مقابل تجميد الاستيطان ثلاثة أشهر فقط ، وفقط هذه مهمة جدا ، هي في وجهها الآخر صب لحميم الخزي على الجامعة العربية شعوبها وحكوماتها. هذا الخزي التاريخي لا يستثني أحدا، فنحن لا نتوقف اليوم كثيرا عند المحق والمبطل من ملوك دول الطوائف، لا يهمنا كثيرا الظالم والمظلوم منهم، بل نظن أن حكم التاريخ يشملهم جميعا بأنهم قد فرّطوا وضيّعوا وهانوا على أنفسهم وعلى الناس والأجيال.

وفي السياق نفسه يأتي قرار الكنيست الصهيوني بتعليق الانسحاب من أي أرض احتلها الغاصبون بإرادة الناخب الصهيوني. إن هذا القرار يعني رهن أي اتفاقية يتوصل إليها الباحثون عن سلام ( ويا سلام على السلام )، بقرار الأفراد من المتعصبين والمعتوهين والممسوسين و ( الحريديم )، بحيث أصبح الحديث عن المفاوضات بلا معنى حقيقي.

مع من يريد أن يتفاوض بعد اليوم مَن ما يزال يردد منذ مدريد (رقية العقرب) من رواية السلام البئيس. مع من سيتفاوض المتفاوضون إلا أن يروا في كل فرد من أبناء هذا التجمع العشوائي ندا يُملي شروطه ويُشترَى رضاه.

والذي يزيد من عجبٍ و من ألمٍ ومن شعورٍ بالهوان... أنه ورغم كل هذه القرارات الانفرادية ( كما يسميها الأمريكيون !!) لا تجرأ الدول العربية منفردة أو مجتمعة أن تفكر ولو لمرة واحدة بموقف يكافئ الموقف، أو بقرار بحجم القرار. أو بإدانة موازية للجناية.

و نعود إلى جولاننا المحتل، وإلى الحديث الذي لا يمل عن سبحة الشيطان في الإصرار على المفاوضات تحت هذا السقف!!! وضمن هذه الشروط !!! لن نجد لأنفسنا إلا أن نستعيذ مما استعاذ منه رسول الله صلى الله عليه وسلم: الهم والحزن والعجز والكسل..

إنه العجز الذي يجعل بعض الناس يتثاءبون كلما ألزهم سؤال بتكرار الحديث عن الأرض والمياه والحقوق وخيار السلام وقثاء المفاوضات وعدس الوسطاء وفوم المحتلين وبصلهم أيضا..

((أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ؟!))، ورواية الإمام علي رضي الله عنه وما غزي قوم في عقر دارهم إلا ذلوا...

       

* مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

*مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية