في اليوم العالمي لمناهضة عقوبة الإعدام
في اليوم العالمي لمناهضة عقوبة الإعدام
يعترضون على إعدام المجرمين ويسكتون عن إعدام الأبرياء
زهير سالم*
أصبح النفاق خلقا سائدا في عالم اليوم. هو عند البعض لطف ودماثة. وهو عند آخرين دبلوماسية. وهو عند فريق ثالث، مرد عليه، اعتبار للأولويات.
تضج دول ومنظمات وناشطون وإنسسنيون احتجاجا على إعدام القتلة والمغتصبين، ومرتكبي الجرائم الكبرى بحق بني الإنسان، ويسكتون عن القتل المادي والمعنوي بحق الحضارات والثقافات الأمم والشعوب والجماعات ورجال العقيدة والفكر والرأي ..
في شريعتنا الإسلامية تحتفظ الحياة الإنسانية في إطاريها الفردي والجماعي بقدسيتها الشفافة فلا تقارب، إلا من أجل الحفاظ عليها. تدافع الشريعة الإسلامية عن الحياة الإنسانية، فتدرأ بالبلاء الخاص بلاء عاما، وبالمفسدة الصغيرة مفسدة أكبر. وهذا هو المعنى الذي أشار إليه القرآن الكريم في قوله تعالى: (وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ). فالقرآن الكريم الذي زين العفو، وحبب فيه، وحض عليه، وندب إلى التعاون عليه؛ أقرّ القصاص فيما أقر حسما لمادة الشر، وإغلاقا لبابه، ووضعا للحق في نصابه. وجعل من قتل نفسا (بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا. ). وحسمُ مادة الشر مطلب تشريعي لحماية الحياة الإنسانية، التي جعل الإسلام حمايتها من المقاصد الأولية لشريعته.
لا يتسع المقام لمناقشة نظريتي الجريمة والعقاب.. ولكننا بعجالة نقول إن التوجه العالمي نحو نظريات ( تدليل ) المجرمين، وتطبيقاتها العملية، والضغط على جميع الدول لتليين العقوبات بحق القتلة والمغتصبين ومرتكبي الجرائم بحق الإنسانية والسَّرَق ، ليس الذين يسرقون ليأكلون!!، وإنما الذين يسببون كوارث لشعوبهم وللعالم بسرقة المليارات والملايين ثم يبؤون بسجن خمسة نجوم ولثلاث أو أربع سنين، نقول إن التوجه العالمي نحو قوانين لينة للعقوبات التي يشرعها ويسوّقها اليوم مجرمون ملثمون، ما تزال تزيد يوما بعد يوم من معدلات الجريمة العالمية، وتزيد من عنف الجرائم وقسوتها.
في كل تجربة إنسانية تعتبر المخرجات مقياسا لسلامة المدخلات. وتعتمد النتائج دليل صحة المقدمات. والسعي إلى مجتمع إنساني تنتفي فيه الجريمة، أو تتوارى كما وكيفا هو المطلب الأول للسياسات التشريعية. للتأسيس لحماية حقوق الجماعة في توازن مع حماية حقوق الفرد. هذا التوازن المنشود والمطلوب بين حقوق الجماعة وحقوق الفرد هو مناط العدل. وهو المطلب الذي يسقط الشفقة الكاذبة، والتعاطف المزيف مع المجرم على حساب الضحية، وعلى حساب المجتمع بتعريض أعضاء الجماعة الإنسانية إلى المزيد من العدوان. عندما تمتد الغنغرينا إلى عضو من أعضاء الإنسان لا يجد بدا من بتره طلبا لحماية نفسه. ولن نجد مدعيا للشفقة والإنسانية يعترض عليه. ولكن كل هذه المبادئ والقواعد يجب أن تنحسر وتتوارى في حضارة تؤسس للجريمة، وتحمي المجرمين!!
نحن أبدا مع صيانة الحياة الإنسانية. ونحن الذين اعتبرت شريعتنا قتل إنسان واحد بغير حق بمثابة قتل للإنسانية جميعا. (مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا). ومن هذا المنطلق ندافع عن الحياة وعن قدسيتها ولو بما تناذر بالعفن من بنيها.
في اليوم العالمي لمناهضة عقوبة الإعدام يبقى ملف عقوبة الإثم مفتوحا، تحت عنوان القانون 49/ 1980 وتطبيقاته. يبقى قانون الإثم لطخة في تاريخ التمدن الإنساني في العصر الحديث. نضحك كالبكا ونحن نتابع منظومات النفاق الأممي وهي تتبارى في إدانة تشريعات الإعدام بحق القتلة والمغتصبين ثم ينكّسون رؤوسهم ويديرون ظهورهم لقانون يشرعن قتل الأبرياء من العلماء والمثقفين والأدباء والأطباء والشعراء ورجال الفكر وأصحاب الرأي والعقيدة..
سيسجل التاريخ أنه في تاريخ المدنية الإنسانية، والتشريع الإنساني، كان هناك في القرنين العشرين والحادي والعشرين أيضا قانون يشرعن إعدام صاحب العقيدة لعقيدته، وصاحب الرأي لرأيه، ورجل الثقافة لثقافته، وكانت القصيدة في حب الوطن تقتل صاحبها، وكانت زفرة الشوق حبل مشنقة يفتله قاض باسم القانون 49/ 1980...
سيسجل التاريخ على كل الصامتين الذين علموا والذين سمعوا والذين مروا والذين صمتوا أنهم كانوا شركاء في فعلة قابيل الأول الذي أخبر صاحب شريعة صيانة الحياة أنه ما من نفس تقتل إلا على ابن آدم الأول من إثمها نصيب..
* مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية