زهرة المدائن .. وأوساخ الصهاينة

أ.د. حلمي القاعود

زهرة المدائن .. وأوساخ الصهاينة!

أ.د. حلمي محمد القاعود

[email protected]

في غمرة المفاوضات العبثية بين سلطة الحكم الإداري الذاتي المحدود في رام الله ، وبناء المستعمرات في القدس العتيقة المحتلة ، وعمليات القتل اليومي والاعتقال المستمر للشعب الفلسطيني في غزة والضفة ، وحصار القطاع حصاراً وحشياً يؤدى إلى الموت المجاني ؛ تتسرب الأخبار عن قرب تنفيذ المراحل الأخيرة لهدم المسجد الأقصى المبارك ، وقبة الصخرة والآثار الإسلامية في زهرة المدائن ، لإقامة ما يُسمى بالهيكل تنفيذاً لوعود الرّب لليهود القتلة الغزاة ! وتنشر الصحف الصهيونية لأول مرة صور الهيكل المقترح إقامته فضلاً عن الصورة المتخيلة لمدينة داود القديمة وفقا لمزاعم توراتية كاذبة !

الغزاة اليهود القتلة يعملون في دأب وإصرار وجرأة لتهويد المدينة المقدسة ونفى الصفة الإسلامية عنها ، وتدمير أعزّ ما يتمسّك به المسلمون من آثار إسلامية ، دون أن يعبأوا بأخلاق أو ضمير أو قانون دولي .. ثم إنهم لا يضعون في حسبانهم أي ردّ فعل للحكومات العربية والإسلامية القائمة ، فكثير منها يتهافت على كسب الود والرضا ، من حكومة العدوّ النازية ، والتطبيع معها ، والمرور من خلالها إلى رضا الشيطان الأكبر ومودته ، واكتساب شهادة حسن السير والسلوك من عاصمته الصليبية الاستعمارية واشنطن..

لقد أخذت مقولات الصهاينة القدامى والجدد تظهر إلى الوجود مرة أخرى دون حياء أو خجل ويُعاد ترديدها ، إذلالاً للعرب والمسلمين في ظل ضعفهم وتفرقهم وتناحرهم . يقول المستعمر اليهودي الصهيوني الأول " تيودور هرتزل " :

" إذا حصلنا يوماً على القدس سأزيل كل ما ليس مقدساً لدى اليهود وأحرق الآثار التي مرت عليها عبر القرون " .

ويقول سلومون جرشون ، زعيم حركة أمناء جبل الهيكل في ها آرتس 15 / 9 / 1998م  :

" لن نتخلى أبداً عن جبل الهيكل – يقصد الحرم القدسي – ومهمة جيلنا هي تحرير الجبل وإزالة كل الأوساخ عنه !! ولن ينجحوا – يقصد العرب والمسلمين – في وقف شعب إسرائيل على بوابات جبل الهيكل ، وسنرفع العلم الإسرائيلي فوقه ، ولن تكون هناك لا قبة ولا صخرة ولا أقصى ، إنما فقط علم إسرائيل والهيكل ، وهذه هي الوصية التي أوجهها لجيلنا . "

إن القوم الغزاة منذ مؤتمر بال في سويسرا أواخر القرن التاسع عشر ، يعلمون ويعملون ويعرفون ما يعملون ، ويُهيئون العالم لما يعلمون ، وفى كل الأحوال يتحركون بمنطق القوة والهيمنة والقسوة بلا حدود ، وهم اليوم بعد أكثر من أربعين سنة من احتلال القدس العتيقة ، يشرّعون – وهم اللصوص القتلة – لما يُسمى القدس الموحدة عاصمة للكيان النازي اليهودي الغاصب ، وفى الذكرى الحادية والأربعين لاحتلال الضفة والقطاع والجولان وسيناء وأجزاء من جنوب لبنان في الخامس من يونيو 1967م ، صادق ما يُسمى الكنيست اليهودي بالقراءة التمهيدية بأغلبية كبيرة على مشروع قانون يُعيد القدس المحتلة عاصمة الكيان الغاصب والشعب اليهودي ، وذكر راديو الغزاة بأن مشروع القانون تقدم به النائب عن حزب المفدال " زفولون أوزليف ". وكانت الإرهابية اليهودية " جيئولا كوهين " ( وهى والدة رئيس لجنة الخارجية والأمن الحالي في الكنيست واسمه تساهى ها نجبى ) قد تقدمت عام 1981م بمشروع قانون ضم القدس المحتلة إلى الكيان الغاصب ، واقترحت إعلان القدس بالحدود التي رسمها الغزاة في يونيو 1967م عاصمة رسمية ، وفرض حظر على تقسيم المدينة الأسيرة أو تغيير حدودها ، لتصير القدس الموحدة والعاصمة مبدأ دستوريا في جهاز القانون اليهودي للكيان الغاصب .

وفى عام 2001م أضاف الكنيست بنداً إلى القانون يقول إن حدود مدينة القدس هي الحدود الواردة في الأمر الحكومي في يونيو 1967م ، وأنه يمنع نقل صلاحيات السلطات اليهودية في القدس لأي عنصر سياسي أجنبي . ومن حين لآخر يُمارس الغزاة اليهود على الأرض ، أخطر عمليات التهويد ، وذلك بإقامة المساكن اليهودية والمستعمرات اليهودية في القدس العتيقة وما حولها ، مع ممارسة التطهير العرقي ضد السكان العرب والمسلمين في المدينة المقدسة ، والاستيلاء على ممتلكاتهم العقارية ومؤسساتهم الاجتماعية تحت ذرائع كاذبة وواهية .

في الوقت نفسه ، فإن الغزاة النازيين اليهود يسعون للحصول على الدعم العالمي مادياً ومعنوياً وخاصة من دول الغرب الصليبي الاستعماري بقيادة الولايات المتحدة ، حتى صار تقليداً دورياً أن يتسابق مرشحو الرئاسة الأمريكية  لإرضاء الغزاة النازيين اليهود ، وتأييد دولتهم الاستعمارية الغاصبة ، والموافقة على كل خططهم الإجرامية ضد العرب والمسلمين ، والمدينة المقدسة بالدرجة الأولى .

لقد أكد مؤخرا المرشح الديمقراطي للانتخابات الرئاسية الأمريكية " باراك أوباما " أنه سيعمل على إلغاء التهديد الذي تشكله إيران(!) لمنطقة الشرق الأوسط وللأمن الدولي ، كما أكد أن القدس يجب أن تبقى عاصمة موحدة للكيان الغاصب ، وشدّد أوباما في خطاب ألقاه أمام الاجتماع السنوي للجنة الشئون العامة الأمريكية اليهودية ( إيباك ) في 3/6/2008م على دعمه للدولة العبرية مشيداً بما أسماه العلاقات الوثيقة بين الولايات المتحدة والكيان الغاصب . وأضاف : بصفتي رئيساً ، لن أقوم بأية تنازلات عندما يتعلق الأمر بأمن الكيان العبري ، مندداً بالذين ينفون وقوع المحرقة في حق اليهود ، والذين يريدون تدمير كيانهم الغاصب في فلسطين ، والذين لا يعترفون بوجود هذا الكيان ! وعدّ أوباما الكيان الغاصب أمراً مقدساً (!) وغير قابل للتفاوض .

المرشح الأمريكي الآخر " جون ماكين " موقفه لا يقل عن " جورج بوش الابن " ذوبانا وهياماً وحباً في الكيان العبري الغاصب ، وبوش كما نعلم هو الصليبي التوراتي ، الذي يعد أكثر الرؤساء الأمريكيين ولاءً لليهود وللدولة العبرية الغاصبة ، وأكثرهم غزلاً في القادة اليهود السفاحين بدءًا من بن جوريون حتى آرئيل شارون ! وخطابه في الكنيست بمناسبة الذكرى الستين لقيام الدولة العبرية الغاصبة خير دليل على ولائه وغزله الآثم !

ترى هل تترك زهرة المدائن تشهد قيام الهيكل المزعوم ، ونحن نضع أيدينا على خدودنا عجزاً وقهراً ؟ أعلم أن أباطرة منظمة التحرير في رام الله وخارجها مشغولون بتنمية ملايينهم الحرام ، وأن الحكومات العربية والإسلامية مشغولة بقهر معارضيها واسترضاء اليهود والأمريكان ، وأن الأمم المتحدة صارت فرعاً لوزارة الخارجية الأمريكية ، وأن " بان كي مون " تحول إلى سكرتير للآنسة كوندى .. ولكن أين الشعوب العربية والإسلامية ؟ بل أين أغنياء فلسطين في الخارج الذين يستطيعون شراء الممتلكات الفلسطينية وغير الفلسيطينة في القدس وغير القدس ، وإزالة أوساخ الصهاينة !

إن الطريق إلى القدس العتيقة معروف ، ولكن المدعو عبد ربه له رأى آخر !

هذه هي العلمانية !

العلمانيون في تركيا طوّعوا القضاء لمحاربة الإسلام ، وحكمت محاكمهم بإلغاء إرادة الشعب المسلم حين أقر حق المحجبات في التعليم العالي . أما تونس الخضراء ، فقد أصدرت وزارة شئون المرأة التونسية فيها قراراً يقضى بحظر الحجاب على الموظفات المنتسبات إليها ، وعدت الوزارة المذكورة تغطية الرأس شكلا من أشكال التطرّف ولا يمت لديننا الإسلامي الحنيف !

العلمانيون الأتراك والعرب يرتدون عمامة الفتوى ، ويفسرون الإسلام على طريقتهم الخاصة .. والعلمانية عندهم في كل الأحوال هي إخراج الناس من الملة .. فهل يقنعون إذا كفر الناس بالإسلام ؟ أم يصرون على ذبحهم مثلما فعلت محاكم التفتيش في الأندلس؟!!