بيروت

غادة السمان

غادة السمان

هدنة .. أريد هدنة

أوقفوا القصف المسعور .. ريثما أعيد طفلي إلى رحمي ، قبل أن يسوقه الجنون إلى مقصلة الصدفة العمياء ويعلق صوره في ملصقات من أجل فواتير أمراء الصفقات البشرية

لقد انتصرت الحماقة والرعونة والطمع . انتصرت قصفا وتهجيرا لنا .. وها هو الموت يقف على جثة أمه وقد فتح أصابعه بإشارة النصر كالمقص الجهنمي ، والجموع تصفق في غيبوبة الهذيان .. فأوقفوا هذا القصف ، واخرجوا من حناجرنا لنقول لكم كم نكرهكم .. أخرجوا خطافاتكم من لحمنا لنرجمكم .. أخرجوا من تحت جلدنا ، واقتتلوا حتى الموت ثمالى بالشعارات على مراكب الجنون .. ولكن دعونا وشأننا وأوقفوا هذا القصف ريثما أعود سحابة ترحل بلا تأشيرات في جواز سفر ، ودون أن تطوي بيتها وذاكرتها في حقائب السفر

* * * *

هدنة .. أريد هدنة

أوقفوا هذا القصف باسم طباشير الأطفال ، وفراشات العشاق ، باسم طابور الخبز على أبواب الذعر ، باسم العجائز والمحتضرين وعباد الرحمن الرحيم أوقفوا هذا القصف الرجيم .. كل شيء ينفجر بنا .. حتى الأغاني والتفاح والأبجديات التي احتكرها القراصنة . زوروها وهاهم يتشدقون بها

غلمانهم يحاولون عبثا تعليمنا ، كيف نصافح قاتل أبينا في عرس المصالح .. غدروا بنا .. صرت في مهرجاناتهم الخطابية أربط حولي حزام الأمان وأبحث عن مخرج النجاة ، بينما هم ينفخون الكلام بالغازات والحرائق

* * * *

هدنة .. أريد هدنة

لا أريد أن أصدق ، أن الكوابيس احتلت مساحة الحلم ، وانتهت بيروت في محرقة الجنون المتجددة المتنقلة بين نساء يرتدين السواد ويندبن رجالهن

لم يعد قطارنا يتوقف إلا في محطات الخيبات ، حيث الثلوج موسخة بالقطران الذي كان دما

لن يقنعني أحد

أن اللهب جميل لأنه يرقص

والقتل جميل لأنه يحاكي القدر

والظلم جميل لأنه طبع العشاق

* * * *

هدنة .. أريد هدنة

فأنا أخط سطوري والقصف يزلزل الأطفال في هذه اللحظة

الصدى لا يستطيع أن يرجع إلى صوته

ولا العطر التائه إلى وردته

ولا اللؤلؤة المثقوبة بالغربة إلى صدفتها

في قاع محيطات الذكريات اللامنسية

آه يا وطنا .. بلا وطن