كان معنا من القدس

سامح عودة

سامح عودة/ فلسطين

[email protected]

القدس المدينة الفلسطينية المنكوبة، والعاصمة الأبدية للدولة الفلسطينية الموعودة، قلب الأمة المسلوب، مسرى الرسول الكريم، أولى القبلتين، وثالث الحرمين الشرفيين، ومناقب المدينة الكنعانية كثيرة، ولكن الباب الآن ليس باباً تاريخياً لحديث عن مكانة القدس في التاريخ، إذ أن المحابر ينضبَ حبرها قبل أن تفي القدس حقها، القدس الآن تتعرض لأكبر حملة صهيونية مبرمجة، لتهجير سكانها وتغييب وجهها العربي الإسلامي، وما تنقله وسائل الإعلام يبعث في النفس غصَّة خاصة أن الأرقام الواردة من هناك لا تدعو إلى التفاؤل، وان العابرون إلى هناكَ الذين يستطيعون عبور الحدود بعد أن لفت المدينة بسور مقيت .. سلبها فرحتها، ولفها بوشاح من الحزن أثقلَ القلوب، التي ترحل إليها كل يوم، أوجع الصدور المؤمنة التي تذهب كل يوم إلى هناكَ لكنها لم تستطع، فالجند والعسكر المجتمعون على أبواب المدنية المقدسة، أو تحت أسوارها، مهيئون لقمع من يحاول أن يطوف دروبها العتيقة .

في المشهد نفسه لكن من زاوية أخرى، تتعلق بالمشهد الإعلامي الإخباري، العربي، الملتزم، والذي أبى إلا أن يكون مناصراً للحق الفلسطيني في وجه الاحتلال الإسرائيلي، حينما يبثُ تقريراً عن معاناة المدينة وأهلها تقع فضائياتنا العربية في " الشرك " ..!! وأي شرك ذاك إنها عملية ذبح المدينة، ووأدها مبكراً،  فهي من باب إظهار نزاهتها، وحياديتها، عادةً ما تلجأ إلى استضافة " إسرائيلي "  عبر شاشتها، وحتى لا أقع في " الشرك " نفسه فهو صهيوني ..!! يظهرُ بلباس أنيق، ولان دهائهم، وخبثهم فاق سذاجتنا فهم في العادة ما يلجأون إلى فرز متحدث ٍ يتقن العربية الفصحى، نشأ في المؤسسة العسكرية الصهيونية، فتعلم اللغة العربية، أو أن يكون قاتلاً للعرب، فالضيف كما يسميه الإعلام العربي،  يدلي بدلوه في الموضوع الذي استضيف من أجله، ويطرح وجهة نظره، حتى النهاية، وينتهي المقابلة حتى تجد المذيع بابتسامة صفراوية يقول ...

" حدثنا من القدس .... "

" كان معنا من القدس ..... "

وكلمات أخرى تربط بين ذاك الصهيوني ومدينة القدس، فلست أدري ما وجه الربط بين هذا الصهيوني ومدينة القدس ؟ وهل تقع فضائياتنا العربية دون استثناء في هذا " الشرك " عن قصد ؟، أم عن غير قصد ؟

الإعلام الفضائي اليوم يشهد ثورة في تقنياته، وفي أدواته، وفي المجال انتشاره، فهو يعبر الحدود دونما استئذان،  وللحقيقة فان جمهور الإعلام الإخباري العربي في ازدياد، وبالتالي فان المادة الإعلامية المقدمة في لحظة تصل إلى ملاين البشر، وان كلمات كتلك التي يتفوه بها مذيعونا تصل إلى جمهور ربما يعرف العربية، لكنه ليس عربياً، وان الربط بين " إسرائيلي " ومدينة القدس يكونِّ رأياً نمطياً، ورأياً مسبقاً، بحيث يربط المشاهد بين الشخصية المتحدثة والمكان الذي تتحدث منه، ومع مرور الأيام ترسخ في ذهنية من لا يعرفون عن أسباب الصراع شيئاً، أن الصراع بيننا ال " نحن " الفلسطينينيون، وال " هم " لقطاء الأرض،  هو صراع واختلاف في وجهات النظر ...!!

إن الصراع هو صراع عقائدي قبل كل شيء، وهو صراع على البقاء، فإما أن نكون نحن أو يكونوا هم، ولذلك فهم يلجأون إلى استخدام المكر والدهاء، كي يربطون بين وجودهم ألا شرعي على أرضنا،  ولذلك فأن الإعلام هو الطريقُ السهل كي ينفذوا إلى أدمغتنا، ويفتحون أبواب الشيطان في رؤوسنا، فالبعيدُ عن القدس في أصقاع الأرض في لحظة ما سوف يكون إلى صفهم لان الإعلام الحديث وبتقنيات ال " دجيتال " يستطيع أن  يفعل ما لم تقدر الآلة العسكرية على فعله، حينما تتحول الحربُ إلى حرب قناعات، مدينة القدس التي تتعرض لحملة صهيونية مسعورة، وتتعرض لأبشع أنواع التهويد كيف لها أن تصمدَ في وجه كل هذه المؤامرات دون  أن تقدم يد العون لها على الأقل إعلاميا .

بلا شك أن كثيراً من المصطلحات التي تسقطُ في وسائل إعلامنا وخاصة فضائياتنا تبعثُ على الاشمئزاز، وتتطلب إعادة النظر في السياسة الإعلامية العربية، كي لا نسقطَ في دروب الشرك ونحن لا ندري، أو في كثير من الأحيان ندري ولكن نريد أن نفلسف المشهد ونجعله قابلاً للتأويل،  بحيث إذا ما استضفنا إسرائيلي " من القدس " ..!! نعتبرها قفزة نوعية وكأننا خرجنا عن النمط التقليدي ..

فعذراً يا وسائل الإعلام العربي، لقد مارستم هواياتكم، وتفننتم، في قتلنا بخيط من حرير وسكتنا، لعبتم على وتر الانقسام، وأججتم الخلاف، ونشرتم من الكذب الكثير، وجعلتم من القضية الفلسطينية " قميص " عثمان ..!! فصمتنا، وجعلتم من الفلسطينيين مادة للندب، والتفريغ، وصمتنا أيضاً، واستضفتم عبر شاشاتكم الصغيرة إسرائيليون وقدمتموهم للعالم على أنهم أصحاب رأي وصمتنا، ترى أمام فوضى المشهد الإعلامي العربي هل سيستمرُ صمتنا أكثر ..!! كان معكم من خارج مدينة القدس فلسطيني يأبى الصمت على ما يجري من استخفاف بالعقول .