جريمة بحق الثقافة

أ.د. حلمي محمد القاعود

الشاعر الدكتور كمال رشيد

في رحاب الله

صباح هذا اليوم السبت 29/03/2008 انتقل إلى رحمة الله وعفوه الأخ الحبيب الشاعر الكبير الدكتور كمال رشيد (تغمده الله بفيض رحمته ورضوانه)

وسوف يصلي عليه بعد صلاة الظهر غداً الأحد 20/03/2008 في مسجد الحسين الكائن في حدائق الحسين ثم يوارى جثمانه الطاهر.

               

أ.د. حلمي محمد القاعود

[email protected]

قال الكاتب الفرانكفوني – من أصل مغربي – الطاهر بن جلون :  إن مقاطعة معرض باريس للكتاب الذي افتتح مساء 13مارس 2008م "جريمة بحق الثقافة " !!

كان العرب والمسلمون قد قاطعوا المعرض الذي جاء تكريما للغزاة النازيين اليهود القتلة في فلسطين المحتلة بمناسبة مرور ستين عاما على اغتصاب فلسطين العربية المسلمة وتشريد أهلها ، وتم التكريم من خلال رموز القتلة وفي مقدمتهم سفاح قانا " شيمون بيريز " رئيس الكيان الصهيوني ، كما تزامن التكريم مع الهولوكست الذي صنعه اليهود في غزة الفلسطينية المحاصرة بالجوع والموت والدمار ، والتواطؤ الرسمي العربي الإسلامي بالصمت أو التشجيع أو الموافقة ، فضلا عن الدعم الغربي الصليبي الاستعماري الهمجي بقيادة الولايات الأميركية المتحدة .

الطاهر بن جلون نمط من المثقفين العرب الذين جعلوا ولاءهم المطلق للمستعمرين الصليبيين الهمج بصفة عامة ، وفرنسا بصفة خاصة ، وهو بعد تجاربه الأدبية الأولي التي كتبها بعربية ركيكة ، صار يكتب بالفرنسية . ومحاور كتابته تدور حول تشويه الإسلام ، وتقديمه للغرب بصورة يحبها الغرب الصليبي الاستعماري الهمجي ، وهي صورة الدين الذي يدعو إلى القتل وسفك الدماء وقهر المرأة والتزمت الديني الشديد في العلاقات بين الرجل والمرأة ، والإيمان بالأساطير والخرافات ، وعشق الجهل والتخلف والماضي .. وقد قدمت نموذجا لكتاباته في دراسة مطولة لأحدى رواياته ضمنتها بعض كتبي التي صدرت مؤخرا . . و كوفئ الرجل الفرانكفوني على ولائه بالجوائز والمناصب والمنافع !

كنت أتمنى أن يكون لدى الطاهر بن جلون - ومن على شاكلته – بعض النخوة والمروءة ، فيصدرون بيانا ينتقد أو يدين الكيان الصهيوني الإجرامي ،والهولوكست الذي صنعة في غزة وما قبل غزة ، ويقف موقفا يحسب له مثل بعض الكتاب الصهاينة الذي أفزعهم ما تفعله الآلة العسكرية الصهيونية ضد الفلسطينيين ، فلم يستطيعوا مغالبة ضمائرهم ، فانتقدوا المعرض ومن أقاموه والكيان الذي ينتسبون إليه ، وتجاوز الأخلاق والشرف والإنسانية فضلا عن القوانين الدولية – صحيح أنهم ندرة نادرة ، ولكنهم انتسبوا إلى الضمير الإنساني ، وكانوا أكثر نخوة ومروءة من الطاهر بن جلون وأشباهه في بلادنا التعيسة .

لقد أرسل أهارون شابتاي – الكاتب الصهيوني - رسالة إلى وزارة الثقافة الفرنسية أكد فيها أن دولة تستمر في الاحتلال ، وترتكب كل يوم مجازر بحق المدنيين لا تستحق أن تدعى إلى أي أسبوع ثقافي ، ورأى أن دعوة الكيان الصهيوني الذي ينتسب إليه عمل " ضد الثقافة ، وعمل بربري متنكر في زى الثقافة ويعبر عن دعم فرنسا لهذا الكيان " .. وكان أهارون شابتاي الكاتب الصهيوني الوحيد من بين الأربعين كاتبا صهيونيا الذين دعتهم فرنسا لحضور معرض باريس ، ورفض المشاركة في المعرض أو الذهاب إليه .

من يتأمل موقف  " الطاهر بن جلون " الذي ينتسب إلى العرب والمسلمين ، وموقف الكاتب الصهيوني ، يشعر بالدوار والخجل والعار ، لأن كاتبا عربيا مسلما يعلم جيدا أن شعبا عربيا مسلما اسمه فلسطين يعيش جزء منه تحت الحصار والجوع والقهر والقتل اليومي ، والجزء الأكبر منه يعيش غريبا مشردا في المنافي والمهاجر والمخيمات ، ينتظر معونة من هنا أوهناك أو من وكالة الغوث ، ليستمر في الحياة البائسة الذليلة ، بلا جواز سفر ،ولا هوية ، ومع ذلك لا يعبأ به ، وكأنه لم يسمع عنه !

الطاهر بن جلون ليس وحده الذي وقف هذا الموقف المخزي ، فهناك أشباهه من الكتاب الذين شككوا في جدوى المقاطعة ، وعدوها سلاحا فاشلا ، بيد أنهم لم يقولوا لنا ما هي الأسلحة الناجحة والناجعة !!

لقد تسلل نفر منهم في سرية وكتمان ، وراح يحتفل مع الدولة المضيفة ، ويشارك في عرس الدولة الضيف (!!) بإصدار الترجمة  الفرنسية لبعض كتبه ورواياته ، وغلبت مصالحهم الخاصة ومنافعهم الذاتية على مصالح الأمة والوطن .. وللأسف فإن هؤلاء يحظون في بلادنا العربية بدعاية غير مسبوقة ، مع أن أعمالهم رديئة ومحدودة القيمة وضعيفة . أحدهم مثلا كان يصنف منذ سنوات على أنه من الجماعات الإسلامية (؟)أو منتميا إلى التصور الإسلامي ،ولكنه فجأة أعلن عن خروجه من هذا الإطار ولم يعد يذكر لفظة الإسلام في كتاباته أو كلامه أو أحاديثه الصحفية ، والتحق بالسياق الشيوعي المتأمرك أو العلماني المتحرر .. فتهافتت عليه صحف النظام وأجهزة الدعاية التي يهيمن عليها الموالون للهمجية الغربية والسلطة البوليسية الفاشية ، ورفعه القوم إلى قمة الكتاب والأدباء والشعراء ، " وتعارك عليه "  تجار الكتب وباعة الصحف ، لأنه صار رجلا مستنيرا يكتب عن الشذوذ الجنسي وفصامية الشخصيات الإسلامية ، وتناقضها بين العقيدة والسلوك !!

كنت أتصور أن يستحي هؤلاء الذين شاركوا في عرس الدم على أشلاء شعبنا البائس المحاصر في فلسطين ، وخاصة أن قادة العالم الصليبي الاستعماري الهمجي لم يخافتوا بتأييد الكيان الصهيوني المجرم ، بل أعلنوا بكل قوة تأييدهم لهذا الكيان الدموي وفي مقدمهم الصهيوني " ساركوزي " رئيس دولة الاستنارة والتقدم ! ومن عجب أنه أدان الشعب الفلسطيني الذبيح ، وأعلن بكل وضوح أنه يدعم القتلة النازيين اليهود وانتهاكاتهم لحقوق الإنسان ومخالفتهم للأعراف والتقاليد والأخلاق والقوانين .. بحجة الدفاع عن النفس .

وقالت الصليبية المتعصبة " إنجيلا ميركل " بكل لسان فصيح ، وهي تلتقي بقادة الكيان الصهيوني في القدس المحتلة : إن ما يهددكم يهددنـا ! وهي عبارة موجزة دالة على عمق الكراهية الصليبية لشعب فلسطين والعرب والمسلمين . أما ما قاله بوش ، ونائبه تشيني والآنسة كوندي ، فتعرفه الدنيا كلها ، بل إن المرشحين للرئاسة الأميركية يتملقون الغزاة النازيين اليهود في خطبهم وسلوكهم وزياراتهم للوطن السليب .. وأحدث ما قاله المرشح الجمهوري " جون ماكين " هو أنه يؤيد أن تكون القدس عاصمة للكيان الصهيوني ، وسيعترف بها عاصمة فور فوزه بمنصب الرئيس الأميركي !

نحن لا نلوم الصهاينة ولا الصليبيين الهمج على مواقفهم وسلوكياتهم ضدنا لأنهم يعملون لمصالحهم ومستقبلهم ، ولكننا نخجل من هذه النخبة المثقفة التي باعت نفسها للشيطان الصليبي الهمجي ، ووقفت ضد ثقافة أمتها وحضارتها ، وبدلا من الدعوة إلى مقاطعة النشاطات الثقافية للدول الصليبية المؤيدة للعدوان الصهيوني الإجرامي فإنها تتهافت لنشر أعمالها وترجمتها إلى الفرنسية ،  والإشادة بثقافة المستعمرين الهمج  وتصورهم لنا ولثقافتنا ، والوقوف على أبواب السفارات الفرنسية ومراكزها الثقافية في عواصمنا التعيسة البائسة للحصول على دعوة لعاصمة التنوير ، ومعونات الترجمة من الفرنسية إلى العربية ، والمشاركة في الندوات والمحاضرات والاحتفاليات التي يقيمها الفرنسيون في فرنسا وخارجها تكريسا للثقافة العدوانية العنصرية الاستعلائية التي تحتقر الآخر المسلم وغيره .

لقد تمنيت أن تقوم هذه النخبة المثقفة الخائنة لدينها وأمتها وأوطانها بالدعوة إلى منع فرنسا من إقامة أي نشاط ثقافي في مصر والبلاد العربية ، وعدم دعوتها إلى المعارض العربية ، ومقاطعة أنشطتها في عواصمنا العربية والإسلامية ، ولكن ما ذا ننتظر ممن تناسوا ما فعلته الهمجية الفرنسية في إبادة الملايين في الجزائر والمغرب وتونس والشام ، فضلا عما فعله السفاح نابليون في حملته على مصر والشام ، ثم وصفوا الحملة الدموية بأنها حملة تنوير للعرب والمسلمين ، ثم احتفلوا بأموالنا بذكرى مرور قرنين على وقوعها ، وعدوها " علاقات ثقافية " بين فرنسا والعرب والمسلمين ؟ ...يا للعار !