درس في الكراهية والكيد

فهمي هويدي

فهمي هويدي

أغلب الظن أنها ليست مصادفة‏,‏ أن تنظم في مائتي جامعة أمريكية هذا الأسبوع حملة لشيطنة المسلمين‏,‏ في حين تسعي إسرائيل لاستصدار قرار من الأمم المتحدة يطالب الدول الأعضاء بمنع أي حركة إسلامية من المشاركة في الإنتخابات بدعوى أنها عنصرية وإرهابية‏.‏

(1)‏لا أعرف إلي أي درجة يمكن أن يؤخذ هذا الكلام علي محمل الجد نظرا لشذوذه وغرابته‏.‏ لكننا لا نستطيع أن نكذبه أو نتجاهله لسببين‏,‏ أولهما أن الأخبار التي نقلته شبه مؤكدة‏,‏ وثانيهما أننا نعيش زمنا انقلبت فيه أوضاع كثيرة‏,‏ حتي بات المستحيل ممكنا والشاذ والمستغرب واقعا مقبولا‏ (‏ انظر إلي وقائع المشهد الفلسطيني وصدق أو لا تصدق‏)‏ ـ وهو مايستدعي إلي أذهاننا مقولات السابقين عن علامات الساعة الصغري‏,‏ التي من بينها انقلاب الأوضاع رأسا علي عقب‏,‏ بحيث تلد الأمة ربتها‏.‏ وهذا الذي نحن بصدده من تجليات الإنقلاب الذي تحركه أطراف مشبوهة أو موصومة‏.‏

فعناصر المحافظين الجدد‏,‏ الذين لم تعد موالاتهم إسرائيل ولا كراهيتهم للعرب والمسلمين بحاجة إلي برهان‏,‏ يقفون وراء الدعوة التي اطلقت في الشهر الماضي لإقامة أسبوع الوعي بالفاشية الإسلامية في الجامعات الأمريكية‏,‏ ابتداء من أمس ‏(22‏ أكتوبر‏)‏ وإلي يوم الجمعة المقبل ‏26‏ أكتوبر‏,‏ وقد تبني الحملة واحد من متعصبيهم المهووسين‏,‏ اسمه ديفيد هورويتز‏,‏ مؤلف كتاب فن الصراع السياسي وصاحب المواقف المشهودة ضد الأمريكيين السود ‏(‏قال إنهم يجب أن يشعروا بالامتنان للعبودية التي نقلتهم من مصيرهم البائس في أفريقيا ونقلتهم إلي نور الحضارة في الولايات المتحدة‏).‏ وهو نفسه الذي يقف وراء حملة قمع أساتذة الجامعات الأمريكيين الذين لا يدينون بالولاء المطلق لإسرائيل‏,‏ أو يعارضون غزو العراق‏,‏ أو يعبرون عن أية مواقف متفهمة للقضية الفلسطينية أو متعاطفة مع العرب بوجه عام‏.‏ وقد أدت حملته إلي إنهاء عقود عدد غير قليل من أولئك الأساتذة‏,‏ الذين كان قد حرض الطلاب علي مراقبتهم‏,‏ كما أشاعت جوا من الارهاب الفكري أسفر عن تخويف الأكاديميين من الجهر بأية أراء يمكن أن تحسب عليهم‏.‏

من خلال القمع والترهيب اعتبر هورويتز وجماعته أن أي معارضة للسياسة التي تتبعها الإدارة الحالية هي تعبير عن الفاشية‏, (‏تماما كما أن إسرائيل تعتبر كل نقد لها عداء للسامية‏)‏ وإزاء تراجع شعبية الرئيس بوش وإدارته التي يهيمن عليها المحافظون الجدد‏,‏ ولأسباب أخري سنعرض لها فيما بعد‏,‏ فإن صاحبنا هذا وجماعته اختاروا أن يدقوا نواقيس الخطر مدعين أن الفاشية الإسلامية لا تهدد مصالح أمريكا في الخارج فحسب‏,‏ وإنما هي تمثل غزوا واختراقا لحصون الولايات المتحدة الداخلية ذاتها‏.‏ ويجسد الوجود الإسلامي في أمريكا والمنظمات المختلفة التي تمثل المسلمين رأس الحربة في ذلك الغزو‏.‏

لأجل ذلك دعوا إلي تنظيم أسبوع التوعية بالخطر الإسلامي في المائتي جامعة‏,‏ واختاروا فريقا من عناصر المحافظين الجدد كمتحدثين في الملتقيات التي يفترض أن تنظم داخل تلك الجامعات‏.‏ ومن بين المطبوعات التي أعدت للتوزيع علي طلاب الجامعات صورة لمسلمة محجبة يجري دفنها تمهيدا لرجمها‏,‏ أرادوا بها أن يدللوا علي وحشية المسلمين في تعاملهم مع النساء‏.‏ ولم يذكروا أن الصورة كانت لقطة في فيلم تم تصويره في عام‏1994,‏ والسيدة المحجبة التي ظهرت فيها ممثلة أدت دورها‏,‏ ومازالت حية ترزق حتي الآن‏.‏

حملة تخويف الأمريكيين من الإسلام التي يقودها السيد هورويتز يشترك معه فيها متحدثون من الغلاة المهووسين أمثاله‏,‏ بينهم سيدة تدعي آن كولتر اشتهرت بعد أحداث‏11‏ سبتمبر‏,‏ حين أعلنت أن الولايات المتحدة يجب أن تغزو العالم الإسلامي‏,‏ وأن تقتل قادته‏,‏ وتجبر الآخرين علي التحول إلي المسيحية‏.‏ وهو إعلان يكفي في التعريف بشاكلة النماذج التي تحرك حملة التحذير من فزاعة الفاشية الإسلامية‏.‏

(2)‏قبل بدء هذه الحملة في الجامعات يوم‏22‏ أكتوبر كان مجلس النواب الأمريكي قد أصدر قرارا في‏2‏ أكتوبر نص علي الاعتراف بالدين الإسلامي كأحد أعظم ديانات العالم‏.‏ وأعرب عن الصداقة والدعم للمسلمين في الولايات المتحدة والعالم‏,‏ كما أشاد بالمسلمين الذين رفضوا التفسيرات والحركات الإسلامية التي تبرر وتشجع الكراهية والعنف والإرهاب‏.‏ وفي الوقت نفسه فإنه أعلن عن رفض وإدانة الكراهية والتعصب والعنف الموجه ضد المسلمين في داخل أمريكا وخارجها‏.‏

وبرغم أن القرار بدا وكأنه صادر بمناسبة حلول شهر رمضان‏,‏ إلا أن تزامنه مع حملة الترويج لمؤتمرات استنفار شباب الجامعات الأمريكية وتخويفهم من المسلمين‏,‏ يسوغ لنا أن نربط بين الحدثين‏.‏ بحيث لا نستبعد أن يكون مجلس النواب الذي يتمتع فيه الديمقراطيون بالأغلبية فيه‏,‏ أراد أن يسجل موقفا إزاء حملة الكراهية التي يشنها المحافظون الجدد ضد العرب والمسلمين في داخل أمريكا وخارجها‏.‏ وسواء صح ذلك الربط أم لم يصح‏,‏ فإن قرار النواب جدير بالتقدير والحفاوة لا ريب‏,‏ وقد عبرت عن ذلك الترحيب مختلف المنظمات والفعاليات الإسلامية بعد صدوره‏.‏

ورغم الأهمية السياسية التي يمثلها القرار‏,‏ إلا انني أتصور أن تأثير حملة عصبة المحافظين الجدد قد يكون الأقوي‏,‏ لأن أعضاء الكونجرس هم النخبة السياسية في الأغلب‏.‏ أما حملة الكراهية المضادة حين تتوزع علي‏200‏ جامعة وتخاطب عشرات الآلاف من الشباب‏,‏ فإن صداها في دوائر الرأي العام أكبر‏,‏ خصوصا أن الأبواق الإعلامية الموالية لإسرائيل والمعادية للعرب والمسلمين‏(‏ فوكس وأخواتها مثلا‏)‏ اهتمت بالحملة في الجامعات بأكثر في اهتمامها بقرار الكونجرس‏.‏

(3)‏الأدهي مما سبق والأمر‏,‏ هو ذلك المسعي الإسرائيلي الذي تسربت أنباؤه في الآونة الأخيرة‏,‏ ويستهدف إصدار قرار من الأمم المتحدة يحظر علي أي دولة من أعضاء الجمعية العامة للأمم المتحدة السماح لأي حزب أو حركة بالمشاركة في أي انتخابات تجري فوق أراضيها‏,‏ بزعم أن هذه الأحزاب وتلك الحركات إرهابية وعنصرية‏.‏

فقد ذكرت صحيفة هآرتس‏(‏ في‏9/24)‏ أن وزيرة الخارجية تسيبي ليفني تعكف علي وضع خطة تتضمن فرض قيود علي مشاركة الحركات الإسلامية الإرهابية في أي انتخابات بأي مكان في العالم‏.‏ وإنها سوف تستغل مشاركتها كممثلة لبلادها في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة‏,‏ من أجل حشد التأييد لفكرتها‏.‏ وأضافت الصحيفة أن السيدة ليفني ستحاول إقناع الدول المشاركة في الاجتماعات بتبني قرار يصدر عن الجمعية العمومية يتضمن فرض قيود علي مشاركتها الحركات الإرهابية في الانتخابات‏,‏ وستؤكد أنها في إقدامها علي هذه الخطوة إنما استخلصت العبرة من السماح لحركة حماس بالمشاركة في الانتخابات التشريعية الفلسطينية التي أسفرت فوزها بالأغلبية في المجلس النيابي‏,‏ وبرئاسة الحكومة‏,‏ في حين أنها حركة إرهابية تسلمت الحكم بوسائل ديمقراطية‏,‏ ثم أصبحت تفرض بنفس السلاح أجندة غير ديمقراطية‏.‏ وبين المعايير التي ستفرضها ليفني كمحددات للسماح بمشاركة أي حركة في الانتخابات‏,‏ حظر مشاركة المنظمات المسلحة‏.‏ والمنظمات التي تتبني برنامجا سياسيا عنصريا‏.‏ في ذات الاتجاه نشرت صحيفة يديعوت أحرونوت في‏9/27‏ مقالا لرئيس الأركان الإسرائيلي الأسبق الجنرال موشيه يعلون دعا

فيه الدول العربية والإسلامية المعتدلة‏,‏ لكي تكون شريكة للغرب وإسرائيل في اعتماد إستراتيجية تهدف للانتصار علي حركات الإسلام الجهادي التي نشطت بعد الاحتلال الأمريكي للعراق‏.‏ واقترح في هذا الصدد خطة تتوافق عليها تلك الدول‏,‏ لإرساء نظام عالمي جديد يتخلص من ذلك الإسلام الجهادي‏,‏ اعتمادا علي سياسة الهجوم هو أفضل دفاع‏.‏ وهو مايقضي بأن تبادر تلك الدول إلي تصفية المنظمات الجهادية وحصار الأنظمة المارقة المتعاونة معها‏.‏ كما اقترح أن توجه المساعدات الاقتصادية الغربية إلي الدول العربية والإسلامية المعتدلة لتعزيز موقفها‏,‏ ولتشجيعها علي المضي في تبني مباديء الحضارة الغربية‏.‏

تل الآلاف من الفلسطينيين‏,‏ الذين قام بتصفيتهم بنفسه أو أشرف علي قتلهم خلال سنوات خدمته العسكرية‏.‏

في الوقت ذاته فإن المرء لا يستطيع أن يخفي دهشته من الجرأة التي واتت القيادات الإسرائيلية‏,‏ حين تسعي لدمغ الناشطين الإسلاميين بالعنصرية والإرهاب‏,‏ وهم يمثلون دولة لم تقم إلا علي الإرهاب‏,‏ في حين لاتزال تمارس العنصرية ضد فلسطيني‏48.‏ وتطالب أحزابهم العلمانية والدينية بحرمانهم من حقوقهم السياسية‏,‏ بل إن رئيس الكنيست الأسبق إبراهام بورج قال صراحة إن جميع الأحزاب الإسرائيلية تمارس العنصرية‏,‏ ويتقاطع بعضها مع الإيديولوجية الصهيونية‏.‏ أما إرهاب الدولة فتعترف به صراحة كتابات بعض المؤرخين الإسرائيليين من أمثال إيلان بابه وبي ميخائيل وجدعون ليفي وغيرهم‏.‏ علما بأن المحكمة الدولية في لاهاي اعتبرت الأنشطة الاستيطانية التي تقوم بها إسرائيل نوعا من جرائم الحرب‏.‏ ولا ننسي أن ثمة قرارا للجمعية العامة للأمم المتحدة صدر في عام‏75‏ اعتبر الصهيونية شكلا من أشكال العنصرية‏.‏ وهو القرار الذي ألغي بعد ذلك بعشرين عاما‏,‏ استجابة لضغوط أمريكية مكثفة‏.‏

السؤال الآخر الذي تثيره حملة الكراهية وفخ الكيد الذي تعد له تل أبيب هو‏:‏ هل لهذه التعبئة المضادة علاقة بأجواء التمهيد لضرب إيران‏,‏ التي وجدتها إسرائيل فرصة لتصفية حساباتها مع حركات المقاومة والذين يؤيدونها ؟

أما السؤال الثالث فهو‏:‏ هل نتوجه باللوم فيما يجري إلي الذين يقودون حملات الكراهية والكيد في واشنطن وتل أبيب فقط‏,‏ أم أننا ينبغي أن ننحي ببعض اللائمة علي بعض إخواننا في عواصمنا العربية والإسلامية الذين يقفون في نفس المربع?