تربية الأمة على الجهاد

أ.د/ جابر قميحة

تربية الأمة على الجهاد

أ.د/ جابر قميحة

[email protected]

 من الحقائق المؤسفة أن نرى الأمة الإسلامية تعيش حاليًّا "عصر الغربة" بعد أن نزع الله من قلوب أعدائها المهابة منها، وقذف في قلوب المسلمين الوهن، وهو حب الدنيا، وكراهية الموت، وكان هوان المسلمين على أعدائهم بقدر انفصالهم، وتباعدهم عن مرجعيتهم الأصيلة، ومنابعهم الصافية: كتاب الله، وسنة نبيه، وعمل السلف الصالح رضي الله عنه:

وإذا أنكر الجذورَ نباتّ            مات في لفحة الهجير المرير

 لقد كانت الأمة الإسلامية ـ في عهد النبي ـ صلى الله عليه وسلم وعهد خلفائه الراشدين ـ رضي الله عنهم ـ هي "أمة الجهاد" فلم تعرف تقسيم المسلمين إلى "عسكري" يقع عليه عبء الجهاد، والدفاع عن الوطن، و "مدني" يتفرغ للعمل والكسب، ولا علاقة له بالقتال والأمور العسكرية، بل كانت الأمة كلها هي الجيش، وكان الجيش يستغرق كل أفراد الأمة، وكان الناس يعشقون الجهاد، ويقبلون عليه، ويستبد بهم الحزن إذا ما عاقهم عنه عائق.

 ويروى أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أمر المسلمين بالتهيؤ للخروج لقتال الروم في تبوك في رجب سنة تسع، وكان الجو شديد الحرارة، وكان هناك المنافقون الذين فضح الله حالهم في قوله عنهم (وَقَالُوا لا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلاً وَلْيَبْكُوا كَثِيرًا جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ) (التوبة 81 ـ 82).

وظهر المعدن الأصيل للمسلمين فيما جادوا به من أموال لتجهيز الجيش، وبما أبدوه من مشاعر وحرص على الجهاد: فجاءوا بصدقات كثيرة، وكان أول من جاء أبو بكر الصديق ـ رضي الله عنه ـ فجاء بماله كله 40.000 درهم فقال له صلى الله عليه وسلم: هل أبقيت لأهلك شيئًا؟ قال: أبقيت لهم الله ورسوله، وجاء عمر ـ رضي الله عنه ـ بنصف ماله فسأله هل أبقيت لهم شيئًا؟ قال نعم نصف مالي: وجاء عبد الرحمن بن عوف ـ رضي الله عنه ـ بمائتي أوقية. وتصدق عاصم بن عدي بسبعين وسقًا من تمر، وجهز عثمان ـ رضي الله عنه ـ ثلث الجيش الذي يبلغ عدده ثلاثين ألفًا، وفي رواية. أن عثمان جاء بألف دينار في ثوبه فصبها في حجر النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وقال الكرماني: جهز عثمان جيش العسرة بتسعمائة وخمسين بعيرًا وخمسين فرسًا.

 وفي هذه الغزوة أصابت الناس المجاعة، فكان عثمان بن عفان هو الذي وسعهم واشترى الطعام الذي أشبع الجيش كله.

 وكان هناك البكاءون وهم سبعة يطلبون من رسول الله ما يركبون عليه، فقال: ما أجد ما أحملكم عليه، وقيل: كانوا أكثر من سبعة. فلما قال لهم ذلك انصرفوا باكين وهم الذين قال الله فيهم: (وَلا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا أَلا يَجِدُوا مَا يُنْفِقُونَ).التوبة92 .

***

 " فالتعبئة العامة " كانت هي آلية الجهاد بمفهومه الشامل، فهي الأصل المأخوذ به في تجييش الجيوش الإسلامية، ونجتزئ في هذا المقام بمثال واحد: في ذي الحجة سنة 13 هـ، علم الخليفة عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ أن الفرس جمعوا جموعهم، وملكوا عليهم "يزدجرد" فأعلن "التعبئة العامة" وأمر بتجنيد كل القوى، وذلك بكتاب، أو أمر عسكري واحد الصيغة، وجهه إلى ولاته وعماله في الكور (المدن والقرى) والقبائل، ونصه: "لا تَدَعُوا أحدًا له سلاح، أو فرس، أو نجدة، أو رأي إلا انتخبتموه، ثم وجهتموه إليّ، والعَجَل.. العجل".

***

 والآن.. وبعد زرع إسرائيل في قلب الأمة العربية.. وفي عصر العولمة.. أو الأمركة.. عصر الحرب الصليبية الجديدة التي تستهدف العرب والمسلمين، لم يعد على الحكومات الإسلامية إلا أن تعيد عصر "الأمة الجيش" أو "الجيش الأمة" بحيث يشعر.. حتى يؤمن كل فرد في الشعب أنه "تحت السلاح" وأنه "وحدة" في القوة التي أمر الله بإعدادها قدر الاستطاعة.

 وإعداد الشعب ليكون "جيشًا" يقتضي تحقيق جانبين:

جانب نظري تربوي تعبوي: بتدريس "فقه الجهاد" في كل المراحل التعليمية تاريخًا، وأحكامًا.

وجانب عملي:بتدريب الشباب في مراحل التعليم ـ ابتداءً من المرحلة الإعدادية (المتوسطة) وانتهاء بالمرحلة الجامعية ـ على فنون القتال،واستخدام السلاح كمادة دراسية لها مكانها من التقدير بين المواد الدراسية الأخرى.

 كما يجب أن ينال فقه الجهاد حظًا وافيًّا من خطب المساجد، والمحاضرات العامة، والندوات والمؤاتمرات، بعد أن أصبح الجهاد في وقتنا الحاضر فرض عين لا فرض كفاية.

وعلى الدولة أن تنشئ معسكرات، ومراكز للتدريب العسكري في كل المحافظات والمناطق للشباب والكهول، والشيوخ من غيرالطلاب كالموظفين والعمال، والفلاحين، مع التوفيق بين التدريب والعمل الذي يؤديه المواطن، ويرتزق منه.

 وبذلك تستعيد الأمة هويتها التائهة الضائعة، وتعيش قوية شامخة بروح الجهاد الحقيقي، ترهب عدو الله وعدوها، فلا ينال منها في دينها، أو عرضها، أو أرضها.

وفي إسرائيل لا تفريق بين مدني وعسكري، بل إن كل إسرائيلي مواطن "تحت السلاح" وقدرأينا ضمن كبار الضباط الإسرائيليين الذين أسرهم الجيش المصري في حرب 1973م، من يعمل في أعمال مدنية، ومن هؤلاء: ضابط الدبابات "عساف ياجوري" . ومن الحقائق العسكرية المشهورة أن إسرائيل هي أسرع دولة في العالم في التعبئة العامة بعد الولايات المتحدة الأمريكية، أليس من العار أن نرى إسرائيل ـ التي كانت مزعومة ـ في تقدم دائم مطرد. أما نحن فنتقدم إلى الخلف، ونعلو إلى أسفل؟؟؟