الطالب محمد فريد عبد الخالق

أ.د. حلمي القاعود

كل عام أنتم بخير

نشكر أحبتنا الذين هنّؤونا بعيد الأضحى المبارك، ونرجو من الله الكريم أن يمنّ على بني الإنسان، ليسود الإيمان والأمان في العالم، ويختفي ظلم الإنسان لأخيه الإنسان في كل زمان ومكان، ويحلّ الحب ّ والعدل محل الظلم، ويُهلك الطغاة حيث كانوا، بقدرته، وعلى أيدي جنوده في السماوات والأرض، لتُشرق الأرض بنور ربها، بهلاك الطغاة- الثآليل في وجه البشرية.

حقّق الله الآمال في غدٍ آمن طالما حلم به البشر.

وكل عام أنتم بخير

أخوكم: عبد الله الطنطاوي

رئيس رابطة أدباء الشام

               

أ.د. حلمي محمد القاعود

[email protected]

في صيف عام 1967م كنت أؤدي امتحان الثانوية العامة  في إحدى المدارس الثانوية بالمحلة الكبرى . كانت الامتحانات قد تأخرت عن مواعيدها بسبب الهزيمة السوداء ، وكان معي طالبان من طلاب المنازل أحدهما قادم من الجبهة وقد ظهرت عليه آثار الهزيمة والمهانة ، والآخر في عمر أبي أو يزيد قليلا ، وقد لاحظت أن الأول يحكي عن المأساة العسكرية والمطاردة النازية اليهودية العدوانية لجنودنا وضباطنا في سيناء حتى حافة القناة ، والآخر كان مشغولا بالامتحان ، وفي أثناء فترة الاستراحة التي كنا نتناول فيها الشاي والشطائر بين المادتين ، حيث كانت الامتحانات أيامها يومية ومباشرة ، وفي اليوم الواحد أكثر من مادة ؛ كان حريصا على أن يستوضح الإجابة الصحيحة ويتحدث عن إجابته وما كتبه ، وفي الوقت ذاته لا يمل من الحديث عن أبنائه الذين رباهم وهو العامل البسيط في مصنع النسيج بالمحلة . أحدهم صار طبيبا ، والثاني صيدليا والثالثة مهندسة . كان فخورا بهم وسعيدا ويتكلم عنهم وكأنه امتلك العالم ، ويؤسس على ذلك رغبته في أن يواصل الدراسة ويحصل على درجة الليسانس أو البكالوريوس ، ومع أنه كان فيما بدا لي بطيء الاستيعاب محدود الوعي ، فقد أكبرت فيه الإصرار والمثابرة ، والصبر على المتابعة والدراسة ..

تذكرت هذه الحكاية وأنا أتابع بشغف عبر الأخبار وقائع مناقشة الطالب محمد فريد عبد الخالق في رسالة الدكتوراه التي تقدم بها إلى كلية الحقوق – جامعة القاهرة . والأمر بالنسبة لرسائل الدكتوراه في أيامنا صار مألوفا وعاديا ، لا يثير كثير اهتمام ، فكم من رسائل تناقشها الكليات في مختلف الجامعات والتخصصات يوميا ولا تلفت إلا انتباه قليل من الناس . ولكن الأمر بالنسبة للطالب محمد فريد عبد الخالق يختلف كثيرا ، فعمره أربع وتسعون عاما ، وهو أول طالب في العالم في مثل هذه السن يتقدم إلى درجة الدكتوراه ،مما يؤهله لدخول موسوعة جينس للأرقام القياسية ،  من خلال عزيمة شابة ، وإرادة قوية ، ورغبة جارفة في العلم والمعرفة والبحث تدفعه دفعا إلى القراءة والتحصيل . ورسالته تأتي في سياق موضوع حساس تعارضه النخبة المهيمنة المتغربة الموالية لكل ما يأتي من الغرب ، وهو موضوع الحسبة في التشريع الإسلامي وكان عنوان رسالته " "الاحتساب على ذوى الجاه والسلطان". وقد أريق كثير من الحبر في هذا الموضوع على مدى العقدين الماضيين بين الرافضين للإسلام وبين المدافعين عنه ، وجاءت رسالة الطالب محمد فريد عبد الخالق لتصب في الاتجاه  المدافع عن الإسلام أولا ، وفي الوقت نفسه تطرح آليات مؤسسية لتطبيق فكرة الاحتساب ثانيا . ثم  إن الرسالة تهدف إلى إبراز الدور الرقابي الشعبي على السلطات المتمثل في نظام الحسبة لاسيما السلطة التنفيذية ورئيس الدولة، وتطرح نظاما احتسابيا جماعيا ومؤسسيا لمقاومة جور وفساد السلطات التنفيذية ورئاسة الدولة، كما تهدف إلى إلقاء الضوء على الضوابط الشرعية للحسبة في الإسلام، وشروط المحتسب والمحتسب فيه، وتبرز احترام الإسلام لمبدأ الفصل بين السلطات.

ومن خلال هذه الدراسة يحاول الباحث الوصول إلى تصور صحيح ومقبول لنظام الحسبة في الإسلام في وقتنا الحاضر، يمكن أن يؤدى دوره في الاحتساب على ذوى الجاه والسلطان في ضوء دراسة المبادئ التي قررها الإسلام في المجال الدستوري والسياسي وأصول الفقه الإسلامي..

ثم إن الطالب الباحث ليس شخصا عاديا ولكنه واحد من أبرز رجالات الإخوان المسلمين ، فقد انضم لجماعة الإخوان المسلمين بعد لقائه بمؤسسها الإمام الشهيد حسن البنا عام 1941، بعدها أصبح واحدا من أهم  أعضاء الجماعة المقربين منه، وتدرج في المناصب التنظيمية داخل الجماعة حتى انتخب عضوا بمكتب الإرشاد، كما كان أحد القيادات التي اختارت المرشد الثاني للجماعة المستشار حسن الهضيبي عام 51، وأحد قيادات الإخوان التي تفاوضت مع جمال عبد الناصر قبل وبعد يوليو عام 52. وقد ترك العمل التنظيمي في جماعة الإخوان بعد أن تقدمت به السن ، وظل مرجعا من مراجعها للأجيال التي جاءت بعده .

والطالب بهذه الصفة ينفي عن الإسلاميين التهمة الرخيصة التي يوجهها الموالون للغرب عادة إليهم  ، وهي الجهل وعدم القراءة ، فكثير من الإسلاميين يحققون تقدما فريدا في العديد من التخصصات العلمية ، وجماعة الإخوان نفسها تضم عددا كبيرا من المهنيين العلميين أو ممن يسمون بالتكنوقراط لهم باع واسع في جميع التخصصات ولا سيما التخصصات الدقيقة ، ومنهم من يحمل أكثر من شهادة في تخصصات تبدو متعارضة مثل الطب والحقوق أو غير متعارضة مثل اللغة العربية والحقوق ، ومنهم من أفاد من فترة اعتقاله الظالمة أو مظلوميته في فترة الاعتقال ليحصل شهادات عليا أو درجات علمية في الماجستير والدكتوراه .

إن الإسلام يحض على طلب العلم من المهد إلى اللحد، والإسلاميون كما لاحظتهم يحرصون على اكتساب المعرفة بكل الوسائل ، وهم ينطلقون في ذلك من كون طاب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة ، لبناء الأوطان وصنع المستقبل القائم على القوة التي تصنعها المعرفة ، وللأسف فإن حكوماتنا العربية الإسلامية أو معظمها لا تؤمن أن طلب العلم فريضة ، فهي تحتقر العلم والعلماء ، وتروج للعوالم وما أشبه ،وتنفق على ذلك المليارات من أموال الشعوب البائسة ، ويكفي أن ندرك أن أستاذ الجامعة لا يكفيه مرتبه ، بينما الممثل والمطربة أولا عب الكرة يتقاضى الملايين نظير أعمال هامشية تخرب أكثر مما تبني.. أما أعداء الأمة وخصومها فهم ينفقون على العلم والعلماء ما يجعلهم في مقدمة الأقوياء ،ولماذا نذهب بعيدا ،والكيان الغاصب في فلسطين المحتلة حقق المركز الرابع على مستوى العالم في مجال البحث العلمي ؟

لقد نشرت الأهرام  20/11/2009م أن الكيان النازي اليهودي في فلسطين المحتلة احتل المركز الرابع عالميا من حيث النشاط العلمي عبر نشر علمائه لمقالات علمية في دوريات غربية مرموقة‏.‏ كما أشارت إلى دراسة أشرف عليها مجلس التعليم العالي في  الكيان الغاصب من خلال  مؤتمر عقدته جامعة بير إيلان العبرية ، حيث ذكرت هذه الدراسة أن الكيان يقدم جزءا كبيرا من النتاج العلمي العالمي‏ ،‏ يصل إلي عشرة أضعاف حجمه من حيث عدد السكان في المجتمع الدولي‏. ‏وذكرت صحيفة ها آرتس  أن سويسرا‏‏ والسويد والدانمرك‏ ،‏ هي الدول الثلاث التي تسبق  الكيان الصهيوني علي صعيد المقالات التي تنشر في المجلات العلمية المتخصصة‏ ، نسبة إلي عدد السكان‏.‏ وغابت الدول العربية عن القائمة‏.‏ وجاءت فنلندا في المرتبة الخامسة بعد  الكيان الصهيوني ، ومن ثم هولندا وكندا‏.‏ أما الولايات المتحدة فترتيبها‏12‏ وألمانيا في المرتبة‏15.‏ وأسهم الصهاينة عام‏2008‏ في كتابة‏1,06%‏ من مجمل المقالات العلمية التي نشرت في العالم وفي عام‏2005‏ نشر الباحثون الصهاينة من جميع الجامعات  الصهيونية ‏6309‏ مقالات في مجلات علمية عالمية متخصصة‏.‏ وكانت مقالات البروفيسور الصهيوني إبراهام هيرشكو هي الأكثر اقتباسا في الأبحاث والمقالات الأخرى وهو من معهد التخنيون في حيفا‏ ، وسبق أن فاز بجائزة نوبل للكيمياء عام‏2004.‏ وقد نشر هيرشكو‏148‏ مقالا علميا‏ ، وصل عدد الاقتباسات منها من قبل باحثين أجانب إلي أكثر من‏16‏ ألف اقتباس‏.‏

وقد أردت أن أذكر الخبر على طوله لنرى الفارق بيننا وبين أعدائنا القتلة . هم يهتمون بما يقويهم ونحن مشغولون بكأس العالم في كرة القدم والإنفاق السفيه من أجله، واعتقال الشرفاء ، بينما علماؤنا قاربوا مرحلة التسول ..

باستثناء قناة عربية فضائية فإن قناة مصرية واحدة لم تقترب من حدث الدكتوراه التي تقدم بها الطالب محمد فريد عبد الخالق ،بوصفها حدثا إخباريا ،  ولم تقدمها إلى الأجيال الجديدة لتكون حافزا لهم على العلم والعمل والإصرار والأمل ، بينما  تفتح استوديوهاتها للعوالم والغوازي ولاعبي كرة القدم بالساعات بل بالأيام ليقولوا كلاما سطحيا تافها لا قيمة له .. فهل يمكن لأمة أن تتقدم بمثل هذا النمط من الحياة ؟ هل هي كراهية الإسلام – وليس الإخوان - وما يمت إليه ؛ من وراء ذلك ؟

على كل فإن أمثال محمد فريد عبد الخالق – وهو أكبر من لقب دكتور – يمنحون الطيبين والصالحين في الأمة أملا في بناء غد كريم يليق بالإسلام والمسلمين ..

ومبارك عليك أيها الطالب الشاب .. ونفع الله بعلمك وعملك.