اغتيال قادة أحرار الشام، تساؤلات وشكوك

م. عبد الله زيزان

اغتيال قادة أحرار الشام،

تساؤلات وشكوك

م. عبد الله زيزان

[email protected]

تلقت الثورة السورية الثلاثاء التاسع من أيلول الماضي ضربة قوية باستشهاد كوكبة من قياداتها العاملة ضمن حركة أحرار الشام الإسلامية، وذلك في عملية معقدة لم تتضح معالمها حتى اللحظة، ولا يتوقع أن تتضح هذه المعالم على المدى المنظور...

فمرور عدة أيام على وقوع هذه العملية دون أن تعلن أي جهة مسؤوليتها عنها يضع علامات استفهام كبيرة، فقد تجنب أعداء الثورة عامة وأعداء حركة أحرار الشام خاصة الإعلان عن مسؤوليتهم عن هذه العملية واكتفوا فقط بالرقص على جثامين هؤلاء الأبطال، فاحتفل النظام السوري وأعوانه على شاشاتهم ومن خلال وسائلهم الاجتماعية تماماً كما احتفل "الداعشيون" بهذه المجزرة الدنيئة..

وقد كان لافتاً جداً تطابق النظام السوري مع تنظيم البغدادي في التعبير عن الفرح والسرور باستشهاد هذه الثلة من القيادات مما يضع إشارة جديدة حول تماثل هتين العصابتين في أهدافهم بالقضاء على الثورة السورية، إلا أنّ ذلك كله لا يجعل من هذين الخصمين في دائرة الاتهام في هذه العملية المعقدة، إذ إن الترتيبات الأمنية التي اتخذتها الحركة كانت كافية لتجنب خطر هذين العدوين المباشرين، إضافة إلى أن النظام وداعش أقل وأحقر من أن يتمكنوا من الترتيب لمثل هذا الحدث...

وهذا يضعنا أمام علامة استفهام كبيرة، وأمام تساؤل مهم، من هو المستفيد من مثل هذا العمل؟

في الحقيقة وقبل الإجابة عن هذا السؤال لا بد لنا من العودة بالذاكرة إلى الوراء عدة سنوات، حين استهدف تفجير مماثل لقيادات الصف الأول لتنظيم القاعدة في العراق، مما أطاح حينها بأغلبية هذه القيادات، والتي كانت بشكل أو بآخر تعد معتدلة في الفكر والتطبيق مقارنة بمن خلفهم، فكان المستفيد الأول من هذا العمل هي الإدارة الأمريكية وأذنابها في العراق، حيث تحول العمل من مقاومة للاحتلال إلى مجموعات إرهابية تقاتل السنة بحجة الردة، مما قضى على أعداد كبيرة من المقاومين ومن القيادات باسم الردة والكفر، مما أضعف العمل المقاوم بصورة كبيرة، ومكّن للأمريكيين وأذنابهم من الشيعة في إحكام سيطرتهم على العراق...

والآن نعود إلى حادثة أحرار الشام، ولنمر مراً سريعاً على قياداتها التي ارتقت في ذلك اليوم وعلى رأسهم الشهيد حسان عبود، فسنرى أنها قيادات معتدلة واعية واقعية، فهمت العصر ومتطلباته، ولم تتخل عن مبادئ الإسلام الحنيف، وهذا تماماً مكمن الخطر على أعداء الأمة، وعلى الغرب خصوصاً، فالاعتدال والوسطية يخيف أعداء الأمة أكثر من مجموعة بنادق بيد جهلة لا يفهمون من الدين إلا قشوره، فهؤلاء الجهلة يسهل القضاء عليهم بما للغرب من تفوق عسكري وتكنولوجي، أما ما في أدمغة العقلاء فلا سبيل له إلا بالقضاء على صاحب الفكر بالقتل أو السجن، وهم في ذلك أيضاً متوهمون، فموت صاحب المنهج يحيي خلفه المئات بل الآلاف ممن تشككوا بمنهجه يوماً من الأيام، ليعرفوا بعد وفاته أنه كان على الحق...

ويكفي أن نقتبس من كلمات الشهيد حسان عبود ما يلي لنفهم طبيعة هذا الرجل وطريقة تفكيره المنفتحة، فقد قال:

"لا خلاف بيننا وبين الإخوان المسلمين إلا في أمر واحد: الديموقراطية! ونحن على استعداد أن نراجع موقفنا ونغيره إذا قدمت دراسة شرعية مدعمة بالأدلة حول هذا الأمر"...

وعليه فإن المستفيد الأساسي من قتل هؤلاء القادة هم الغرب الذي يخشى الفكر الوسطي والذي سعى في الآونة الأخيرة لحصر القضية السورية بين نظام الأسد وبين داعش وأهمل كل أطراف المعادلة الأخرى وأبرزها الجيش الحر والكتائب العاملة على الأرض، ولعل قتل هؤلاء القادة هو التمهيد للمرحلة القادمة التي ستمر على المنطقة والتي ستشهد تدخلاً غربياً مباشراً في الأزمة، هذا التدخل الذي قاومه السوريون على مدار سنوات الأزمة رغم ما لاقوه من قتل وتشريد واعتقال...

إن طريقة تنفيذ الجريمة، وتوقيتها مع الحشد لعمل دولي واسع في العراق وسورية، واختيار مكانها لتشمل أكبر عدد من قيادات الحركة، واستخدام المواد الكيميائية في الهجوم، للتأكد من قتل جميع من كان في الاجتماع، كلها تشير إلى أن المنفذ هم أجهزة مخابرات عتيقة، وليست تنفيذ صبيان داعش أو "أفذاذ" المخابرات السورية التي عجزت عن عمليات أبسط من تلك العملية بمئات المرات...

وهذه كلها إشارات وتنبيهات للشعب السوري، فالمرحلة القادمة ستكون أخطر وأدق على حاضر سورية ومستقبلها، وعلى جميع العاملين في الثورة من عسكريين وسياسيين التنبه لخطورة المرحلة القادمة، ومحاولة إفشال المخططات الخبيثة، ولا يكون ذلك إلا بالوحدة ونبذ الفرقة والخلاف، والعمل ضمن الأجندة المحلية بعيداً عن استقطابات الخارج وحسابات الدول الإقليمية والدولية...

وإننا على ثقة بأن الضربة التي تلقتها الثورة السورية عامة وأحرار الشام خاصة لن تكون قاصمة، بل ستكون دماء القادة مشعلاً على طريق التحرر، وستتمكن الحركة من تعويض تلك القيادات، وسيستمر نهج المقاومة حتى تحرير سورية عامة من ظلم الطغاة والبغاة إن شاء الله.