كل عيد .. وأنت لنا وطن
د. لطفي زغلول
صباح العيد .. يا وطني . وعدنا أنك وطن لنا . وإذا كانت قوافلنا ما زالت ترسو في مرافىء التيه والسراب ، فغدا ستنطلق هذه القوافل ، ستخرج من التيه والسراب ، ستخلف التيه والسراب خلفها ، سيدبرالتيه والسراب إلى غير رجعة . غدا ستعود حساسينك من خلف قضبانها . تشدو لك أناشيد الحب والحرية .
صباح العيد .. يا وطني . . فارس أنت لم تترجل لحظة عن صهوة كبريائك . . مكلل بالغار جبينك . تتحدى .. تتصدى .. لم تنل منك الغربان منالا .. ولا كسرت شموخك في الصعاب صعاب . صخرة أنت تتكسر على صلدها الرياح الهوجاء .. في الليالي الليلاء .
صباح العيد .. يا وطني . . لا أصدق أنك أصبحت وطنين . وطن واحد أنت رغم المراهنين على انشطارك . . ستعود قلبا واحدا تحمله أجنحة الحب وتحلق به فوق مروجك الغارقة في بحر من الإخضرار . . فوق جبالك الشماء تسبح الله في عليائه . . فوق شطآنك تراقصها الأمواج في عرس لازوردي البهاء .
صباح العيد .. يا وطني . . صباح الأنسام تشد الرحال منك إليك ، مسافرة في ربوعك الغناء ، لم تلق يوما عصا الترحال . . وكيف تلقيها ولم تزل موعودة بنهارات وشمس جديدة ، يخضوضر الأمل في حنايا حناياها ، يورق ، يزهر ، يؤتي عناقيد حب تزهو ألقا ، تمطر عبقا .
صباح العيد يا وطني .. لا تحزن إذا لم تعد هذا الصباح الأطيار الضاربة في المنفى إلى أحضانك . . لا تحزن إذا لم تتنسم رائحة الحرية عندما تفتح عينيك هذا الصباح فالحرية ما زالت تشق غبار الشتات لتلقي برحلها بين يديك . . لا تحزن إذا لم يحمل هذا الصباح لك العيد فعيدك ما زال على أجنحة وعد عشاق الوطن . وغدا ستصحو على مغناتهم تعطر المدى . . تعيد لك العيد ، تتوج به هامتك البهية وتزرعه على محياك ابتسامة لا تمحوها الأيام .
صباح العيد يا وطني .. صباح مناضليك الصيد في الأكبال .. في الأغلال .. صباح العاشقين ثراك .. لن يلقوا بغير حماك .. ما ارتحلوا وما تاهوا .. عصا الترحال .. صباح المسجد الأقصى .. أسيرا شامخا ما زال .. لم تكسر إباء جبينه الأهوال .. صباحك أنت يا وطني .. فأنت وصية الأجيال للأجيال فالأجيال .
صباح العيد .. يا وطني . . أيها المجنح بالإصرار ، الملون بالتحدي ، المعطر بالمجد ، الفواح بالذكرى . . ما هان أبناؤك يا وطن الثوار والأحرار والأبرار . . يا وطن الأطفال الذين عمدوا كل ذرة من ترابك بدم يفوح منه شذى الأريحية والفداء . . ها هم أطفالك توحدوا بترابك الحالم بصباح الحب والأمل ينزل مدرارا يروي ظمأك للحرية ، يغتسل بسناه القدسي كي تشرق شمس لا تعرف الغروب تعانق كل الآفاق ، تقبلها ، تلثم جبينها الشامخ فتصحو على نهار جديد وعرس وعيد .
صباح العيد يا وطني . . ما هاض جناحاك ، ولا أعياهما التحليق . . تصحو كل فجر تتوضأ بندى الحرية ، ولا تصلي لغير الله . . جبهتك الوضاءة لا تمتهن الإنحناء ولا تسجد إلاّ لجلاله وجبروته ، إلاّ لتقبل شهيدا ، إلاّ لتمسح جرحا مكابرا مسافرا في ركاب العلى لا يعرف الرجوع .
صباح العيد يا وطني . . ها أنت تتحدى غربان الليل الناهشة أحلامك الخضراء بغد مورق الرؤى ما زال جنينا في رحم الأيام . . تصنع من أحزانك نارا مقدسة يصطلي بجحيمها كل من تتطاول يداه على شموخك . . وتضيء مشاعل الإباء لأجيال لم تولد بعد بين أحضانك ، وتفرش الدرب أزاهير على وقع خطاها الواعدات .
صباح العيد يا وطني .. صباح الشمس في آفاقها مزهوّة تختال .. تطل عليك .. تسافر في رباك الخضر منك إليك .. تصلي الفجر بين يديك .. تقبل وجنتيك برقة ودلال .. صباح العيد يا وطني .. يطيب الشعر حين الشعر فيك يقال .. وإن غنيت موّالا .. فلا يحلو لغير عيونك الموّال .. صباح مواكب الأطفال .. يا من تعشق الأطفال .. ويعشق إسمك الأطفال.