العيد الحقيقي للأمة
لا ننكر أن للعيد حقوقاً كثيرة على المسلمين ، ولعلّ من أهمها : إظهار البهجة والسرور بمقدمه علينا ، وإقامة مظاهر الفرح والزينة في ربوع بلادنا ، فمن أهم معاني العيد : الفرح والزينة وإدخال السرور إلى قلوب الأهل والأحباب والأقارب والأصحاب . ولقد وصف القرآن الكريم ، يوم العيد ، بأنه يوم الزينة ، فقال تعالى في معرض حديثه عن موسى ( عليه السلام ) ، وهو يحاجج قومه :
بسم الله الرحمن الرحيم
(( قال موعدكم يوم الزينة ، وأن يُحشر الناس ضُحى )) طه ( 59 )
وكذلك وصفه بأنه يوم فرح وبهجة وسرور ، فقال على لسان عيسى بن مريم ( عليه السلام ) ، وهو يدعو الله أن ينزل على قومه مائدة من السماء ، استجابة لطلبهم : بسم الله الرحمن الرحيم (( قال عيسى بن مريم : اللهم ربنا ، أنزل علينا مائدة من السماء ، تكون لنا عيداً لأولنا وآخرنا ، وآية منك ، وارزقنا ، وأنت خير الرازقين )) المائدة ( 114 ).
ولكننا يجب أن نعترف ، بأن في قلوبنا غصّة ، وفي نفوسنا حرقة ، وفي أرواحنا لوعة ، ربما عكَّرت على هذا الوافد الحبيب ، ما ينوي إشاعته فينا من هذه المظاهر الإنسانية النبيلة .
فعيدنا الحقيقي ، هو في أن ترحل القوات الأمريكية والبريطانية الغازية عن العراق الحبيب ، وتتوقف معها كل أشكال الظلم والإرهاب بحق شعبنا الصابر المجاهد هناك ، ويعود شماله الحبيب إلى أحضان الوطن الغالي ، ويتعانق أبناء شعبنا الواحد ، بعربه وكرده وجميع مشاربه ومذاهبه ، ويتعاونوا جميعاً تحت راية الإسلام العظيم لبناء العراق الواحد الموحّد القوي المقتدر ، الذي يرهب الأعداء ، ويزلزل كيانهم ، ويتحدى أطماعهم الشريرة ، ويحطم مخططاتهم الخبيثة .
وعيدنا الحقيقي ، في أن ترحل هذه الشرذمة ( الصهيونية ) الغادرة عن فلسطين الحبيبة ، ويتحرر الأقصى الشريف _ أولى القبلتين ، وثالث الحرمين الشريفين ، ومسرى سيد البشر ، وخاتم النبيين ، سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم _ ومعه الجولان ، وجنوب لبنان ، وبقية الأراضي المحتلة ، من رجسها .
وتتوقف شلالات الدم النازفة من خاصرة أمتنا بسبب اعتداءاتها الوقحة ، وجرائمها الخسيسة .
وعيدنا الحقيقي كذلك في أن ترحل القوات الأمريكية الغازية عن خليجنا العزيز ، وتتحرّر الإرادة العربية ، ومعها الخيرات العربية _ بما فيها النفط _ من الهيمنة الامبريالية والصهيونية ، وتصبح _ فعلاً _ أرض العرب للعرب ، وخيرات العرب ، للعرب والمسلمين .
وعيدنا ، في أن تتوقف المذابح ، وتنطفيء نيران الفتن الداخلية ، ويستقر أهلنا في كل من السودان ، والجزائر ، والصومال ، وأفغانستان ، والشيشان ، وكوسوفا ، وغيرها من البلاد العربية والإسلامية الملتهبة،
وتنعم أمتنا _كلها _ بنعمة الأمن والسلام ، لنفرح _جميعاً _ بفرحة العيد السعيد ...
وعيدنا الحقيقي أيضاً ، يوم يتوحّد العرب ، وتكون لهم إرادة حرّة مستقلة عن أية هيمنة خارجية ، أو تدخّل أجنبي ، لبناء أمة عربية مؤمنة وقوية ...
وعيدنا كذلك ، يوم يتعاون المسلمون _ في مشارق الأرض ومغاربها _ على البر والتقوى ، ويكونون عند حسن ظن ربهم بهم ، إذ وصفهم فقال : بسم الله الرحمن الرحيم (( كنتم خير أمة أُخرجت للناس ، تأمرون بالمعروف ، وتنهون عن المنكر ، وتؤمنون بالله )) آل عمران (110) .
وقال مخاطباً لهم : (( وجاهدوا في الله حقَّ جهاده ، هو اجتباكم ، وما جعل عليكم في الدين من حرج ، ملة أبيكم إبراهيم ، هو سمّاكم المسلمين من قبل ، وفي هذا ، ليكون الرسول شهيداً عليكم ، وتكونوا شهداء على الناس ، فأقيموا الصلاة ، وآتوا الزكاة ، واعتصموا بالله ، هو مولاكم ، فنعم المولى ، ونعم النصير)) الحج (78 ) .
وعيدنا الحقيقي ، يوم يتحطم الطاغوت الأمريكي والصهيوني ، وينزاح هذا الكابوس اللعين الذي يجثم على صدر البشرية ، تحت أسماء وهمية خادعة ، كا( العولمة ) و ( النظام العالمي الجديد ) ...إلخ
وماهو في الحقيقة ، إلا أخطبوط ، أو أفعى ، تلتف على عنق البشرية المعذبة ، وتغرز أنيابها في أشلائها ، وتقذف بسمومها في دمائها ، وتمتص _ بأنانية وغدر _ كامل خيراتها ...
عيدنا الحقيقي هو في أن يربوَ الإيمانُ في صدور المؤمنين ، ويشيع السلامُ في ربوع العالمين ، وينتصر الحقُ المستمدُّ من شريعة ربّ العالمين ، ويندحر الباطل وجنود إبليس أجمعين ...
عيدنا ، في أن يكثر الوفاء ، ويتعزّز الإخاء ، ويعم الرخاء ، وتسعد البشرية بمنهج ربّ السماء ...
عيدنا ، في أن نعيش بسلام ، ونموت على الإسلام ، وندخل الجنّة دار السلام ...
بسم الله الرحمن الرحيم (( إنَّ المتقين في جنّات وعيون ، أدخلوها بسلام آمنين ))
الحِجر (46) صدق الله العظيم ....
د. فواز القاسم / سورية