حذاء الزيديٍ
ماجد رشيد العويد *
لا ريب أنه أثلج صدور الملايين حذاءُ منتظر الزيدي، وقام بإرواء غلّ بعض النظم حول العالم ممن على خلاف مع سياسة بوش الابن. وأما أن تبرد صدور الملايين في العالم فلأن سياسة أمريكا هي سياسة تدمير العالم وقتل البشر، ويستمد الفرح بقذف بوش بالحذاء من الألم الذي سببه هذا الأرعن للملايين، ويأتي فرح بعض النظم من شعورها بالتهديد جراء سياساته التي أطاحت بنظامين خلال فترة حكمه، فلا أفضل والحال على هذا النحو من وداع مهين على الطريقة "الزيدية" بحذاء دخل على سبيل التشفي قائمة المزايدات فبلغ سعره حتى اللحظة أكثر من مئة وخمسين ألف دولار.
لكن ثمة أسئلة تطرح نفسها هنا لعلّ أولها مما يتبادر إلى الذهن أليس من الحق التنويه بما قاله بوش ووزيرة خارجيته من أن الحادث يعبر عن "الديمقراطية" التي تسود العراق هذه الأيام. وأزعم من جهتي أن الإجابة تنحاز إلى ما ذهب إليه الرئيس ووزيرة خارجيته، مفترضاً وبأثر رجعي أنه ما كان الزيدي ولا غيره من ملل العالم المحكومة بنظم الاستبداد أن يجرؤ على قذف حاكم من هؤلاء بحذائه بل ولا على مجرد التفكير في هذه الطريقة من التعبير عن مدى الألم الذي وصل إليه حاله وحال الملايين معه.. والسبب وعيه الحاد بمصيره المؤلم المتمثل في تعذيبه وتقطيعه شلواً، شلواً هو وأهله وعشيرته وربما مدينته التي يسكنها وينتمي إليها. تاريخ هذه النظم يؤكد هذه الحقيقة ويجلوها بحيث تبدو ساطعة كما يوم سقطت بغداد، والتقت إحدى الفضائيات أيامها مواطناً عراقياً تسأله عن رأيه في سقوط النظام العراقي. يومها وبرغم ثبوت سقوط النظام آثر المواطن العراقي عدم إظهار صورته واصفاً صدام بالثعلب وأنه سيعود إلى الحكم قريباً.
تحمل الشعوب العربية في داخلها من الخوف ما يجعل فرحها بحذاء الزيدي "منافقاً" وغير أصيل، ويعبّر عن رغبتهم بقذف مستعبِدِهم بمثله. ولأنهم عاجزون، تراهم يبددون قدراتهم في فرح سلبي يتعاظم ساعة بعد أخرى ويتجلى في تعليقات وتعقيبات لا طائل في محصلة الأمر منها، من مثل أن الحذاء وصل سعره إلى أكثر من 150 ألف دولار، ومن قائل فليحم بوش نفسه بجدار من البلور المقاوم، ومن معقب أن العبرة في الفعل وليس في إصابة بوش.
لست مؤيداً لسياسة بوش في العراق وغيره، ولكن هل تجرّأ العراقي يوماً على التظاهر؟ وهو الذي استفتى في آخر حياة نظامه البائد بمئة بالمئة؟
لا أريد التقليل من قيمة الفعل الرمزي للصحفي العراقي، بل أجدني أشد على يديه، ولكن هل فعله سيخرج الأمريكان من العراق؟ وهل يقدر العراقي وغير العراقي من العرب على مجرد النظر بعتاب إلى حاكم عربي؟. أليس جرماً أن ننظر إلى فعل الزيدي نظرة تمجيدية؟ وثمة قائل هنا أن التعامل مع الحكام له آدابه فلا يجوز النظر ولو نظرة عتب على الحاكم العربي؟ أفلا يجوز أيضاً أن نخضع هذه الآداب في التعامل مع رئيس أكبر دولة في العالم وإن كان عدواً لنا؟
حرّك الحذاء في داخل كل عربي فرحاً غير مسبوق ليس لأنه وجّه إلى بوش الابن وإنما لرغبة دفينة في قلب وعقل هذا العربي بتوجيه الحذاء ذاته أو شبيهه إلى حاكم تَسلّط عليه بالحديد والنار.
*أديب سوري.