أيهما الأكرم والأقوى للأقليات في سورية

زهير سالم*

أن تحميها دول خارجية

أو أن يحميها عقد اجتماعي وطني طوعي؟!

زهير سالم*

[email protected]

قد يقال بأن هذا السؤال يحمل جوابه ونقول : أما نظريا فنعم ، وأما عمليا فقضية دونها خرط القتاد .

يعقل اللسان الكثير من المواضعات ، عن مواجهة الحقائق كما هي ، ولكن أحدا لا يستطيع أن يلغي من سجل التاريخ الوثيقة المحفوظة في الأرشيف الفرنسي التي يطالب بها وجهاء الطائفة العلوية المستعمر الفرنسي البقاء في سورية لحمايتهم ، والاستجارة بهم لكي لا يسلموهم إلى أعدائهم ( المسلمين ) ...

ثم مع الاعتراف بوجود ثلة كريمة من الأشقاء المسحيين في قيادات الثورة السورية وكوادرها وقواعدها ؛ فإن أحدا لا يستطيع الإنكار أن المرجعيات الكبرى في هذه الطائفة على اختلاف فرقها ، في سورية وفي لبنان وفي فلسطين أيضا ؛ تتخندق بجملتها وراء بشار الأسد ، فيصل صوتها إلى المحافل المسيحية المسكونية حول العالم ، تدعو بالويل والثبور وعظائم الأمور خوفا على المسيحية والمسحيين في الشرق ، وتحرض كما أوربان الثاني وبطرس الناسك على ( الهمج ) أو ( المسلمين ) تحت عنوان التطرف والمتطرفين . وكأن بشار الأسد وشبيحته وزبانيته من الملائكة المقربين . وكأن المقتولين من السوريين خلقوا للقتل وهم يستحقونه قائمين وقاعدين .

 وللإقرار بالفضل ، لا يجوز أن نغفل ونحن في هذا السياق المفتوح من العتاب ، عن توجيه التحية للأب باولو داليلو الإيطالي الأصل السوري الهوى ، وهو المرجعية الشرفية المسيحية الوحيدة التي وقفت إلى جانب الثورة السورية ، وتبنت الدفاع عنها في المحافل المسكونية والدولية ، فقام وكلاء بشار الأسد غير المباشرين بالغدر به ، وتغييبه . وإن الملفت أن الإعلام الدولي ليس كثير احتفاء بشخصية تستحق الاحترام والتقدير مثله كما لا يجوز أن ننسى ، ونحن قوم تعودنا الاعتراف بالفضل لأهله ، كيف تم إسكات راهبات معلولا الكريمات والأصيلات ، لأن شهادتهن لمصلحة من كنّ بيده ، بغض النظر عن موقفنا السياسي منه ، لم تكن منسجمة مع سيمفونية التشويه التي يعزفها الجميع ضد الثورة والثوار في سورية ..

لا ينبغي أن نتناسى في السياق الموقف المتردد للأشقاء الكرد ، وبروز قوى منهم تمارس عمليا كل ما يمارسه شبيحة بشار الأسد من قتل وتدمير وفساد وانتهاك وتعذيب . لا نستطيع أن نتناسى أيضا أن عدوانا مزعوما، لا ندري ما هي حقيقته ، على بعض الأكراد ( اليزيدين ) هو الذي جسد الدافع المباشر لتشكيل التحالف الدولي وحرك طائراته ، في حين لم يحرك هذه الطائرات نصف مليون شهيد من الأكثرين ..

سيطول بنا الحديث وسيحرجنا الموقف أكثر ، لو أردنا أن نستمر في سرد شواهد ووقائع الترابط غير الحميد بين المواقف الدولية المدعية والمتذرعة بحماية الأقليات في سورية من جهة أولى، وبين دعاوى بشار الأسد من جهة زعامة تأمين هذه الحماية من جهة ثانية ، وبين تصريحات ومواقف وسياسات الكثيرين على الأرض من جهة ثالثة ...

قد يقول البعض : إن المعارضة السورية بمختلف أطيافها ، وبطيفها الإسلامي بشكل خاص ، قد عجزت عن إقناع هذه القوى المجتمعية بمصداقيتها وببرنامجها . ولا أحد يستطيع أن يزعم أن هذا الكلام ليس له أي حظ من الصحة ، ولكن علينا أن نذكر في السياق أيضا المثل العامي السوري ( كل شيء عند العطار موجود إلا حبني بالزور ) ..

إن الذي لا يزال يدفع جملة الأقليات إلى تصليب مواقفها المستعلية على الحل الوطني ، وعلى القبول بالسواء الوطني ، ويجعلها تصرعلى التمسك بالمكاسب والامتيازات التاريخية والآنية ، الموروث بعضها من عهد الاستعمار والمؤسس بعضها على يده ويد عملائه ، هو هذه السياسات الدولية المنحازة ، التي تهدر كل حقوق الأكثرية ، وتتذرع بالدوران حول كل ما يخص الأقليات كما يطوف عابد الوثن بوثنه .

قد لا يفيد الكثير في هذا المقام أن نتوجه بالخطاب إلى الدول صانعة هذه المواقف وهذه السياسات . لأننا ندرك أن الدفاع عن الأقليات في هذا الظرف التاريخي ( الجيوسياسي ) هو ذريعة لتغطية جملة مصالح تحاول الدول المعنية تمريرها تحت هذا الغطاء ...

يجب أن يدرك جميع السوريين من أبناء الأكثرية وأبناء الأقليات ولمصلحتهم جميعا أن الكذب الوصولي في المواقف والسياسات الدولية هو الأصل . وأن هذه الدول عندما تقتضي مصالحها ، بفعل أي متغير من المتغيرات فما أسرعها وما أجرأها على التخلي عن حلفائها كائنا من كانوا ؟! ويكفي أن نذكر مسيحيي لبنان كيف تخلى عنهم الغرب لمصلحة حافظ وبشار الأسد لسنيين طوال ، وكيف قتل منهم حافظ الأسد رئيسين للجمهورية رينيه معوض وبشير الجميل ..بينما كان الغربيون جميعا يتفرجون . لا نظريا ولا عمليا لن يفلح قوم يرهنون أمنهم ومستقبلهم ومستقبل أجيالهم بيد دولة أخرى أو قوم آخرين ..

لن نغفل أبدا ، وكأننا لا نبالي ، وجود قوى في الساحة الوطنية تنفّر بخطاب غير وطني . وتطرح على الأقليات وعلى غيرها مستقبلا أسود ملؤه البؤس والشر . وأن هذه القوى جزء من معادلة وطنية لا يمكن تجاهلها . إن أول ما يجب أن نفعله جميعا بالنسبة لهذه القوى هو فهم خطابها ووضعه في إطاره ، وتحليل بواعثه وأسبابه للتوافق على مشروع وطني يحيط به ، ويخفض من نبرته ، وينقض مفرداته ولا يؤزه ويعزز من دواعيه ودعاته ،بالمواقف والسياسات المستفزة بل المغالية في الاستهتار والاستبداد ...

إن الذي يجب أن يدركه الجميع ، وقادة المجتمع المدني من أبناء الأقليات بشكل خاص ، أن اللحظات التاريخية الحاسمة التي تعيشها سورية اليوم هي اللحظات التاريخية الأفضل ، لتعزيز اللحمة الوطنية ، واجتماع القوى الوطنية ؛ المؤمنة بالمجتمع المدني وبدولة المواطنة ، وبالحقوق المتساوية للجميع . القوى الوطنية هنا ، ليست هي التي يستنسخها كل فريق على مقاسه ، ويستخدمها لتحقيق أهوائه ؛ مرة من موقع السلطة وأخرى من موقع النفوذ والقوة . في اللقاءات الوطنية الكبرى يلتقي المختلفون الحريصون على الاتفاق . الباحثون بجد وصدق وعدل عن القواسم الوطنية ، التي يمكن أن تجمع وتقنع وتدوم . ..

القواسم المشتركة التي تصنع العقد الاجتماعي الذي يصدر عن قناعات تؤمن به ، وتدافع عنه ، وتصونه وتحميه . أن أي صيغة أو عقد يفرض بقوة سلطة أو نفوذ هو عقد منقوض إن لم يكن اليوم فغدا . العقد الاجتماعي القادرعلى تحقيق مناطات العدل للجميع ( الذي لك مثل الذي لي ) هو وحده الذي يمتلك القدرة على البقاء والصمود . ( ما أنا فحمة وأنت فرقد )

               

* مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

*مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية