دعوة لإسقاط خطاب الفتنة ولإطفاء نزوات الغرائز
أيها المرَوَّعون ..لا تُراعوا ولا تخافوا إلا من مروِّعكم
زهير سالم*
ما يزال داعي الفتنة يطل علينا يوما بعد يوم يبث خطاب الفتنة ، والفتنة ، كما قال ربنا ، أشد من القتل . ما يزال داعي الفتنة هذا يطل علينا يوما بعد يوم ، يرمي بالكفر والتكفير ، ويدعو إلى القتل ، ويحرض على الكراهية ، ويتهم بالخيانة ، ويقطّع حبالا دعت إلى الاعتصام بها الشريعة الحق ، ووثقتها بحزم أجيال مجتمع الرشد على مر القرون ، مجتمع الرشد الذي ما كفر ولا كفّر، ولا استأصل ولا أقصى، ولا ظلم ولا بغى ، والذي كان كلما هبت على الأرض ريح بغي ، أو أوقدت نار فتنة ؛ صدها و أطفأها نور الحكمة من أهل الحكمة ، وهديُ الرشد من أهل الرشد ..
وكانت البدعة الجديدة على لسان داعي الفتنة هذا ، بعد أن ركب أطباقها طبقا عن طبق ، هو اللعب على حبال الكفر والتكفير ، ومحاصرة أبناء الأمة بين مزدوجتي العداوة والبغضاء من طرف والتخويف والترويع من آخر . ليصدر دعاء كالرغاء يجأر فيه : اقتل قبل أن ُتقتل ، وانتهك قبل أن تُنتهك ، وبادر إلى البغي قبل أن يُبغى عليك؛ دعاء غارق في الجاهلية وفي الظلمة وفي الانحطاط وفي الغرائزية المقيتة ...
دعاء غرور وزور وزيف يتلبس ، لبوس مظلومية تتهم الآخرين بممارسة التكفير ، ليُخيل لمحازبيه وتابعيه ، أنهم الضحايا على مر العصور، وأنهم إن لم ينصاعوا لأمره ، سيكونون الضحايا المستقبليين كما كانوا الضحايا التاريخيين . كل ذلك هروبا منه إلى الأمام من استحقاق عقيدة تاريخية ما قامت إلا على القطع والنبذ والاتهام والتكفير ...
فالتكفيري – أيها التكفيري – نزولا من ابن سبأ هو من يدعي أن الخاصة من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ، إلا سبعة أو خمسة ، قد كفروا وغيروا وبدلوا ، وأن كل من لم يتبرأ منهم فهو منهم ومثلهم فصاروا في عقيدتهم إلى تكفير العامة بعد تكفير الخاصة ..
التكفيري – أيها التكفيري – هو من يعتقد أن التاريخ يجب أن يعود بالأمة إلى صفين ، لتستأنف معركتها من هناك !! ولتحقق ما لم يحققه بزعمك وغرورك - أسد الله الغالب علي بن أبي طالب – !! تفح القول - أيها التكفيري - وأنت تقول لمتابعيك ومحازبيك ومن يحارب في ( صفين فقد وصل ) ، نعم من أحب العودة إلى صفين فقد وصل إلى غضب الله وسخطه ومقته ؛ لأن الله في صريح كتابه قد أحب المؤمنين يقاتلون في سبيله صفا كأنهم بنيان مرصوص ، وليس في ( صَفين ) كما أحببته أنت، وكما دعوت إليه في خلوتك أنت ..
دعوتنا الخيّرة إلى الخير هنا ...
ليست ردا عليه ، ولا تبديدا لكلمات في تفنيد ترهات ما زال يرغو بها بين حديث باطل يموه بحق ، وكلام تقيّة مَرَدَ عليه ، فضحه منذ أيام حديثه مع بعض خاصته ، وإن لم يخل هو الآخر من تغرير وزخرفة وتمويه ..
في دعوتنا الخيّرة هنا إلى الخير :
نؤثر امتثالا لأمر ربنا أن نأخذ العفو ، وأن نأمر بالعُرف ، وأن نعرض عن الجاهلين المتلبسين بالغرور والتزييف ؛ لنتوجه بخطاب العُرف هذا إلى شركاء حياة عمرها على هذه الأرض مدّ التاريخ نفسه ، الناس على الأرض الوسط في دار الوسط ، ظلوا شركاء الحياة ، وشركاء الحضارة، وشركاء الأمس كنا ، وشركاء اليوم نحن ، وشركاء الغد سنبقى وإن رغم أنف كل الاستئصاليين والإقصائيين .
في وعاء واحد ضمنا أمر ( العُرف ) الواحد فكان الوعاء الذي حمانا جميعا والذي لا يزال قادرا على حمايتنا جميعا ، على اختلاف العقائد والمذاهب والأصول والأعراق . وبقاؤنا اليوم جميعا هو الشاهد الأبلغ لعدالة أمر العُرف هذا وقسطه وبره ، أمر ( العُرف ) وحامليه ، والذي لا يستطيع أن يجحده الجاحدون ..
خطاب ( العُرف ) هذا هو خطاب القسط المصادر لخطاب الظلم ، وخطاب الصلة المستعلي على خطاب القطيعة ، وخطاب البر ينتصر على خطاب الكراهية ، وخطاب الدعوة إلى الحياة يقطع الطريق على خطاب الدعوة إلى القتل، التي ينعق بها على رؤوس الناس اليوم الناعقون ...
والربيع العربي أيها الأخوة المُرَوعون بأحاديث الفتنة و السوء .. هو شمس الغد التي تحمل النور والدفء لكم ولنا جميعا .. فثورة الربيع العربي على الأرض العربية كانت ثورة ضد الظالم المستبد ، حبيب الفناء ، عدو الحياة ..ضده وحده وليس ضد غيره على أي خلفية من الخلفيات ..
لم يكن لثورة الربيع العربي عدو إلا هذا ، ولن يكون لثورة الربيع العربي ، عندما يحصحص الحق ، عدو إلا هذا ...فهل لغير الظالمين المستبدين مدخل لخوف من هذا الربيع ، من شمسه ودفئه من نُوره ونَوْره ..
أيها المرَوعون بمزامير القتل والموت والسبي..
(( إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا )) هذا بعض أمر العُرف من أمر ربنا وربكم ..
تبينوا ، يوم خفتم ، مَن نصركم ومَن آواكم ومَن مد يد الصلة لكم .. أهل البر والقسط من أبناء الشام هؤلاء هم من يدعوكم الفاجر القاطع الظالم اليوم إلى حربهم حتى تفنوهم أو يفنوكم !! ينفث في عقده في آذانكم : الأرض إما لكم كما يعدكم ، وإما لهم كما يتهددكم مخادعكم !! والقول لنا ولكم
لعمرك ما ضاقت بلاد بأهلها ... ولكن أحلام الرجال تضيق
ودعوة الخير بالخير تقول لكم ، بكل الثقة بربيع العدل والحرية والكرامة تقول لكم : لا تخافوا .. ولا تُراعوا .. فما ينبغي أن يخاف من ثورة هذا الربيع إلا الظالمون المستبدون والقتلة المنتهكون والسراق والقطاع الذين عم فسادهم البر والبحر ، ومعهم عبّاد الكراهية ، النافخون في كير الفتنة الذين تفجرت قلوبهم على ألسنتهم بالعداوة والبغضاء ...
أيها المرَوَّعون بفحيح العصبية والكراهية ...
إن الحضن الجامع أولى بكم لو كنتم تعلمون . إننا وحرصا علينا وعليكم نعظكم أن تندموا غدا ولات ساعة مندم فتقولوا (( رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلا )) سيحطمكم هذا الحطمة إن أطعتموه ، وإن استجبتم له فسرت في ركابه ، هو الذي سيحطمكم وليس نحن ، وعلى كره منا ستحرق نار الفتنة أهليها ...
أيها المرَوَّعون بخطاب الفتنة ...
لا نخاطبكم ، كما يفعل غيرنا ، بغرور ولا باستفزاز ولا بترويع ولا بتهديد ...وإنما نخاطبكم ببركة شجرة الزيتون التي ظللتنا القرون بعد القرون (( زَيْتُونَةٍ لّا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ )) .. أن تبينوا.. تبينوا قبل أن تندفعوا في طريق الغي ، وطريق البغي والعدوان وفي طريق الموت والحطام .. وإننا لنضن بالرجل منكم قبل المرأة والطفل أن يكون وقود دعوة غرور لمأفون هان عليه التلفظ بإهلاك ثلاثة أرباعكم ..
يا أهلنا ، على كل أرضنا ، إنما يقتلكم اليوم وسيقتلكم غدا من يدعوكم إلى القتل ، وستقتلكم استجابتكم له ، إن استجبتم ، له لا كتب الله ذلك عليكم ..
يا كل أهلنا ، على كل أرضنا ، نحن مختلفون نعم ، مختلفون في بعض التصور والاعتقاد و الرؤية ، مختلفون على قليل أو كثير من قراءة التاريخ ، مختلفون في قليل أو كثير على اليوم والغد ؛ واختلافنا لا يجوز أن يقودنا إلى أن نقتتل حتى نتفانى كما يدعوكم اليوم المفتون .
يا كل أهلنا على كل أرضنا في سورية وفي لبنان وفي كل مكان هذا ما عندنا لكم فما عسى أن يكون عندكم لنا ؟!
* مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية