معنى أن تفاوض إيران عن بشار الأسد، ومعنى أن يخرّب بشار مسعاها

زهير سالم*

على خطورة الدلالات السيادية والسياسية أن تقوم إيران جهارا نهارا بالتفاوض عن بشار الأسد حول ما يجري على الأرض السورية الداخلية ، في الزبداني وفي كفريا والفوعة ، مع كتائب أحرار الشام ، وعلى الأرض التركية ، أي تحت سمع العالم وبصره ؛ إلا أن الحدث على خطورته قد مرّ بصمت المتابعين والمحللين ..

فطغمة بشار الأسد التي جعلت من موضوعة ( السيادة الوطنية ) شماعة تعلق عليها كل أسمالها البالية ، مع أنها كانت أول من خرقها وداس عليها مرارا وتكرارا . إن ما جرى في تركية لم يكن المرة الأولى التي يفاوض فيها الإيراني عن الأسدي مع مواطنين سوريين ، إلا أنها على ما تبدو الواقعة الأجهر التي ترتكب فيها الفاحشة السيادية جهارا نهارا وتحت سمع العالم وبصره ..

لم يعد الحال أن الكتائب الإيرانية وأذرعها اللبنانية والعراقية والباكستانية تدفع ازدراءً مقاتلي بشار الأسد عن الميدان لتتقدم فتقاتل عنها ، ولم يعد الحال أن الأذرع الإيرانية الضاربة في سورية تسخر وتستهتر بالقوات الأسدية أو تحملها مسئولية الهزائم والخروقات ؛ بل أصبحت القضية أن المفاوض الإيراني ، يزيح المفاوض الأسدي جانبا ، ليفاوض الإيراني مباشرة المواطن السوري الحر ، على بعض الشأن السوري الداخلي !!

إن الدلالة السياسية المباشرة لهذا الواقع أن سورية أصبحت بلدا محتلا من قبل الإيرانيين ، ليس على المستوى العسكري فقط ، بل على مستوى القرار السياسي أيضا . وأن على مجلس الأمن أن يتعامل مع القسم الواقع تحت السيطرة الإيرانية من الأرض السورية كأرض محتلة ، وأن يحمّل إيران بالدرجة الأولى مسئولية الدولة المحتلة ، وأن يتعامل مع الثورة السورية وثوارها كحركة تحرر وطني ، وأن يتعامل مع بشار الأسد كما تعامل يوما مع حكومة ( فيشي ) أيام الاحتلال النازي لفرنسا ...

وأول مقتضيات هذا التعامل إسقاط الصفة التمثيلية لبشار الأسد وحكومته ، وإسقاط الشرعية الشكلية التي لا تزال الهيئات الدولية وبعض الحكومات تتعامل من خلالها مع هذا النظام ، ووقف الاعتراف الدولي بدور طغمة العمالة الواقعة تحت تأثير المحتل الإيراني ، والفاقدة لصفتها السيادية ، وقدراتها التمثيلية السياسية .

وهذا يعني فيما يعني للسيد ديمستورا أن يبادر ، وقد قرر إشراك إيران في مفاوضات الحل السياسي في سورية ، أن يسقط دور بشار الأسد وفريقه ، حيث تثبت الواقعة إياها أن دور المفاوض الأسدي سيكون مجرد تكرار للموقف والدور الإيراني .

وبالعودة إلى الواقعة في نفسها ( المفاوضات التي دارت بين إيران وبين الثوار السوريين من كتائب الجيش الحر ) ...

فإن من أبرز الدلالات التي يمكن أن نشير إليها هي أن الواقع العملياتي للثورة السورية ، قد أجبرت دولة ( إقليمية عظمى ) تحسب حسابها الكثير من دول الإقليم ، أن تجلس جلسة الند للند مع كتائب من كتائب الثورة السورية التي تشكك الكثير من الدول في قدراتها وطاقاتها وإمكاناتها ..

ومرة ثالثة نعود إلى تفاصيل الواقعة ومضمونها العملي : إيران تفاوض كتائب أحرار الشام حول أهالي : كفريا والفوعة مقابل ما قيل إنه وقف إطلاق نار في الزبداني ...

فالتفاصيل تخبرنا أن أهالي كفريا والفوعة ونبل هم من أتباع ( الشيعة الإمامية الاثنا العشرية ) وهم من الناحية المذهبية ألصق بشيعة إيران وجزء منهم وليسوا من المحسوبين مذهبيا على بشار الأسد وطائفته وهذا بحد ذاته يشكل خصوصية للحرص الإيراني الطائفي بدأت مفارقاته تظهر على أكثر من صعيد ..

والذي لا يجوز أن نغفل عنه هو أن هذه البقع المذهبية الصغيرة في الشمال السوري ، عاشت على مدى التاريخ في أمن وأمان ووئام ، ولم يكن الشعب السوري يريد ،لولا ما فرضه الأسديون والإيرانيون على المجتمع السوري من منطق طائفي بغيض ، أن يكونوا ورقة للمساومة ، وموضعا لضغط.

وتخبرنا التفاصيل أيضا أن قيادة حزب الله تحت وطأة صمود ثوار الزبداني ، وضرباتهم المسددة ، وخسائر حزب الله المتعاظمة في قياداته البشرية ، كان هو المبادر إلى المطالبة بالهدنة في الزبداني ، وبناء على طلبه هو تحركت إيران ولم يتحرك العاجز منزوع الصلاحية بشار...

كلام كثير قيل عن تفاصيل ما جرى في مفاوضات تركية أهمها ما يتعلق بمطالبة كتائب أحرار الشام بالإفراج عن أعداد كبيرة من المعتقلين في سجون بشار الأسد جلهم من الأطفال والنساء ...

انتفاضة السراج قبل الانطفاء كانت في محاولة بشار الأسد قطع الطريق على معطيات المفاوضات ، وتخريب نتائجها بالتحريش لاستئناف عملية القتال . حركة لن تكون عصية عن فهم المندوب السامي الإيراني ؟ مع اقترانها في التلكؤ في إطلاق سراح النساء والأطفال من المعتقلين السوريين مقابل ما صاغه المفاوض الإيراني ...

يدرك السوريون أن مفارقة مذهبية طائفية خطيرة تتعاظم بين ( الأسدي والإيراني ) أو بلغة أكثر وضوحا بين ( النصيري والإمامي الاثنا عشري ) فإلى أي حد ستبتلع إيران محاولة التمرد الأسدية إن كانت ، وإلى حد سيستطيع بشار الأسد أن يتحمل تبعات هذا التمرد ؟! 

أم أنها محاولة إضافية لتوزع الأدوار تحاول إيران فيها أن ترتدي القناع الأبيض للسوريين هذه المرة ومع كتائب أحرار الشام بشكل خاص ...

*مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية