في الحرب على الإرهاب دعوة إلى موقف وميثاق

زهير سالم*

(( قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ ))

لقد تحولت ظاهرة الإرهاب في العالم بوقعها وانتشارها وامتدادها إلى نوع من ( البلوى العامة ) التي تضرب في كل اتجاه . وأصاب شرها الصغير والكبير ، والقريب والبعيد ، واكتوى بنارها المسلم وغيره فأوقعت القتل ، ونشرت الخوف ، وبثت الذعر ، وهددت الآمنين ، وأقلقت المطمئنين ، وحرضت على الأبرياء ، وأججت العداوة والبغضاء بين الناس .

إن عموم البلوى بهذه الظاهرة الشاذة المستنكرة ، وانتشارها ، واستفحال خطرها . يدفع كل العقلاء والحريصين على مستقبل الحياة الإنسانية أن يتقدموا بمساهماتهم الإيجابية للمشاركة ، في تطويق الشر ، وإطفاء هذا الحريق .

لقد شاركت في اشتعال نار هذه الظاهرة عوامل كثيرة متباينة ومتعددة ليس من السهل حصرها في هذا المقام . المهم أن نتفق أنه ليس من المفيد أن يظل العقلاء في العالم يتقاذفون كرتها . والمفيد في مثل الموقف الذي نحن فيه أن يبحث كل فريق عن دوره وعن ثغرته فيبادر إلى سدها . نعم لقد كان للسياسات الدولية الغربية المجحفة والمتعددة المعايير دورها في إشعال نار هذه الفتنة . وكان للاستبداد والإقصاء والظلم الذي مارسه المستبدون والفاسدون في العالم العربي دور آخر مهم وأساسي في هذا . ولكن هذا لم يكن كل شيء . كان هناك أدوار وأدوار وادوار . وإن استشعار خطر الظاهرة على الجميع ، و الحرص على احتوائها وتطويقها واجتثاث أسبابها ، والصدق في مواجهتها يتطلب مبادرات إيجابية صادقة وفاعلة من جميع المعنيين . وعلى هذا الأساس تأتي هذه المبادرة وهذه الدعوة إلى هذا الميثاق..

يجب أن يكون واضحا أن الحركات الإسلامية في تياراتها المتعددة كانت في طليعة من اكتوى بنار هذا ( الغلو – الإرهاب ) بثوبيه النظري والعملي . , وأنه عمل في بنيتها كمنشار متعدد الرؤوس ، فمزق وحدة الموقف الإسلامي ، واختطف بالتضليل والخداع الكثير من جماهير هذه الحركات ، وشوه مشروعها الوسطي المعتدل، وقطع الطريق عليه أو وضع العقبات في طريقه ، ونفّر منه ، وحرّض وأجلب عليه ...ومع كل ذلك يبقى لهذه الحركات دور أساسي في مواجهة هذا الشر ، ووضع حد لعدوانه . يبقى لها دور إيجابي وأساسي فاعل ليس لدرء ( التهمة ) عن نفسها كما يظن البعض ، وإنما لصون دعوتها ، وحماية مشروعها ، والدفاع عن الإسلام عقيدة وثقافة وإنسانا ..

واليوم حين يتداعى العقلاء في العالم لمواجهة هذه الفتنة ، ووضع حد لشرورها وآثامها ؛ فإن على رجالات العلم والفقه والرشد من أهل الإسلام، والحاملين للوائه أن يكون لهم دورهم الرائد ، ومشاركتهم الحقيقة ، في وأد الفتنة ، وكسر إرادة الشر . بل وتصحيح البوصلة في هذه المعركة ، لكي لا يحرفها أو يسيء توظيفها أصحاب المصالح والأجندات . تأتي المشاركة بمثل هذه المبادرات لتأكيد أن الحرب على الإرهاب ليست كما يصورها ، من يريد أن يستثمر فيها ، حربا أمنية وعسكرية تشنها الأنظمة على الشعوب ، والممسكون بعصا السلطة على المجردين منها ؛ بل لتجليتها حرب الخير على الشر ، والحب على الكراهية . حرب أسلحتها الفكر والثقافة السياسة والاجتماع والاقتصاد ، وأدواتها الأولية الحوار والإقناع ..

وعلى هذا الأساس نتقدم بهذه الأوراق بيانا لحق ، وقياما بواجب ، وسدا لثغرة . وتعهدا بما يقتضيه المقام من مشاركة فاعلة يجب أن تتحول إلى برامج ومناهج وفق خارطة طريق نسعى إليها ، وبنود ميثاق نتعهد بها .

 ونتقدم بهذه الأوراق وبهذا الميثاق تأكيدا على التزامنا ، بمقتضيات العيش الإنساني المشترك واستحقاقاته ، ورفضا منا ( للإرهاب ) بكل صوره وأشكاله . مع التزام منهجي بإدانته والتصدي له ومقاومته دعويا وفكريا وعمليا .

 مشروعنا الإسلامي الوسطي المعتدل : الرؤية .. والرسالة

رؤيتنا

نتقدم نحن ، حملة المشروع الإسلامي الوسطي ، بهذا الميثاق توضيحا لرؤيتنا التي ارتبطت أصلا ( بفهمنا الوسطي لشريعة الإسلام ). الشريعة التي تقدس الحياة الإنسانية ، وتعظم أمر الدماء ، وتؤكد عصمة النفس البشرية ، فهما يؤطره ما كتبه الله تبارك وتعالى في شريعته الواحدة وكلماته الباقية : (( مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا )) .

رسالتنا

 ونؤكد في هذا السياق أن جوهر الرسالة ، الكلية ، التي آمنا بها ، وأردنا إبلاغها إلى الناس أجمعين قد تحدد من قبل في إطاره الرباني العام في قوله تعالى (( وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ )) . "الرحمة للعالمين" بكل مضامينها وصورها هي جوهر مشروعنا الإسلامي الذي آمنا به ، وحملناه ، وضحينا في سبيله ، وسنظل ، ما حيينا ، أوفياء له .

ميثاق شرف إسلامي للتصدي للإرهاب

1 – مقدمات

المقدمة الأولى :

 في الزمان ..والمكان

نتقدم بهذا الميثاق الإسلامي للتصدي للإرهاب ، بنبذه ، وإدانته ، والانخراط في برامج جادة ذات مصداقية لمواجهته والتصدي له من منطلق إنساني إسلامي عربي . ندرك أننا قبل أن ننهي كتابة هذه الكلمات ستكون رحى إرهاب ( بشار الأسد ) التي تدور في سورية منذ خمس سنوات ، قد طحنت في وطننا المزيد من المستضعفين من الرجال والنساء والأطفال ، ودمرت المزيد من العمران . وأن الكثير من هذا القتل والتدمير يقع تحت غطاء غرائبي ذي طبيعة دولية تشارك فيه أكثر قوى الأرض تحت عنوان ذريعة اسمها ( الحرب على الإرهاب ) !!

المقدمة الثانية:

 في تعريف الإرهاب :

نوقن ، نحن حملة المشروع الإسلامي الوسطي ، أن الإنسان سينتصر على الإرهاب . ونؤكد أن هذا النصر سيكون أيسر وأقرب حين ينهي العقلاء حول العالم الجدلية القيمية الأخلاقية السياسية حول تعريف هذا الإرهاب .

سينتصر الإنسان على الإرهاب ، حين يقتنع الأقوياء أن فرض ( تعريفٍ ) للإرهاب على الإنسانية بالقوة هو نوع من الإرهاب .

 سينتصر الإنسان على الإرهاب حين يقتنع العقلاء أن فرض (تعريفٍ) للإرهاب يحمي سيطرة الظالمين وسلطتهم ومصالحهم ويشرعن سلوكهم ووسائلهم هو الإرهاب بعينه .

الإرهاب في مفهومنا :

 الإرهاب – في مفهومنا - هو رؤية أحادية للعالم تنكر على الآخر رؤيته. الإرهاب طريقة في ادعاء الحقوق تنكر على الآخرين حقوقهم . والإرهاب ثقافة يظن أصحابها أن من حقهم أن يطمسوا ثقافات الآخرين .

والإرهاب سلوك يسعى إلى أن يفرض أو ينشر بالقوة ما عجز عن نشره بالإقناع . هو استبدال الطلقة بالكلمة ، والقذيفة بالفكرة .. الإرهاب هو الاعتقاد أن القوة تصنع الحق ، أو تزيّف العدل . الإرهاب هو السوط والزنزانة هو الاستبداد والاحتلال هو الاستعلاء على الناس واحتكار الحق والحقيقة ..

 والإرهابيون الذين يجب أن يتفق العالم - كل العالم - على مقاومتهم هم كل هؤلاء الذين يحاولون أن يفرضوا سلطتهم أو رؤيتهم أو ثقافتهم أو أنماط سلوكهم بالقوة والعنف والتهديد وبإشاعة الخوف ونشر الذعر ..

المقدمة الثالثة :

في الإرهاب السلطوي ...وإرهاب الأفراد

أكبر خلل تقع فيه المقررات المغلوطة أنها توقع وصف ( الإرهاب ) فقط على أشكال التمرد التي يمارسها الأفراد بأشخاصهم أو بتجمعاتهم . نعتقد أن تعريف الإرهاب على هذا النحو هو نوع من ازدواج المعايير قيميا وسياسيا .

 نصر دائما على إدانة جميع أطراف ( الإرهاب ) بما فيها الإرهاب السلطوي . بل نعتبر إرهاب السلطة إرهابا أولى بالإدانة. ونؤكد أن إرهاب السلطة هو الإرهاب الأول وهو الإرهاب الفاعل ، وهو الأشد جناية من الإرهاب المنفعل. والأغرق والأعرق في الجريمة .

لن تنتصر حرب على إرهاب المنظمات ما لم يسبق العالم إلى الانتصار على إرهاب الأنظمة. والأخذ على أيدي المستبدين

ونشدد بالمقابل على حق كل المستضعفين والمنتهكين في رفض الإرهاب السلطوي . وحقهم في مقاومته ؛ سواء كان هذا الإرهاب احتلالا أو استبدادا . ونؤمن أن التصدي للاحتلال وللاستبداد ومقاومتهما ؛ له هو الآخر ضوابطه ، ومنظومته القيمية التي تجله عن أن يكون عبثا أو طيشا أو رعونة أو عدوانا .

المقدمة الرابعة :

في الهوية .. والحاضنة ..

الإرهاب لا هوية له . ومحاولة بعض الناس ربط الإرهاب بهوية ، أو بدين أو بقوم ، للتشنيع عليهم أو تخويفهم أو إخضاعهم هو نوع من الإرهاب الذرائعي . يبدئ ويعيد بعض المغرضين في اتهام الثقافة أو الحركات الإسلامية بكونها حاضنا أوليا لرجال الغلو وجماعات التطرف من الخائضين في مخاضات الإرهاب اليوم !! وهذا اتهام أو ادعاء يجافي الحق والصواب . وأبسط ما فيه أنه يسوي بين الضحية والجلاد . ويجعل ضحايا الإرهاب التاريخيين ( من الدعاة إلى الإسلام ) قتلا وسجنا وتعذيبا سببا له وفيه . إن خطورة هذا الزعم بتوظيفاته السياسية تجعلنا نقف عنده في هذه المقدمة أكثر بالتفنيد . فنذكر بأكثر من حقيقة تنقض هذا الزعم على مدعيه وترده عليهم لعلهم يتفكرون ..

الحقيقة الأولى : أن مدارس العمل الإسلامي على اختلاف توجهاتها ، وعلى الرغم مما نزل بها على يد الإرهابيين السلطويين ؛ كانت تصر دائما على نبذ التطرف والمتطرفين وإعلان البراءة منهم فكرا وسلوكا ، نظريا وعمليا ، حتى قبل ارتكابهم الجنايات وجرهم الجرائر ، وتحولهم من التطرف النظري في التكفير والتهجير ، وقبل تحولهم من إرهابيين محليين إلى إرهابيين عالميين ..

والحقيقة الثانية : أن هؤلاء المتطرفين أشد ما يكونون في غلوهم وفي حملات نكايتهم وفي تهديدهم على مدارس العمل الإسلامي المعتدل ، فقهها ومنهجها وقياداتها . حيث يرفعون أصواتهم بالتكفير والتخوين ثم يمدون أيديهم بالأذى والتنكيل. مراجعة إحصائية لمن قتل هؤلاء من قيادات العمل الإسلامي في العراق ومن قيادات ثورية في سورية كافية لدحض هذا الادعاء.

والحقيقة الثالثة : أن سياسات الإرهابيين السلطويين ، وسجونهم كانت هي المحضن الأول لأشخاص وأفكار هؤلاء المتطرفين الإرهابيين المنفعلين. وإلى جانب الزنازين الصغيرة في أقبية السجون ، كانت هناك دائما ( الزنازين ) الكبيرة الأوطان والمجتمعات. مجتمعات التمييز والاستئثار والإقصاء وسلب الحقوق . هذه هي محاضن الإرهابيين الحقيقة وليس أجواء الشريعة الإسلامية ومدارس تدريسها ..

والحقيقة الرابعة : وعلى ضوء ما جرى ويجري في العراق وسورية ، نلاحظ انتقال العلاقة بين ( الإرهاب السلطوي – والإرهاب الفردي المتمرد ) من علاقة السببية غير المباشرة إلى حقيقة الاستنبات المباشر ثم الدعم والتوظيف . في مشروع إرهابي كوني لتخويف العالم وبث الذعر في قلوب البشر من أي بديل للقتلة والمجرمين الحقيقيين .

الحقيقة الخامسة : تعلم أجهزة الاستخبارات العالمية الخلفيات الاجتماعية والثقافية التي يتحدر منها الكثير من هؤلاء المتطرفين والإرهابيين ، كما تعلم على التوازي براءة أوساط الإسلام الحق من زيغ الزائغين وتطرف المتطرفين .

المقدمة الخامسة :

في قواعدنا الإسلامية الفقهية ...

نؤمن في رؤيتنا الفقهية الشرعية أن نصوص القرآن يفسر بعضها بعضا . ونأخذ بكليات القرآن ومقاصد الشريعة الإسلامية في أفقها المفتوح على استشراف الزمان ، وتحقيق المصالح العامة للبشر . نؤكد أن دور مدرسة الفقه الإسلامي استنباط فقه الواقع من معدن الشريعة، وأنه حيثما كانت مصالح الناس العامة فثم شرع الله . نرفض ضرب آيات القرآن الكريم بعضها ببعض . واجتزاء أحكامه . وتوظيف بعض النصوص في خدمة الرغبات والاجتهادات الخاصة . لا حجة لأحد على الله ، ولا على كتابه ، ولا على دينه . وحجة الله على خلقة قائمة وبالغة ، وإن العلم بالله وبكتابه وشريعته هو الدين ، وهو الإيمان والإسلام . وأن من مستقرات هذا الدين الدعوة إلى سبيل الله بالحكمة والموعظة الحسنة ، وجدال المخالفين بالتي هي أحسن : (( ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ..)) .

ونؤمن أن الجهاد هو ذروة سنام الإسلام ، وأن تعريفه ( بالقتال ) هو تعريف اصطلاحي غير مطلق . وأن مفهوم الجهاد في الإسلام أكثر طلاقة وسعة. وأن القتال ما شرع في الإسلام إلا للدفاع عن الإنسان وجوده وحقوقه الأساسية في مقاصد الشريعة الخمسة . وما شرع إلا لنفي الفتنة عن حياة البشر : (( وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّه )). ومن كينونة الدين لله ألا يفتن إنسان عن دينه أو عن خيارات عقله ، وآلا يضار في عرضه ولا ماله . وألا يروّع آمن مسالم في سربه . وما شرع القتال في الإسلام إلا لدرء الفتنة التي اعتبرها القرآن الكبير أكبر وأشد من القتل في موطنين فقال: (( وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ )) ، وقال (( وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ )) .

ميثاق شرف إسلامي للتصدي للإرهاب

 2 – توضيحات والتزامات

• بروح الإيمان ، وبمداد الشريعة المقدس التي نؤمن بها ، نكتب بنود هذا الميثاق . إن كل ما يرد في هذا الميثاق هو من الدين الذي ندين الله به ، ونلقاه عليه ، ونحتكم مع الناس إليه . إن بنود هذا الميثاق تصدر عن عقل وقلب . وتعبر عن إيمان ورؤية وموقف .

• نؤمن في منهجنا الدعوي والتربوي أن تعزيز مكانة ( العقل الناقد) في سلوك المجتمعات والجماعات والأفراد هو المخرج العام للأمم والشعوب من حالة الاحتراب و الفوضى والتردي . العقل الناقد في أجواء الحرية العامة ، والسلامة النفسية ،هي المدخل الأول للانتصار على حالة التردي في التعامل مع العقائد والأفكار والأحداث. بالعقل الناقد يتعلم الجميع كيف يختلفون وكيف يحاكمون ويتحاكمون .

• نؤمن نحن أبناء دعوة الإسلام العظيم بعصمة النفس البشرية . وبحرمة الدم الإنساني . كما نعتقد أن استهداف المدنيين في أي مكان في العالم بالترويع أو التهديد أو القتل جريمة يأباها الإسلام . ندينها ونستنكرها ، وندعو جميع الناس إلى إدانتها واستنكارها .

• نؤمن إيمانا مطلقا بأن التبعة في الإسلام فردية ذاتية . وأنه (( لاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى )) . وأن لرد العدوان في شريعة الإسلام ضوابطه وقواعده . وأن للقتال في الإسلام شروطه وأحكامه ومناطاته .

• نعتقد أن تشويه صورة المرجعيات الإسلامية العلمية الكبرى من أهم أسباب انتشار الغلو والتطرف في حياة المسلمين ، ورواج مفاهيمهما وأفكارهما. إن وضع هذه المرجعيات والقائمين عليها من العلماء موضع التبعية للحكام والولاة جعل الكثير من أبناء هذه الأمة ينفرون من هذه المرجعيات وإن قالت حقا ، ونصحت برشد .

• نؤمن بضرورة التنبيه والتعليم بما تحتويه كتب التراث الإسلامي ، ولاسيما كتب السير والتاريخ والحواشي ، من الأخبار الملفقة والأفكار الخاطئة. والحكايات المفسدة للعقول والتصورات. إن رفع القداسة عن الروايات الموضوعة والضعيفة والمدسوسة وعن التفسيرات المتزمتة هو منهج لا بد منه لوضع حد لحالة التردي العلمي والفكري .

• كما نؤمن بضرورة التربية والتعليم أن في كتب الفقه الإسلامي كثيرا من الأبواب التي تُعنى بتقرير أحكام قضايا تاريخية ظرفية . قد طوى التطور المدني أحكامها.

إن أبوابا في كتب الفقه عن الرق والإماء والسبايا والغنائم وأحكام أهل والذمة والجزية... . يجب أن ينظر إليها كنظم وأحكام تاريخية قد تجاوزتها شريعة الإسلام ، والمجتمعات المسلمة في تطورها التاريخي العام ..

• نؤمن بضرورة التعليم والشرح والتوضيح أن ما سبق فقهاء الإسلام العظام إلى تقريره من تقسيم للعالم إلى دار إسلام ودار حرب ودار عهد ، كان تقسيما تاريخيا ظرفيا قد انتفت في هذا العصر دواعيه ، وأن العالم كله قد أصبح اليوم دار دعوة . دعوة إلى أصل الدين ، أو دعوة إلى أي فرع من فروعه ، من غير إكراه ولا تثريب .

• رؤيتنا لوحدة الأمة المسلمة لا يمكن حصرها في إطار الدولة الإمبراطورية . وفقهنا لمصطلح ( الخلافة ) أنه مصطلح تاريخي زمني توافق عليه المسلمون . واعتقادنا أن قوام الدولة في الإسلام هو المؤسسة المدنية العامة التي تقر العدل وتحقق المساواة بين الناس بغض النظر عن انتماءاتهم . فلا عصمة لحاكم ولا حق إلهيا لطبقة ولا لإمام .

• ندعو إلى الالتزام بضبط دقيق ومتوازن للخطاب الدعوي الإسلامي . ليكون الدعاة من حملة رسالة الخطاب الإعلامي الإسلامي أكثر حذرا . في إطلاق التعميمات ، وأكثر حرصا في التركيز على الكليات . وكذا في التوازن في التبشير بين التعلق بجمال الماضي وبين التطلع إلى امتلاك تصور عملي عن المستقبل.

ويتأتى كل ذلك بالإعداد الوسطي الرشيد للدعاة ...

• إن كل ما كتبه ويكتبه الكتاب والمفكرون الذين يوصفون بالإسلاميين هو مجرد وجهات نظر تلزم أصحابها فقط . وهذه الآراء هي جزء من حرية الرأي والتعبير التي تبيحها منظومة حقوق الإنسان . ومسئولية ما في كتب هؤلاء الكتاب والمفكرين من آراء مرجوحة أو خاطئة تلزم أصحابها فقط ولا تلزم مسيرة العمل الإسلامي في شيء.

• إن إلقاء العبء فيما يعانيه المسلمون من تخلف وكرب وبلاء على الآخرين كان خطأ تاريخيا كبيرا . بل كان نوع من الهروب من تحمل المسئولية عن الأسباب الحقيقة لهذا التخلف والضياع . إن تحمل مسئولية مشروع النهضة بجدية وحزم . و الاعتدال في النظر إلى الآخر وتقويم الحضارة الإنسانية بروح إنسانية علمية هو مدخلنا الطبيعي إلى العصر وإلى الحكم الرشيد .

• لقد أزكت الدعوات والممارسات الطائفية نار العداوة والبغضاء . وشغلت أبناء الأمة بالصغائر والترهات . وحاصرتهم في أفق أحداث تاريخية مضت وانقضت . ولقد تغذى الإرهاب والإرهابيون كثيرا من معين هذه الطائفية . ولا بد لأي مشروع عملي للتصدي للإرهاب ، أن ينأى بنفسه عن هذا المستنقع الوخيم .

• لقد خلقنا الله سبحانه بشرا مختلفين . وأقر القرآن الكريم هذا الاختلاف واعترف به في أكثر من موطن ((وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ ..)) نؤكد إيماننا بأن صيرورة هذا الاختلاف في هذه الحياة هي التعارف للتعايش والتآلف كما رسمها القرآن الكريم (( يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ )) . وبهذا نؤمن ولهذا نعمل . ليكون بناء المجتمع الإنساني المتآلف على اختلاف ، الموحد مع التعدد ، هو الهدف الذي نسعى إليه ونعمل عليه في أفق للتعاون الإنساني على البر والخير والنفع العام .

• نعتقد أن العلاج بالمزيد من التعليم والتثقيف ونشر الوعي هو الأهم في أي مشروع ناجح للحرب على الإرهاب . وإن الخطيئة الأكبر في الأمر الذي نحن فيه أن يعتبر أي طرف من الأطراف الإدانة حلا . وأسوأ ما تكون الإدانة عندما تصبح متبادلة يتقاذف من خلالها العقلاء المسئولية .

• نعتبر أن من يمثل المواقف العامة للحضارات والثقافات والشرائع والأمم والشعوب هو ( العقل الجمعي ) لرجال الفقه والفكر والرأي فيها ، دائما على العقلاء من كل الأطراف أن يُصغوا إلى بعضهم ... إن توظيف الأقوال الشاذة والمتطرفة لأصحاب الأجندات الضيقة واستغلالها لن تخدم إلا مشروع القطيعة بين البشر ، وهو الهدف الذي يعمل عليه كل الإرهابيين . ، ملتزمين في ذلك بتعليم قرآننا الكريم : (( وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْنًا )) وننتظر في الوقت نفسه خطابا مثله ، ونحض عليه ، ليتعاون كل العقلاء في العالم على مد جسور التواصل والتعايش بين الناس أجمعين .

يحمل هذا الدين من كل خلف عدوله ينفون عنه غلو الغالين وانتحال المبطلين ...

*مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية