سورية : حل عسكري روسي – إيراني، بنكهة سياسية

زهير سالم*

منذ زيارة كيري الخطيرة إلى موسكو ( 15 / 12 / 2015 ) ولقائه بوتين وخروجهما بتصريحات جريئة آثر الكثيرون يومها أن يصفوها بالضوضاء السياسية ؛ ينفذ على الأرض السورية حل عسكري ( روسي – إيراني ) متكامل الأركان ، يراد بعد استكماله أن تضفى عليه نكهة أو بهارات سياسية .

قال كيري وهو في حضرة بوتين ( إن بإمكان روسية وأمريكا أن يفعلا في سورية الكثير) ، ومنذ خروج كيري من موسكو كتب كل المحللين الأمريكيين، أن كيري فوض موسكو ( بتصفية ) ما يتبادلان تسميته ( الأزمة السورية ) . وأن أوباما أوالإدارة الأمريكية تريد أن تلقي هذا العبء عن كاهلها بأي ثمن ، وبطريقة من الإخراج تحفظ ماء الوجه الأوبامي ، والقيمي الأمريكي ...

وأثناء الزيارة نفسها أكد بوتين أهمية التعاون الروسي - الأمريكي ، وقدّر أهمية الأفكار التي يحملها كيري ، ثم خرج علينا بعد الزيارة بتصريحه الشهير : إن على الحكومة السورية أن تتقبل بعض الحلول الصعبة . كان ذلك نوعا من الادعاء التبريري ، التي أراد بوتين من خلالها أن يدعي دور الوسيط .

وكان من أهم الثمرات المباشرة للتفويض الأمريكي لروسية بالتصرف بملف الأزمة السورية هو أن العديد من الدول الإقليمية وجدت نفسها منفردة على طاولة واحدة مع دولة عظمى هي الاتحاد الروسي . وكان على هذه الدول أن تستنقذ نفسها بأظافرها المجردة من براثن الوحش الروسي .ومن هنا تابع الجميع ضعف ردة الفعل ( الإقليمية والعربية ) الرسمية والشعبية على الاحتلال الروسي لسورية ، بل ومسارعة الكثيرين إلى مهادنة هذا الاحتلال حيث من غير المنتظر لدولة مثل قطر أو مثل الكويت أو مثل الإمارات العربية أن تقف موقف الند المناجز من الدولة الروسية من غير دعم حقيقي لمواقفها من قطب العالم الآخر والمقصود هنا بالتأكيد الولايات المتحدة .

وعلى النحو نفسه انعكس الموقف ( الأمريكي المتخلي ) و( الموقف الروسي المنفرد ) على القوى التابعة من قيادات المعارضة السورية وعلى رأسها الائتلاف الوطني وحشوته التي رفضت – حتى الآن - تكريس المحتل الروسي عدوا وأن تتعامل معه على هذا الأساس ، فترفض احتلاله ، وتدين جرائمه ، وترفض بالتالي أي شكل من أشكال وساطته .. .

وظل هؤلاء المعارضون وأولئك ( القادة ) الإقليميون يعتبرون روسية دولة كبرى مؤثرة ينتظر منها دور في ( إنصاف الشعب السوري ) حتى وهم يتابعون الطائرات الروسية تقتل الأطفال وتقصف رياض الأطفال وتشرد السكان على أساس ديني وعرقي ...

إن الذي يحصل على الأرض السورية منذ الاحتلال الروسي لسورية وتأكد بعد الاتفاق (الأمريكي – الروسي ) منذ ما يزيد على الشهر ( زيارة كيري لموسكو ) ، هو حرب مبرمجة يتولاها الطيران الروسي في الجو ، ويتولاها الإيراني وأشياعه على الأرض . حرب إجرامية واضحة تستهدف بطريقة مباشرة كسر إرادة الشعب السوري بقتل كل مظهر من مظاهر الحياة وتدمير كل ما تبقى في سورية من عمران . وفرض حل عسكري على الشعب السوري يبدأ بالقتل ويمر بالتحكم في ( من هم المعارضون ومن هم الإرهابيون ) وينتهي بفرض النكهة السياسية على الحل على نحو ما حصل في ( غرزوني ) وفي ( الشيشان ) ولاسيما بعد أن احتفظت روسية لنفسها بحق البقاء المفتوح في سورية ، مما يعني أن تصبح سورية إحدى جمهوريات الاتحاد الروسي ، كما هي في الوقت نفسه المحافظة الإيرانية الخامسة والثلاثين .

تتابع كل دول العالم بمن فيها تلك التي تدعي صداقة الشعب السوري جرائم الحرب التي يرتكبها الروس والإيرانيون على الأرض السورية ، يتابعون بصمت مستنكَر أو باستنكارات صوتية عمليات قصف كل قوى المعارضة الثورية . وليس كما زعم المحتل الروسي أنه قادم لمحاربة الإرهابيين فقط ، ويتابعون عمليات قصف المساجد والمدارس والمستشفيات والأسواق الشعبية والأحياء السكنية دون أن تلقى كل هذه الجرائم ردود الفعل الدولية أو الإقليمية أو حتى من المعارضة السورية التي تستحق ..

والأخطر من كل أولئك ما يتابعونه ونتابعه ويتابعه أبناء الشعب السوري على الأرض ؛ هو توظيف خطة الحرب الروسية وفق مخطط سياسي ديموغرافي وجغرافية ترسم بالقصف والقتل والتهجير خطوطا لخوارط سورية مستقبلية على عدة مستويات ( خطة ا وخطة ب وخطة ج ) . وهذا كلام تفسيره يحتاج إلى الكثير .

هذا كله يتم على الأرض السورية بمحراث القاذفات الروسية ... والمجتمع الدولي يتفرج على المشهد ، رجاء أن ينهي الروس والإيرانيون سيطرتهم المباشرة على مفاصل الأرض السورية تمكينا لعميلهم بشار الأسد ، وتمهيدا لإضافة النكهة السياسية على الحل العسكري الذي فوض الأمريكيون الروسَ والإيرانيين في إنجازه وفرضه بقوة السلاح ، ليس فقط على السوريين ولكن على كل من قد يكون له رأي مخالف من دول الإقليم. ثم تتابعون الأخبار وتعجبون وأنتم سامدون

وهذا كله يتم وقيادات المعارضة السياسية أشبه بعروس مجلوة تنتظر أن تنتهي مراسم ( الحفل ) لتتهادى بخيلائها إلى ( جنيف ) حيث ستستكمل هناك المراسم والطقوس و ,,,,,،،

*مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية