لا .. للالتحاق في سورية بالميدان

زهير سالم*

رسالة إلى الشاب الإنسان حول العالم

زهير سالم*

[email protected]

حكومات عربية وغربية يؤرقها اليوم هم هؤلاء المبادرون من أبناء شعوبهم لنصرة المستضعفين من الرجال والنساء والولدان في سورية ، الذين قرر المجتمع الدولي والحكومات العربية والإسلامية أن تسلمهم لمصيرهم بين ( لمخلب وناب الأسد ) وحلفائه من الروس ومن أتباع الولي الفقيه في العالم أجمع ، ليرموهم عن قوس واحدة وبكل ما وصلت إليه تكنولوجيا الحرب الحديثة من أدوات . إن السلاح الوحيد الذي لم يستخدم حتى اليوم في إبادة الشعب السوري ومشروع كسر إرادته هو السلاح النووي ، ولا ندري إلى متى يمكن أن يستمر ذلك ، والروس يملكون ترسانتهم النووية ، والإيرانيون قاب قوسين أو أدنى من امتلاكها ..

إنه مهما يكن من شأن حجم ظاهرة انطلاق الشباب ( الجهاديين ) للقيام بما يظنونه واجبا إنسانيا أو إسلاميا ، فإن المهم في السياق أن نوضح أن هذه الظاهرة يتم تضخيمها والنفخ فيها لأغراض خبيثة لا تخفى على عاقل . ولقد أصبحت هذه الظاهرة التي لا تتعدى في حجمها عشرات أو مئات الأفراد من هذا البلد أو ذاك الشغل الشاغل لدى مؤسسات سياسية و أمنية على مستوى العالم ، تعقد لها القمم والمؤتمرات وتنظم في مواجهتها الحملات ، وتصدر  المراسيم والقوانين على أعلى المستويات على جميع خطوط الطول على هذه الأرض .

 فالكل يصور أن هذا الفرد الذي يستفزه مشهد القتل والدم وانتهاك حقوق الإنسان فينتفض ويبادر لإنقاذ طفل أو حماية عرض ، سيعود إلى وطنه ، إن قُدرت له العودة ، ثقبا أمنيا أسودا يهدد الأمن الوطني و القومي بل الأمن العالمي ويخترق أعتى الامبراطوريات الأمنية حول العالم ..

لن ندخل في أي جدل حول صدقية هذا الكلام وجديته ، ولن نقلب على هؤلاء القارعين طبول الأزمة معادلتهم لنسألهم : أين كان هذا الخوف أو التخوف يوم كان هؤلاء الجهاديون ( كما يسمونهم) يستنفرون منذ عامين فقط للمشاركة في إسقاط القذافي ، بل أين كان هذا التخوف وأين يمكن أن يكون عندما ينطلق هؤلاء المجاهدون إلى ساحة لمجتمع الغرب فيها رأي أو هوى عكس رأيه في الساحة السورية .

 المسئولون عن حماية الأمن والسلم الدوليين حول العالم ما زالوا رغم ، كل الادعاء ، داعمين بالظاهر أو الباطن لقاتل السوريين ومشروعه وبقائه وحلفائه . وكل الذرائع المطروحة للسكوت عنه ما هي إلا محاولة للتهرب من استحقاقات مشروع زعموا أنهم يتبنونه في العدل والحرية وحقوق الإنسان . أو التظاهر بالانسجام مع أنفسهم والوفاء لمشروعهم . لقد فضحتهم الثورة السورية حضارة ومدنية وفلسفة ومشروعا وقيما . وكأن التمييز العنصري الذي لم يتم الانتصار عليه نظريا في الولايات المتحدة إلا منذ نصف قرن فقط قد عاد اليوم ليمارس بكل بشاعته ضد إنسان سورية ، ضد أطفالها ونسائها وشيوخها وشبابها وعمرانها وأوابدها وحرفها التي كانت أول من أهداه للعالم . التمييز العنصري ضد شعب الحضارة والمجد في سورية وحده هو الذي يفسر هذا الموقف الدولي المتعصب تاريخيا  والموقف الإقليمي المتخاذل جبنا وهلعا على السواء .

ومهما يكن من أمر كل الذي كان فإن الرسالة إلى هذا الشباب  المنتصر لقضية الإنسان والحضارة والعدل والحرية والكرامة الإنسانية حول العالم ستكون مختلفة عما يردده هؤلاء الوالغون في دماء السوريين ، المشاركون في مشروع إبادتهم .

 وأول رسالة نوجهها لهؤلاء الشباب قبلة تقدير ووفاء نطبعها على رؤوسهم الطاهرة وجباههم النيرة شاكرين إنسانيتهم ومعروفهم ونبض الحياة الحق في قلوبهم . قبلة تقدير ووفاء لكل من يمد يدا للانتصار للمستضعفين في أي مكان في العالم بالمعروف . على اختلاف أديانهم ومذاهبهم وأعراقهم . قبلة تقول لهم لستم أنتم الإرهابيين بل أنتم الأجمل والأكمل والأنقى والأطهر والأرهف في عالم ظهر الفساد في بره وبحره ، وانتخرت حتى مؤسساته الدينية التي كان العهد به أن تكون صاحبة مشروع رحمة للعالمين . لستم أنتم الإرهابيين وإنما الساكتون على كارثة القرن الحادي والعشرين تحل في وطن النبوات وطن موسى وعيسى ومحمد هم المجرمون العنصريون الإرهابيون ...

ورسالتنا الثانية دعوة إلى التعقل في ظل علم الحساب . ..علم الحساب الذي يقول إن النصرة المشكورة المطلوبة هي النصرة الأجدى والأجلب للنفع  والأدفع للأذى عن هؤلاء المستضعفين المظلومين ...

وتعلمون – أيها الشباب الحر -  أن استنهاضكم إلى أرض سورية وأنتم أفراد محدودون معدودون أصبح ذريعة لتدخل دول كبرى على صعيد العالم ( روسية ) وعلى صعيد الإقليم ( إيران ) . ومع تقديرنا لروح العاطفة والعنفوان في قلوبكم تدركون أن لعلم الحساب في المعادلة التي ندرس رأي غير رأي العاطفة المتوثبة والإرادة الخيرة  ..

علم الحساب يقول : إن حركتكم إلى أرض سورية أصبح اليوم ظل الأصبع الذي يخبئ وراءه العاجزون عجزهم ، والمتخاذلون تخاذلهم ، والأشرار شرهم المقنع بكل المعاذير والأكاذيب والأوهام ..

علم الحساب يقول إن صيروتكم على الأرض السورية سينقلكم من ثغرة أنتم في أوطانكم الأبصر بها والأعلم بمداخلها ومخارجها وما ينفع فيها وما يضر إلى ساحة لا تعرفون من أمرها إلا القليل .

 في صيروتكم إلى أرض غير أرضكم ، ومجتمع ليس بمجتمع ، وبدخولكم في ساحة صراع لا تعرفون من حقيقته إلا العناوين ، في ساحة باتت بمكر الماكرين تعج بالرايات والعناوين المزخرفة يرفعها البعض بالحق والبعض بالباطل فإذا أنتم لا تدرون تحت أي راية تصطفون وإلى جانب من تقاتلون . ويا لضيعتها من نصرة وجهاد حين يقع أحدكم من حيث لا يريد ولا يتصور فريسة بيد بعض أعداء مشروع الثورة ومشروع الإنسان ..

أيها الشاب الإنسان النبيل الحر الكريم ..

بكل الصدق والحب نخاطبك ونناديك من تريد نصرتهم بحق في سورية ، أطفال سورية المعذبون نساء سورية المعذبات لا يريدونك فارسا بينهم وإنما يريدونك ألف فارس حيث أنت في وطنك ، بين أهلك وشعبك ومجتمعك تشرح قضيتهم ، توضح أبعاد معاناتهم ، تذكر بالبر والمعروف والقصد الجميل بهم عالما يغمض عنهم ، ودولا وحكومات قررت أن تطمس قضيتهم ، وأن تشوه مشروعهم ..

أيها الإنسان الحر النبيل ..

كن حيث أنت حامل عبء الثورة الحقة بالكلمة الصادقة لتعليم الجاهلين و تنبيه الغافلين والتعاون على البر مع أهله من الناس أجمعين ..

أيها الإنسان الحر النبيل ..

وفي برك بوالديك ، وبوفائك باستحقاقات أسرتك واجب متمم لما تتصوره استجابة لنداء إنساني أو لواجب الشرعي وفي شباب أهل سورية والحمد لله كفاية وغنى ..

أيها الشاب الحر النبيل ..

وأنت أنت الإنسان في هذه المعادلة جوهرها . وأساسها . أنت الإنسان الداعي إلى الحياة وإلى الكرامة وإلى عالم البر الجميل . لا نريد أن نراك في لحظة من لحظات وجود في صورة إنسان خارج على القانون ..

في أهل سورية كفاية وفي شبابها غنى وفي نصرتك المدنية والإنسانية بين أهلك أداء واجب ونصرة صدق ..

أما أنتم أيها المخوّفون المتخوفون ففي إيقاف المجزرة الكارثة التي تديرونها عن بعد بمكركم أو بصمتكم غنى عن كل هذا الذي عليه تتباكون..

               

* مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

*مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية