سورية: الوطن الأسير، بإنسانه وأرضه وسمائه
(بمناسبة أسبوع الأسير السوري 17-23 نيسان)
مئات الآلاف من فلذات الكبد أو يزيد، من أنقى أبناء الشام وبناتها وأطفالها، وأجودهم ثقافةً وعلماً وكرامةً وعزّةً وشرفاً رفيعا.. مصفّدون بالحديد، يَكْتَوُون –داخل الزنازين- بنار الهمج الذين دنّسوا ويُدَنِّسون أرضَ سورية الطاهرة، بعد أن أخفاهم هولاكو سورية، وحلفاؤه الروس والمجوس، في أقبيةٍ مظلمة، وقد أنهكهم التعذيب الساديّ، والتنكيل الهمجيّ!..
ما تزال الأمّهات الباكيات، والزوجات الشاكيات، والطفلات الذابلات.. ينتظرنَ أن يُشرِقَ الأمل، فيحمل إليهنّ بُشرى انعتاق الرجال والفتيان والشباب، الذين أُسِروا من غير وجه حق.. لكنّ هولاكو الشام، ما يزال يبدّد آمالهنّ، بخياناته وجرائمه واستهتاره بكل القِيَم الإنسانية، تحت سَمْعِ العالَم المتواطئ وبَصَره!.. وما تزال العصابات البشارية الإجرامية الجبانة، تَئدُ كل نسمةٍ للحرية، وما يزال شعب سورية الأبيّ -بطلقائه وأسراه- ماضٍ في طريق الله وحده لا شريك له، ثابتاً على صراط الحق أبداً.. لا يتزحزح!..
* * *
أيها الأسرى، أيها الليوث الذين لم تتعبوا وأنتم تَشُقّون دربَ الحرية، وتجترحون النورَ من دُجى الظُلُمَات!..
يا مَن تقفون وِقفة العِزّ، شامخين بوجه الظلم والطغيان، تحملون هَمّ تحرير الوطن الأسير في أفئدتكم، وتكبتونَ نارَكُم في صدوركم!..
يا مَن لم تُبالوا بأشواكٍ أو مِحَن، فتقدّمتم الصفوف، تَحمُون وطنكم وشعبكم من أبناء إبليس، وليس أمامكم إلا الجنة أو النصر على أنذال النذل بشار.. (أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ) (آل عمران:142).
أنتم الأمّة.. الذين حملتم عِبْءَ شعبٍ جريحٍ مضطَهَد!.. (إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتاً لِلَّهِ حَنِيفاً وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) (النحل:120).
أيها الأحرار، الذين لم يرضوا بالذلّ أو بالعبودية.. يا مَن عرفتم أنّ الدنيا دار امتحانٍ وابتلاء، وأنّ الـحُـرَّ عليه أن يجتاز هذا الامتحان بنجاحٍ وإيمان، واحتسبتم ذلك عند بارئكم!..
سلاماً.. أيها المؤمنون بعدالة قضيّتكم، الذين تَحَدَّيتم جَوْرَ الزمرة الحاكمة الفاسدة، وما رَفَّ لكم جفن.. فملأتم فضاءات الشام بالحُبّ والحرب: حُبّ وطنكم الـمُرهَق بالطغيان، وشعبكم الـمُثقَل بأعباء التحرير، وحرب مَن تجاوزوا حدود الله، وزرعوا الشرّ والقهر والظلم في كلّ مكان.. يا مَن حلّقتم بقلوبكم المؤمنة فوق السحاب، ورفعتم قضيّة شعبكم نوراً إلى الناس، وناراً تلفح الجبابرة، فكشفتم زيفهم وسَرَابَهم وخداعهم وحقدهم وظلامهم.. وضآلتهم!..
* * *
يا مشاعل النور والضياء، الذين افتديتم أمّةً، ولقّنتم الباغي دروساً.. ودروسا.. لتبشِّروا بالفجر الجديد القادم بإذن الله!.. (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ) (العنكبوت:69).
أيها الجبال الشُمّ، والشامخون القابِضونَ على الجمر، يا مَن كنتم صقوراً جاثمةً على صدور الطغاة والشياطين، الذين يزعمون أنّ الغدر بكم، سيُنهي وَجَلَهُم ورُعبَهم وذُعرَهم.. فإذا آلامٌ جديدةٌ يتجرّعونها بأسْرِكُم، فهل كنتم أنتم الأسرى، أم هو جلاّدكم الذي كان وما يزال أسير حقده ونذالته وخيانته وجُبْنِه!..(سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ بِمَا أَشْرَكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَمَأْوَاهُمُ النَّارُ وَبِئْسَ مَثْوَى الظَّالِمِينَ) (آل عمران:151).
زعموا أنهم نالوا من شموخكم، وحجبوا أنوارَ عِزِّكم.. لأنهم لا يعلمون أنّ عِزَّكم يكمن في ثنايا مبادئكم العظيمة التي بين ضلوعكم، وأنكم تعيشون هَمَّ شعبكم بكل تفاصيله، وأنكم حين اخترتم طريقكم، غرستم في عقولكم أنّ كلَّ جَلَلٍ في سبيل الله والحرية هيّن، وكلَّ عذابٍ في سبيل رِفعة الإنسان وعزّته بسيط يُحتَمَل، وأنكم اشتريتم الآخرةَ بالدنيا، والجنةَ بالنفس تُضَحّون بها ولا تخافون لومة لائم، ولا تهابون غطرسة جبّارٍ لئيمٍ خائنٍ مُتَكَبّر!..
(أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ) (البقرة:214) .
* * *
يا أسرى سورية وأسيراتها: ألا يكفيكم عِزّاً أنكم وَثَبْتُم حين طأطأت الرؤوس؟!.. واشْرَأَبّت أعناقكم حين أذعنت الرِّقاب؟!.. وانْتَصَبَتْ قاماتُكم حين رَكَعَتْ القامات؟!.. وَسَمَتْ جباهكم حين عُفِّرَت الجباه بالذلّ والعار؟!.. وصبرتم وصابرتم حين تَهَاوَتْ العزائم؟!.. وقاومتم الطغيان بصدوركم حين تكسّرت السيوف؟!.. وقد امتثلتم في ذلك كله لقول الله عزّ وجلّ: (وَاصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ) (هود:115).
ألا يكفيكم كرامةً، أنكم تقدّمتم الصفوف في زمن الذلّ والخذلان؟!.. وحلّقتم عالياً في السماء يوم امتلأت السراديب بالخائفين المهزومين المتواطئين؟!.. ورَضيتم أن تكونوا شهداءَ على الناس، واعتصمتم بحبل الله المتين، ليكونَ ربُ العزة مَوْلاكم، وخاذلاً أعداءكم .. وأنتم تصرخون بوجه العالَم: (ما لنا غيركَ يا الله)؟.. ومَن لنا ولكم غير الله سبحانه وتعالى كفيلاً وظهيرا؟!..
(وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ) (الحج:78) .
مَنْ ذا الذي لا يُفسح لكم مكاناً بين ضلوعه، ويُسكنكم في قلبه المنكوب بفقدكم؟!..
يا مَن غرستم الطُهرَ في الأفئدة المؤمنة الجريحة: أَنَبْكِيكُم.. أم نبكي هذه الأمّة التي كَبَتْ وطالت كَبْوَتها؟!.. أنحزن لكم.. أم نحزن لِحَالِنا؟!.. أنتألّم لأَسْرِكُم وإخفائكم.. أم لوطنٍ مكبّلٍ بالظلم والقمع والباطل؟!..
واحَرَّ قلوبنا أيها الأحباب.. واجَمْرَ صدورنا التي تصرخ: وا شاماه!.. واعزّةَ شعبٍ دفنها المارقون في رمال الخزي والعار!.. وا كرامةَ وطنٍ وَأَدَه المجرمون في ثرى الخيانة والخذلان!..
* * *
سلاماً.. لكم، من لظى أدعياء الحرية وحقوق الإنسان، وتـُجّار المبادئ الإنسانية، في طُول الأرض وعَرضها!..
سلاماً.. بالله عَلَوْتُم، وبإيمانكم بحقّ شعبكم سَمَوْتُم.
سلاماً.. لكم العُلا والأجر العظيم على صبركم ومصابرتكم، ولسفّاحيكم الخَسَار والعار والشنار، والسقوط وسوء العاقبة، وسَقَرْ، وعذاب العزيز الجبّار!..
سلاماً.. أيها الفوارس، وأنتم تَغُذّونَ السيرَ إلى الخلود والسعادة السرمديّة!..
سلاماً.. أيها الفائزون برضى الله عزّ وجلّ، والمخلَّدون بأحرفٍ من نور.. فيما سيُخلَّد جلاّدوكم بما يليق بالظالمين الجناة الآثمين!.. ثم يُرَدّونَ إلى عالِمِ الغيب والشهادة، فيذوقون الخسران المبين!..
(وَتَرَاهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا خَاشِعِينَ مِنَ الذُّلِّ يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ وَقَالَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلا إِنَّ الظَّالِمِينَ فِي عَذَابٍ مُقِيمٍ) (الشورى:45).
ألا أيها الرّان على القلوب الغافلة متى تنجلي؟!.. ألا أيها الدخان الأسود الذي يملأ آفاقَ الشام متى تنقشع؟!.. ألا أيها القهر أما آنَ أوان الظالمين؟!.. ألا أيتها القلوب الميتة أما آنَ أوان العنفوان؟!.. أما آنَ لأمّةٍ عظيمةٍ.. أما آنَ لنا.. أن نطردَ هذا الهوان؟!..