طموح الفرس في العالم العربي: قومي، تاريخي، إمبراطوري.. أكبر من الطائفية والطوائف!

عبد الله عيسى السلامة

إيران دولة قومية فارسية بامتياز، بصرف النظر عن المذهبية والمذاهب، والطائفية والطوائف .

المذهب الشيعي لدى الفرس ، عبارة عن وسيلة ، يوظّفونها لخدمة أهدافهم التوسعية الإمبراطورية. وهو عندهم بمثابة ثوب ، يوسّعونه كما يريدون، ويضيقونه بالطريقة التي تعجبهم ، وفي الوقت الذي يناسبهم . ويمزجون فيه خلائط شتّى ، من العقائد والأفكار ، والطقوس والمواقف ، والأحداث التاريخية .. تحيّر ألباب مَن لا يعرفون مطامح الفرس ، القديمة المتجدّدة، في إعادة أمجاد إمبراطورية بني ساسان الآفلة ! والأدلة على ذلك كثيرة جداً ، من أهمّها :

يدّعون الانتساب إلى مذهب آل بيت النبيّ ، ويشوّهون سمعة بيت النبي ، من خلال المسّ بطهارة نسائه أمّهات المؤمنين..!

يجعلون الأئمة الاثني عشر، من نسل الحسين حصراً ، ومِن أبناء شيرين ابنة كسرى تحديداً ، متجاوزين الحسن ونسله ، مع أنه الأخ الأكبر الشقيق للحسين ، وابن فاطمة الزهراء أيضاً ..!

آل البيت النبوي كلهم عرب ، والفرس يحقدون على العرب وكل ما يمتّ إليهم بسبب . وقد انطلقت الحركات الشعوبية ، الطاعنة بالعرب، المحقّرة لشأنهم ، أول ما انطلقت ، بين الفرس، منذ القرن الهجري الأول ، واشتدّ عودها في القرن الثاني ، في عهد بني العباس !

لقد خَذل الفرس أئمة آل البيت ، في مواقف كثيرة ، وأبرزها ادّعاؤهم بأنهم ناصروا الثورة ضدّ بني أميّة ، لإعادة الخلافة إلى آل البيت ، ثمّ سلموا الخلافة لبني العباس ، وكان أبو مسلم الخراساني أبرز قادتهم في تلك الثورة ..!

ينسبون إلى أئمّة آل البيت ، أقوالاً يتحرج المسلم ، الذي خالط قلبه الإيمان ، مِن نِسبتها إلى فسّاق الناس وجهلتهم !

يرفعون الأئمّة إلى مراتب ، فوق مراتب الأنبياء والرسل والملائكة، ويخلعون عليهم بعض صفات الألوهية ، ممّا دأب الفرس القدماء على اعتقاده في ملوكهم ! أي أنهم يخلطون تعظيمهم لآل بيت النبي ، بعقائد وثنية فارسية ، تأباها عقيدة الإسلام بشكل قاطع ..!

يكفّرون الصحابة ، إلاّ نفراً قليلاً جداً منهم ، وأول مَن يكفّرهم الفرس، من الصحابة ، صاحبا النبي (ص) الصدّيق والفاروق ، اللذان أسقط الله علي يديهما دولة الأكاسرة ، ويعظّمون المجوسي الذي اغتال الفاروق ، ذاك المدعوّ أبا لؤلؤة ( فيروز) ، ويقيمون له ضريحاً، ومزاراً فخماً يتبركون به !

الدولة الصفوية الفارسية الحديثة ، التي يقودها الملالي ، تضطهد الشيعة في إقليم خوزستان ، كما تضطهد السنّة ، وذلك لكونهم عرباً! كما تخلّت دولة الملالي ، عن شعب آذربيجان الشيعي ، لحسابات سياسية ، تدور في إطار مصلحة الجمهورية الفارسية ! كما أن الشيعة الصفويين الفرس في العراق ، يعامِلون الشيعة العرب ، كما يعاملون السنّة ، من حيث الحقد عليهم ، واضطهادهم ، ومحاصرتهم ، وقتل بعضهم ، وتهجير بعضهم الآخر..! وتوظيف بعض الميليشيات المحسوبة على الشيعة العرب ، في مشروعهم الصفوي ، وذلك بدعم هذه الميليشيات مالياً وعسكرياً ، وتحريضها طائفياً ، ضدّ مواطنيها العرب ، مستغلة حقدها وجهلها ، لتمزيق اللحمة العربية .. وتحريضها وطنيا ضدّ المحتل الأمريكي ، ليضربها ، ويقصم ظهرها ، لتخلو الساحة العراقية للميليشيات الشيعية الصفوية ، للهيمنة التامة على البلاد، وجعلها في نهاية المطاف ، ولاية صفوية إيرانية !

ترسل الحكومة الإيرانية مبشّريها ، إلى أنحاء مختلفة ، من العالم الإسلامي ، ليبشّروا الناس بالمذهب الشيعي الصفوي . ومَن يرون لديه كفاءة وتميّزاً ، يرسلونه إلى قمْ ، ليتلقى المذهب في حوزتها ، ويتعلم أصول الدعوة والتبشير، لحساب دولة الفرس تحديداً ! أي أنه يكون جندياً في دولته ، يعمل لمصلحة دولة أخرى هي دولة فارس .. ممّا يذكّر بأساليب المستعمرين النصارى ، الذين كانوا يرسلون المبشرين لكسب مؤمنين بالديانة النصرانية ، ليكونوا أعواناً للاستعمار، في الدولة التي يستعمرها ..!

كل ما تقدّم ، وهو غيض من فيض ، يدلّ بشكل واضح ، على أن إيران دولة قومية ، ذات طموح إمبراطوري توسعي ، وهي توظّف في سبيل هذا الهدف ، كل ما يمكن توظيفه . وأهمّ عنصر توظّفه هو المذهب الجعفري ! فطموحها فوق المذهبية والمذاهب ، وأكبر من الطائفية والطوائف ، والعالم الإسلامي كله ، ساحة لهذا الطموح الإمبراطوري ، وميدان لعمل المبشرين الفرس ، ولعملاء فارس في العالم الإسلامي ، كله ، وفي المنطقة العربية بشكل خاصّ ..!

بناء على ما ذكر آنفاً ، يبدو أيّ حديث عن الصراع الطائفي في العراق ، بين سنة العراق وشيعته ، حديثاً ساذجاً مسطحاً ! فالعراقيون عاشوا مئات السنين، متجاورين متعايشين في العراق ، تضمّهم القبيلة الواحدة والأسرة الواحدة ، والمدرسة الواحدة ، والجامعة الواحدة، والحزب الواحد ، ودائرة العمل الواحدة .. دون أن يشعر أيّ منهم بالحرج أو النفور، أو الحاجز النفسي ، بينه وبين قريبه ، أو شريكه من المذهب الآخر! وحين جلَب الصفويون المحتلّ الأمريكي إلى العراق، بعدما زينوا له غزوه واحتلاله .. وجَد الفريقان المتحالفان ، الصفوي والأمريكي ، أن مصلحتهما معاً ، تقتضي تقسيم شعب العراق ، إلى سنة وشيعة ، وإلى عرب وكرد وتركمان ، كما قسمت أقاليم العراق ، إلى شمال وجنوب ووسط ، ولكل منها وضع خاصّ ، واعتبار خاص ، لدى المحتلّ الأمريكي وشريكه الصفوي .. وبدا اشتعال المعارك ، بين أبناء البلد الواحد ، وكأنه قدر ربّاني لا يمكن دفعه أو تحاشيه ، وبدأت الميليشيات ، وفِرق الموت الطائفية الصفوية ، تعيث فساداً في طول البلاد وعرضها ، وتقتل الناس على الهوية ، وتجرّ الجنود الأمريكان جراً ، إلى قتل أكبر عدد من أبناء السنّة ، بتهمة جاهزة يلصقونها بالمدن والأحياء والقرى ، والأسر والأشخاص ، وهي تهمة الإرهاب !

ولن يتخلص العراق ، من البلاء الذي هو فيه ، إلاّ بعودة اللحمة بين أبنائه من جديد ، ووقوفهم صفاً موحّداً في وجه الصفويين ، والأحلام الفارسية القديمة المتجدّدة ، بالهيمنة على العراق ، والمنطقة العربية بأسرها ، وبوسائل سهلة، أهمّها : توظيف قسم من أبناء البلد ، لقتل القسم الآخر، باسم المذهب ، أو الطائفة .. فيدمَّر العراق بأيدي أهله، ويصبح لقمة سائغة ، في فم الغازي الإيراني ، المخادع الجشع !