عضو الكنيست عوفر كاسيف لـ”القدس العربي”: إسرائيل اليوم الأكثر شبها بجنوب إفريقيا العنصرية

وديع عواودة

الناصرة- “القدس العربي”:

يؤكد عضو الكنيست اليهودي في القائمة المشتركة عوفر كاسيف أن إسرائيل اليوم أكثر شبها من أي وقت مضى مع جنوب إفريقيا العنصرية وأن ما تقوم به ضد الفلسطينيين خاصة في القدس والنقب هو تطهير عرقي لافتا إلى أن المجتمع الدولي يكتفي بضريبة شفوية وهناك دول استبدادية وديموقراطية تدعم الاحتلال بسبب المصالح.

عن ذلك وعن اختلاف دولة الاحتلال من مختلف النواحي وعن السلطة الفلسطينية وعن دور فلسطينيي الداخل جرى الحديث التالي مع دكتور عوفر كاسيف الذي يشغل عضوية المشتركة منذ ثلاث سنوات تقريبا وسبق أن استهوته الماركسية مبكرا. درس الفلسفة وقدم أطروحة دكتوراه في الفلسفة السياسية في الكلية الاقتصادية الأكاديمية في لندن والبوست دكتوراه في جامعة كولومبيا في نيويورك وعمل محاضرا في العلوم السياسية.

من متابعاتك وتجربتك لأي مدى تغير البرلمان الإسرائيلي؟

كاسيف: البرلمان الإسرائيلي تدهور بمستوى نوابه بشكل مريع من كل النواحي ثقافيا وأخلاقيا

“تغير البرلمان للأسوأ بمفهومين. طالما كان الكنيست يمينيا وعندما عملت مساعدا برلمانيا مع مئير فلنر كان اسحق شامير رئيسا للحكومة وكان يمينيا جدا. اليوم يميني جدا جدا ومسيطر عليه من قبل قوات آبرتهايد. وقتها عندما كان كهانا يخطب كان نواب الكنيست ينسحبون بما فيهم نواب الليكود واليمين واليوم عندما يخطب وريثه النائب العنصري ايتمار بن غفير وهو إرهابي عنصري، الكل يسمعه ونتنياهو اهتم بإدخاله للكنيست على سجادة حمراء وهو يحظى باحترام ملوك. الكنيست صار عنصريا أكثر، يمينيا متطرفا أكثر في القضايا الاجتماعية أيضا وليس فقط في المجال السياسي والمدني. لا أعمم على كل نواب الكنيست لكن البرلمان الإسرائيلي تدهور بمستوى نوابه بشكل مريع من كل النواحي ثقافيا وأخلاقيا. في فترة فلنر كان نواب عرفوا كيف يعملون وبشكل جدي واليوم هناك أقلية تعمل بشكل محترم ولكن للأسف هناك مجموع من النواب الأميين ونبدو بصورة سيئة جدا”.

ولأي مدى تغيرت إسرائيل جوهريا برؤية للخلف؟

“في جوهرها طالما كانت تقوم على قيم أساسية غير ديموقراطية وهي دولة قد قامت على استعلائية يهودية وليس على مبدأ مواطنة متساوية. في جوهرها ولدت كدولة تفضل مجموعة عرقية واحدة على مجموعة عرقية أخرى رغم أنها أصلانية. الوضع داخل إسرائيل يتدهور خاصة خلال فترة حكم نتنياهو بالذات فهو فاسد ومحتال بفعل أفعاله وعنصريته ورؤيته اليمينية المتطرفة وقد أجج خطاب الكراهية ليس فقط ضد العرب بل ضد اليهود الشرقيين” أيضا.

اليوم إسرائيل تشبه أكثر من الماضي جنوب إفريقيا العنصرية؟

“نعم. قامت إسرائيل على أسس نظام فصل عنصري واليوم صار الشبه أكبر مع جنوب إفريقيا وهذا حصل قبل قانون القومية الدستوري عام 2018 الذي حول إسرائيل عمليا لدولة آبرتهايد، عندما بدأ احتلال الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967 وكذلك في أراضي 48 كما حصل ويحصل في النقب. الفعل والخطاب العنصريان كانا هنا دائما لكنهما تفاقما في فترة نتنياهو ومن الناحية الاجتماعية أيضا. كما نرى ذلك في القدس المحتلة ونرى الانتهاكات في أحيائها يوميا. ما تقوم إسرائيل به في الحكومات الأخيرة بما فيها “حكومة التغيير” الحالية ينبع من نظام تطهير عرقي بكل المجالات الاجتماعية والسياسية ويتجلى ذلك في الأغوار والخليل والنقب وفي القدس. كل هذه الانتهاكات هي مركبات وممارسات “تطهير عرقي” ولا يوجد تعريف آخر وهذا هو في الواقع التعريف الدولي للتطهير العرقي. ويحصل هذا كله على مرأى ومسمع العالم الذي يكتفي بضريبة شفوية”.

لأي مدى تغير المجتمع الإسرائيلي برؤية تاريخية؟ هناك من يقول إن الصهيونية كانت وما تزال على جوهرها وروحها منذ قرن ونيف وكل التغييرات في الفترة الراهنة هي مظهرية وليست في الجوهر.

“لا. هذا التوجه غير دقيق. صحيح أن بذور ما نراه اليوم تعود لحقيقة كون الصهيونية حركة سياسية وعقائدية عنصرية واستعمارية. لكن خلال سنوات كثيرة حاولوا إخفاء الطابع الحقيقي للصهيونية والتستر على تناقضها مع الديموقراطية وأحيانا نجحوا بذلك. أما ما يحدث في السنوات الأخيرة ونتيجة عدة أسباب انفجر هذا التناقض في وجوهنا كلنا. كان هذا التناقض موجودا في السابق وكان مختبئا أكثر واليوم صار سافرا. الصهيونية بكل تياراتها تفضل الأرض والقومية على الإنسان. بهذا المفهوم لم تتغير. لكن في السنوات الأخيرة ترتفع كل تناقضات الصهيونية الداخلية للأعلى وعندئذ أنت ترى عمليا معسكرين في إسرائيل: الأول معسكرنا المصر على العدل والقيم الديموقراطية التي لا يمكن أن تتوفر مع وجود الصهيونية وطبعا مع وجود احتلال وهناك معسكر آخر يقول إن هناك تناقضا بين الديموقراطية وبين اليهودية ولا تهمنا الديموقراطية وما يهمنا هي الدولة اليهودية والتوافق اليهودي. هذا التوتر بات أكثر حدة وبروزا”.

وهناك تغييرات اجتماعية وأخرى؟

“طبعا وهذه أمور مترابطة. المجتمع اليهودي ذهب بعيدا نحو اليمين المتطرف ليس بالمفهوم السياسي ومن ناحية الاحتلال والعنصرية إنما بالمفهوم الاقتصادي والاجتماعي. لم يكن الإسرائيليون يوما مجتمعا اشتراكيا لأنهم طالما آمنوا بتفوق يهودي ولأنه لم يكن متساويا وطالما كان هناك ظلم طبقي. لذا لم يكن الإسرائيليون يوما يساريين ولكن في السنوات الأخيرة وفي فترة حكم نتنياهو والسياسات المتطرفة المعروفة بالنيوليبرالية المتوحشة التي يقودها هو وزمرته تفاقمت الأمور كما يتجلى في ارتفاع الفقر وفي اتساع الفجوات الطبقية وغيرها من الأمور. يؤيد معظم الإسرائيليين ذلك لأن اليمين يضرب بيد واحدة الطبقات الضعيفة وفي يده الثانية يمنحهم “تعويضا عنصريا” لاعتبارهم جزءا من العنصر المتفوق وهذا نوع من تلاعب سيكولوجي ولذا فالأمور متداخلة مترابطة”.

مناعة الإسرائيليين كدولة أو مجتمع، هناك من يرى بهجرة أعداد كبيرة من الإسرائيليين من البلاد تراجعا في المناعة وفي التزام الصهيونية التي باتت أقل حماسة، كيف ترى أنت هذا التشخيص؟

“بما يتعلق بالمناعة والحماسة للصهيونية كنت آمل أن يكون هناك تراجع لكن للأسف لا. بل صار أكثر عدوانية وربما لحد معين بسبب وجود إحساس إسرائيلي عميق بالضعف. لكن الاستهلاك يقود للاستمتاع بالملذات وهذا يقود لاستهلاك استعراضي وبالتالي لتعزيز الفردانية وهذه من شأنها المساس بمساع جماعية. من هذه الناحية وبهذا المفهوم هناك تناقض للوهلة الأولى بين التوجهات النيو رأسمالية المنتهجة من قبل الحكومات التي تشجع الاستمتاع بالملذات والفردانية وبين الصهيونية التي قامت على مفاهيم عمل جماعي. وأقول للوهلة الأولى لأن الفردانية بالذات تهدم التكافل الاجتماعي. نعم. لكن في المقابل وفي محاولة لتعويض عن التكافل الاجتماعي المتردي تزود الصهيونية القومجية من النوع الأسوأ. بهذا المفهوم هناك دمج وترابط بين الفردانية الأنانية مع القومجية والعنصرية العدوانية. الشعور بانخفاض الحماسة الصهيونية يقود لتصعيد الاعتداءات من هذه الناحية كما يتجلى في اعتداءات المستوطنين في الضفة وفي المدن الساحلية المختلطة داخل إسرائيل.

هناك من يرى أن انخفاض الحماسة يتجلى أيضا بمدى جاهزية الجيل الإسرائيلي الراهن للتضحية مقارنة مع الماضي؟ الخوف من اجتياح بري لغزة والخوف من الخسائر بالأنفس علاوة على هجرة الشباب للخارج؟

“ليس صحيحا القول إن الجيل الإسرائيلي الراهن هو أقل استعدادا للتضحية. لا أقول ذلك كتأييد إنما كنقد ضد كل من يتحدثون عن ذلك لأهداف عنصرية ظلامية. إن نظرت للناحية الطبقية للمهاجرين من إسرائيل تجد أن معظمهم هم من يستطيعون بناء حياة لهم في الخارج بسبب أقارب لهم في العالم أو لأنهم يملكون أساسا اقتصاديا. من يغادرون ليسوا بمعظمهم من الطبقات الدنيا. هناك ترابط. الحماسة الصهيونية المقززة والمستنكرة لم تتراجع بل لبست لبوسا مختلفا أكثر خطرا وعدوانية وإجرامية وهي تحدث بسبب وجود إحساس بأنها تراجعت ولذلك ومن أجل تشجيعها باتت أكثر متطرفة ولكن هذا لا يعني أنها اختفت”.

أيهما أجدى النضال البرلماني أو الميداني؟

“لا بد من دمج نوعي النضال فلا مجال لاختيار هذا أو ذاك وهذه مسؤولية الأحزاب السياسية وليس فقط الجمعيات الأهلية العربية واليهودية المناهضة للاحتلال والعنصرية”.

العلاقات العربية اليهودية منكسرة والحزب الشيوعي الإسرائيلي لا يفعل شيئا، هل يئستم من الجانب اليهودي ومن فكرة الشراكة العربية اليهودية؟

“هذا صحيح هناك انكسار منذ العام 2000. لكننا ننشط في الجانبين ولدينا عدد كبير من الرفاق والأصدقاء اليهود. لا سمح الله لم نيأس، بالعكس، عندي ثقة أن المستقبل لنا في الجانبين اليهودي والعربي. دائما هناك ما يحتاج للإصلاح لكننا في الاتجاه الصحيح”.

هل تنجح المشتركة بزيادة قوتها طالما أن أحزابها لا تستخلص دروس التجارب خاصة بعد الانشقاق في العام الماضي وتراجع قوتها؟

“طبعا وهناك إمكانية لأن تستعيد قوتها فقد تعلمنا من أخطائنا. لا تزال هناك مصاعب ولكن الوضع اليوم أفضل من ناحية العلاقات بين أحزابها الثلاثة. أفهم النقد وهذا جيد فهو يحضنا للتعلم من تجاربنا طالما أنه نقد بناء لا النقد الهدام. الوضع ليس على ما يرام أو مثالي لكن هناك مشاكل داخل المشتركة حتى اليوم. أحزاب المشتركة متصالحة أكثر رغم الاختلافات والخلافات الفكرية والسياسية. نعم ستبقى المشتركة وستقوى، آمل ذلك وأؤمن بذلك”.

فوجئت بدخول القائمة العربية الموحدة للائتلاف الإسرائيلي الحاكم؟

“في الماضي كانت قوائم عربية في مظهرها فقط دارت في فلك حزب “مباي” وسبق أن أيدت استمرار الحكم العسكري. لا لم يفاجئني فقد رغبت الموحدة بالائتلاف مع كبير العنصريين نتنياهو”.

وهذا الائتلاف الإسرائيلي الحالي هل يبقى رغم أنه يقوم على أغلبية صوت واحد فقط؟

“هناك احتمال كبير بأن يطول عمر هذه الحكومة اليمينية لوجود أحزاب فيها تخشى أن تختفي بحال صارت انتخابات جديدة. هذا السبب المركزي وهناك أسباب أخرى. وحزب رئيس الحكومة “يمينا” مرشح للانقراض وكذلك حزب “أمل جديد” وكذلك الموحدة تخشى الانتخابات لأن جمهورها ربما يعاقبها. انظر ما حصل في النقب. في حال نزل نتنياهو عن المنصة وهو عدو مشترك لأحزاب الائتلاف الحاكم ربما ينضم حزب جديد له رغم أنني أستبعد ذلك”.

أسمت ذاتها حكومة تغيير، ما رأيك؟

“أي تغيير؟ هناك تغيير أسوأ وهذه الحكومة تعطي غطاء للفاشية المتصاعدة، الشراكة العربية اليهودية تعني النضال ضد الظلم بكل أنواعه”.

مدى رضاك عن مشاركة العرب واليهود في احتجاجات ضد الاحتلال كما في مظاهرة الشيخ جراح الأسبوعية؟

” لا. المظاهرات الدائمة في القدس تستقطب عددا كبيرا من اليهود والعرب ودائما يمكن أن يكون أفضل خاصة في مثل هذه الأيام”.

تبدو دبلوماسيا في إجاباتك؟

“لا ليس دقيقا. هناك عدد كاف من المشاركين المحتجين ولكن يمكن التحسين”.

سبق ووصفت وزيرة الداخلية في حكومة الاحتلال اييلت شاكيد بالحثالة النازية، هل ما زالت كذلك؟

“لم أبالغ بهذا التوصيف. قلت ذلك قبل أن أكون عضو كنيست وكمواطن عادي أستطيع أن أستخدم مصطلحات لا أستخدمها طالما أنني في موقع جماهيري. لكنني غير نادم بروح التوصيف عنها وعن ليبرمان”.

يدعي بعض المراقبين أن مواقفك الراديكالية تبعد جمهور الهدف اليهودي من النضال مع الفلسطينيين وتغيير مواقف الإسرائيليين؟

“لا. التاريخ والحقائق تدلل على العكس. كحزب شيوعي إسرائيلي وكقائمة مشتركة هل كنا في الماضي نملك مؤيدين يهودا أكثر عندما كان هناك رفاق يتحدثون بطريقة مغايرة؟ طبعا لا. كذلك عندما يكون الوضع بشعا أنت لا تستطيع أن تجمل الوضع. ما فعله المستوطنون قبل أيام في قرية بورين من اعتداءات، يحظر علينا تبييض الكلمات بالقول وقعت اعتداءات فالحقيقة أنها جرائم نيو نازية وينبغي قول ذلك وتوصيف الواقع كما هو دون خوف”.

كيف تقيم عمل السلطة الفلسطينية وكيف ترى نضال الفلسطينيين؟

“لا يوجد لي حق بالتدخل في نضال الشعب الفلسطيني من أجل حقه وحريته ولذا أفضل التركيز بالحلبة التي أعمل بها ضد الاحتلال والعنصرية الصهيونية والسياسات الرأسمالية المتطرفة. من غير المحترم أن أوزع إرشادات ونصائح لشعب تحت الاحتلال”.

ومع ذلك كيف تقيم مجهود السلطة الفلسطينية؟

“من هذه الناحية الاحتلال بحالة صعبة وأكثر خطورة. يؤسفني أنه لا توجد محاولات جديدة للتحرر من الاحتلال ولإحراز سلام عادل فيه دولة فلسطينية مستقلة بجانب إسرائيل والاعتراف بحقوق اللاجئين. نحاول ورفاقي في المشتركة التغيير بهذا الاتجاه”.

سألت عن السلطة الفلسطينية والحد الأدنى مما تفعله بهذا المضمار؟

“لا أعرف ماذا يدور خلف الكواليس ولكن إذا حكمنا على خواتم الأمور وعلى النتائج فهي لا تقوم بما هو كاف”.

ما تقييمك لدور فلسطينيي الداخل في مساعي إنهاء الاحتلال وتسوية الصراع وإحراز حل برؤية تاريخية للخلف؟

“أولا انتقاداتي للموحدة واضحة فقد قامت بما هو مروع: مست بمصالح كل الشعب الفلسطيني وخاصة داخل إسرائيل. تركوا النضال الديموقراطي وبدلا من ذلك اختاروا الذهاب إلى السوق.. بيع وشراء.. أولا لن تنجح الموحدة في تحقيق شيء حقيقي ومست بنضال الشعب الفلسطيني العادل من أجل الحرية والعدل. خط المشتركة هو السليم ونحن نناضل في عدة جبهات كي تكون دولة كل مواطنيها وننهي الاحتلال. بالنسبة للزعم أن فلسطينيي الداخل لم يقدموا ما يكفي لحركة التحرر الوطني الفلسطيني أعتقد أن هذا مبالغ فيه وغير عادل فواقع معيشتهم مختلف عن واقع الفلسطينيين في الضفة وغزة والنضالات ينبغي أن تكون ملائمة للواقع. لا يمكن أن تقول إن المواطنين الفلسطينيين في إسرائيل عليهم العمل كحركة التحرر الوطني في الأراضي المحتلة لأنه ليس ذات الواقع”.