دولة فسق أنت فارسها ..

عبد الرحيم عبد الرحمن منصور

مسرحية من مشهدين وأربعة فصول

عبد الرحيم عبد الرحمن منصور

المكان : مضافة شهبندر التجار في السوق

الأشخاص : شهبندر التجار ..التاجر اسماعيل .. التاجر ياسين .. التاجرابراهيم ..

الزمان : أواخر عهد الخلافة العثمانية

المشهد الأول :

الفصل الأول :

ترفع الستارة .. الإضاءة جيدة .. الأثاث فاخر .. الغرفة واسعة ..

الشهبندر يستقبل عددا من تجار الشام للآستماع إليهم وبحث مشاكلهم

الشهبندر : أهلا وسهلا ومرحبا .. كيف أحوالكم .. عساكم بخير .. ؟

التاجر اسماعيل : نحمد الله حمدا كثيرا كما أمر , ولكن ..

التاجر ياسين : لقد ضاقت بنا السبل يا مولانا الشهبندر ..

 التاجر ابراهيم : لم نعد نستطيع الحركة من مضايقات الوالي ورجاله

الشهبندر : خير .. خير .. ماذا يحدث ... ماذا يفعل رجال الوالي لكم ؟

    التاجر اسماعيل: إنهم يختلقون المشاكل لنا  ويضعون الصعاب في طريق تجارتنا , ويضايقوننا في كل حركة نتحركها ولا نعلم لذلك سببا  وقدجئناك اليوم لتضع لهم حدا أو تجد لهذا الوضع حلا عند الوالي

الشهبندر : نعم  .. نعم.. لقد فهمت .. عرفت السبب .. لا تهتموا ستحل هذه المشاكل كلها  بإذن الله

التاجر ياسين : لماذا بفعل معنا كل هذا يا مولاي الشهبندر ؟

الشهبندر : إنه يريد مني أن أذهب لزيارته بين الفينة والفينة لأتملقه وأطريه وأظهر له التذلل والخضوع وأنا كما تعلمون لا أحب كل هذا وليس من طبيعتي

التاجر ابراهيم : سحقا له وبعدا  إننا يا مولاي لا نريد لك إلا أن تكون مرفوع الرأس عالي الجبين

الشهبندر : لا بأس .. لا بأس طالما أن الأمر يتعلق بتجارتكم ومصالحكم صار لزاما علي مواجهته لا من أجل التملق والتزلف بل من أجل وضع النقاط على الحروف  ليكفّ عن ممارساته هذه

التاجر ياسين : وهل تراه يستجيب ويكف عن مضايقتنا يا سيدي الشهبندر ؟

 الشهبندر : سيكف رغما عنه  ومن يحسب نفسه  غدا .. غدا إنشاء الله سأذهب إليه وأكلمه  وإن لم يستجب  ويكف عن ممارساته وممارسات رجاله فلي معه تصرف مختلف .. أملوا خيرا ولا تشغلوا أنفسكم بهذا الأمر

تسدل الستارة قليلا ويبدأ الفصل الثاني

 في سراي الوالي

الشهبندر للحاجب : أخبر جناب الوالي أن شهبندر التجار يريد مقابلته

الحاجب : يدخل على الوالي ويخبره

الوالي : دعه ينتظر.. قل له إن الوالي مشغول

الحاجب : يخرج ويقول للشهبندر : لحظات يا سيدي الشهبندر جناب الوالي مشغول ببعض الكتب والمراسلات بين يديه

الشهبندر : يتمتم .. إنه تصرف مقصود .. يريد الوالي أن يذلني  يريدني أن أنتظر على بابه !!  لا بأس سأنتظر من أجل مصلحة التجار .. ولكن لن أنسى له هذا التصرف

بعد فترة ليست بالقصيرة ينادي الحاجب على الشهبندر

سيدي شهبندر التجار فليتفضل

الشهبندر : يدخل .. يلقي التحية .. لم يسمع جوابا ..

الوالي : لم يرفع رأسه عن الأوراق أمامه متصنعا قراءتها .. ويترك الشهبندر واقفا أمامه

الشهبندر: يتمتم .. لا حول ولا قوة إلا بالله .. ويهم بالخروج

الوالي : أهلا وسهلا ,, أهلا وسهلا  وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته   لا تؤاخذني يا مولانا كنت مشغولا منهمكا بهذه الأوراق ولم أنتبه  يمدّ يده ليصافح الشهبندر ولكن الشهبندر يتجاهله  ولا يصافحه

الشهبندر : جئت إليك لأعرف سبب ممارسات رجالك وأفعالهم غير المقبولة أبدا

الوالي : يتظاهر بعدم معرفته بالأمر ويقول : رجالي ... ممارسات غير مقبولة !!ما الخبر يا مولانا الشهبندر   ماذا يفعل رجالي ؟

الشهبندر : إنهم يضايقون تجار البلد ويعيقون أعمالهم   ويفرضون عليهم الإتاوات ..

الوالي : مصر على أنه لا يعلم شيئا   كل هذا يفعله رجالي ؟ أقسم لك أني لا أدري عن هذا شيئا ــ ثم يغير لهجته ــ ولكن يا مولانا الشهبندر نحن في شوق إليكم وننتظر هذه الزيارة منذ زمن   والله يشهد أنك اليوم شرفتنا  وأدخلت السرورإلى قلبنا وزيارتك هذه غالبة علينا  ومنذ الغد سأصدر تعليماتي لرجالي بالكف عن هذه الأعمال  بل ومحاسبة المسؤوليين

الشهبندر : نظر إلى الوالي باستخفاف وقال : أرجو ذلك يا جناب الوالي حتى لا أضطر إلى عمل يباعد الشقة بيننا .. أستأذنك .. ولا أعطلك عن عملك أكثر  .. السلام عليكم

تسدل الستارة     تطفأ الأنوار    مع موسيقا صاخبة نوعا ما

 

 

المشهد الثاني :

الفصل الأول :

سهرة ضمت مجموعة من العلماء والتجار والأعيان عند قاضي القضاة في بيته 

 قاضي القضاة :مخاطبا الشهبندر  لماذا هذا الجفاء بينك وبين جناب الوالي يا مولانا الشهبندر

الشهبندر : جفاء !! ليس بيني وبينه شيء شخصي ... إنما شكا زملائي التجار من رجال الوالي وسوء تصرفهم معهم فذهبت إليه وحدثته بالأمر وطلبت منه أن يكف أيدي رجاله عن مضايقة التجار وعرقلة أعمالهم وما عدا ذلك ليس بيني وبينه أي شيء شخصي

قاضي القضاة : على كل الأحوال نحن نحب أن يسود الصفاء والودّ بين الجميع  ولهذه الغاية فإني أدعوكم إلى العشاء عندي جميعا غدا مساء , وسوف أدعو جناب الوالي أيضا  كي نمحو ما جرى وننسى ما حدث ونفتح جميعا مع بعضنا البعض صفحة جديدة وأرجو ألا يتأخر أحد

التاجر اسماعيل : بارك الله فيك يامولانا  وكثر من أمثالك

الشهبندر : لا لزوم لهذا التعب فالأمر لا يستدعي كل هذا القلق والقضية منتهية كما قلت لك

قاضي القضاة : ومع ذلك لا بد من تلبية دعوتي إلا إذا ...

الشهبندر : سمعا وطاعة يا مولانا ولالزوم ل( إلا إذا .. ) سوف نلبي دعوتك ونشكرك سلفا

التاجر ياسين : لا غنى لنا عن تذوق طعامك يا مولاي .. وينفجر الجميع بالضحك

قاضي القضاة : إذا إلى اللقاء غدا مساء إنشاء الله   حياكم الله وبياكم

 

تسدل الستارة قليلا ثم ترفع

الفصل الثاني ( من المشهد الثاني )

في منزل قاضي القضاة  السادة العلماء والتجار ووجهاء البلد كلهم مجتمعون يتجاذبون أطراف الحديث  وينتظرون قدوم الوالي

الشهبندر يهمس في أذن أحد مرافقيه :  إذا  وصل الوالي فأعلمني قبل أن يدخل المنزل  هل فهمت ؟

المرافق : أمرك يا مولانا  إذن سوف أخرج أرقب قدومه

الشهبندر : على بركة الله و جزاك الله خيرا

قاضي القضاة : تعلمون أن الوالي من أولي الأمر وله علينا واجب الطاعة ما استقام واتقى الله فينا وفي أهل البلاد

مفتي الديار الشامية : صدقت هو كذلك  وهو أمر مفهوم معروف ولا حاجة للتأكيد عليه

المرافق يدخل مسرعا ويهمس في أذن الشهبندر  دون أن يثير انتباه أحد

الشهبندر : اسمحوا لي أيها السادة النجباء   سأجدد وضوئي  وأعود ثم يخرج

حاجب الوالي : مولانا والي الديار الشامية بالباب 

 يقف الجميع ويستعدون لاستقبال الوالي ويصلحون من شأنهم وهندامهم

قاضي القضاة : مرحبا يا جناب الوالي  تفضلوا  أهلا وسهلا  أهلا وسهلا

الوالي يدخل : السلام عليكم جميعا , يتقدم الحاضرون واحدا بعد واحد للتسليم على الوالي ثم يفسحون له المجال للجلوس في صدر المجلس بجانب مولانا المفتي

الشهبندر في صحن الدار ينادي على المرافق : عمار .. أين أنت يا عمار

عمار : انا هنا يا مولاي في خدمتك

الشهبندر : هل دخل الوالي وجلس في مكانه ؟

عمار : نعم وهو بجانب مولانا المفتي

الشهبندر : هل تعرف يا عمار لم خرجت للوضوء في هذا الوقت ؟

عمار : ولماذا خرج مولاي الشهبندر ؟

الشهبندر : حتى لا اضطر للوقوف احتراما لهذا الوالي النكد  والتقدم للسلام عليه

عمار : خيرا فعلت يا مولاي

الشهبندر : إذا دخلت الآن يا عمار فانتبه وراقب دخولي  بل لاحظ كيف سيقف الوالي نفسه لي ويتقدم للسلام علي

في هذه الأثناء يجيل الوالي النظر في المجلس ويسأل : مالي لا أرى الشهبندر أم أنه لم يحضر

قاضي القضاة : لا .. إنه موجود ولكنه ذهب يجدد وضوءه قبل وصولك بقليل

يدخل في هذه اللحظة الشهبندر : السلام عليكم جميعا  الجميع يردون التحية ويقفون احتراما للشهبندر فيضطر حينئذ الوالي للوقوف  ولكنه فهم اللعبة وعرف الحيلة

الوالي : أهلا وسهلا بشهبندر التجار ويمد يده مصافحا

الشهبندر : كيف حال جناب الوالي  عساه بخير أعتذر منك يا مولاي كنت أتوضأ

الوالي : لا عليك تفضل بالجلوس

الشهبندر : شكرا لك ويختار مكانا مقابل الوالي ويجلس

قاضي القضاة ينادي على الخدم : الطعام يا رجال

يسرع الخدم بإحضار الطعام وتفرش الطاولة وتصف الأطباقحتى إذا انتهوا ..

قاضي القضاة : تفضلوا ... باسم الله ... هنيئا مريئا ...

يباشر الجميع الأكل إلا أن الوالي والشهبندر كانايتبادلان النظرات وقبل الانتهاء من الطعام بقليل يمسك الوالي بيده ملعقة ويطرق بها الطاولة عدة طرقات ونظراته معلقة بالشهبندر ويقول بصوت هادىء فيه خبث ولؤم:

إن الأفاعي وإن لانت ملامسها ××××× عند التقلب في أنيابها العطب

الشهبندر : يسرع إلى ملعقة بيده ويطرق بها الطاولة أيضا ويقول ونظره مسدد إلى الوالي :

 لا تغترر بليال نام حارسها ××××  ولا بدولة فسق أنت فارسها

  واحذرليوث الوغى يوما تمارسها ××××   إن الأفاعي وإن لانت ملامسها

                            عند التقلب في أنيابها العطب

ثم يقوم من لحظته وسط دهشة وذهول الحضور جميعا

تسدل الستارة ,, تخفت الإضاءة ,, مع موسيقا هادئة معبرة  وصوت الراوي يقول :

 في صباح اليوم التالي يهاتف الشهبندر الآسيتانة ويشكو الوالي إلى السلطان فيأتي الأمر بسرعة  بعزل الوالي  وتعيين بدله وال جديد .

انتهى