الدكتور الداعية المربي فاروق عبد الحليم بدران

عمر العبسو

هو الدكتور الداعية، والمربي الفاضل، والقيادي الاسلامي في الأردن فاروق عبد الحليم بدران ...

الذي عمل في جمعية المركز الإسلامي، وصندوق المعونة الوطنية، وخبرته في الجامعة الأردنية كمدير علاقات عامه وتوثيق قوانين الجامعة، ثم العمل بتأسيس جامعة الزرقاء الأهلية، وبين هذا وذاك كان بدران نموذجا للمربي الملتزم، الذي عمل بقناعاته ووطنيته..

المولد، والنشأة:

ولد د. فاروق عبد الحليم بدرانّ في مدينة السلط في الأردن عام 1932، ونشأ في أسرة تربوية هاجرت من نابلس للسلط، حيث هاجر جده (عايش بدران) إلى القاهرة سنة 1901 ليدرّس أبناءه الثلاثة: محمد، وإبراهيم، وعبد الحليم، وكان الجد يعمل ساعاتيّاً يقول فاروق بدران: توفي جدي بالقاهرة 1904م، وبقي عمّاي بالقاهرة يدرسان في الأزهر، أما محمد فتخرج من الأزهر، وأكمل دراسته في القضاء في اسطنبول، ثم عينته الدولة العثمانية قاضياً في حمص، واليمن، وتبوك، وانتهى به المقام في السلط بعد سقوط الدولة العثمانية.

وأما إبراهيم فقد استدعي للجيش التركي، وقد قتل في الحرب العالمية الأولى في مكان نجهله جميعا».

ومن ذرية العم القاضي محمد عايش، تولى مضر وعدنان بدران رئاسة الحكومة الأردنية، فيما عمل عبد الحليم والد فاروق بالقطاع الخاص، وأسس أول صيدلية في السلط باسم صيدلة الشرق العربي سنة 1928، وقبل الصيدلية، عمل مدرساً في الكرك واربد والقدس، ومن تلاميذه في الكرك حسب مذكرات الابن فاروق بدران»

حنا الظواهرة، ونبيه إرشيدات، وفي اربد: فوزي الملقي، وفضل الدلقموني، وجميل سماوي.

الدراسة، والتكوين:

في عام 1951 أنهى بدران الدراسة الثانوية من مدرسة السلط، ومن معلميه فيها: سالم الجندي، وصياح الروسان، وعمر الشلبي، ومحمد بشير الصباغ.

ولاحقاً سيعود مديراً لهذه المدرسة التي كانت أعظم انتصاراته فيها وهو طالب «دخول غرفة المعلمين»، وكان فيها صوبة حطب، وطاولات المعلمين المثقلة بأكوام الدفاتر، ويومها كانت الكوفية غطاء الرأس جزءا من الزي الرسمي.

على يد الشيخ عبد الحليم زيد الكيلاني تعلم بدران القرآن، وكان معه من زملاء الدراسة: عبد الحليم عربيات ومحمد القطب، ومحمد رسول الكيلاني أبو رسول، وعبدالكريم الدروبي، ومحمد حسن البرقاوي، ومحمد سعيد نوار، وحسن جاسر، وفايز كوكش، وفهد أبو العثم وبرهان  بكري، وغالي أبو عبود، وبسير الكيلاني وغيرهم.

كانت مدرسة السلط أشبة بأكاديمية وطنية، فيها القيادات وفيها التعلم والسياسة والتربية، وهي مصنع القيادات ومختبر التعليم وبناء الشخصية.

دراسته الجامعية بدأت في مصر، بعد الثورة 1952، في جامعة عين شمس، ويصفها بالتجربة المرة، فقد أبعدوه يوم امتحان السنة الثانية، وكان الإخوان محاربين، من قبل مصر الثورة.

فسافر فاروق بدران الى بغداد، والتحق بكلية الزراعة في جامعة بغداد، وتخرج العام 1959 بعدعام على انقلاب 1958 .

وفي بغداد زامله عبد اللطيف عربيات، ومحمود التلهوني، وطارق التل، وإبراهيم الساكت، وجميل زريقات وهاني حدادين، وسالم المفلح... وغيرهم.

حياة الدراسة في العراق كانت مليئة بالأحداث التي يذكرها، ويذكر مجتمع الطلبة، وزمن الانقلابات التي جعلت في آخر يوم له على معبر الحدود للأردن يمتحن بانتمائه الفكري، وكان الإخوان مطلوبين أيضاً، يقول: «وجدنا في الحدود ضابط شرطة، وقام بتفتيش دقيق، وقلب كل الكتب، ووجد مجلد أسود لمجلة « المسلمون المصرية ، ثم رفع رأسه وقال لي:  هل أنت من الإخوان المسلمين ؟

ووسط الهجمة الشيوعية آنذاك على كل ما يتعلق بالإسلام كان تدبير أي تهمة ممكنا، كان على بدران أن يصدق، فأجاب الضابط: نعم، وقال له: أنت صادق اذهب إلى بلادك.

وفي مصر التقى د. فاروق بدران بسليمان عرار، وهو معجب به، وبوطنيته برغم اختلافه الفكري معه، فيصفه بالقول: «لقد كان سليمان عرار رجلاً منفتحاً وطنياً واعيا».

الوظائف، والمسؤوليات:

بعد التخرج قدم بدران للعمل معلماً، في نابلس في زمن دولة الوحدة، وحدد مدير التربية مركزه في بلدة سلفيت ليدرس مادة الأحياء.

ثم نقل إلى مدرسة دار المعلمين الريفية في حوارة للحاجة لمعلم زراعة، وباشر العمل بتاريخ 8/11/ 1959 وفيها وجد رفاق صباه د. سعيد التل، واسأمه شموط وفيصل خورشيد، وتعرف على خالد خريس، ومحمود البطاينة، وحليم الصراف، ومحمد الحياري.. وآخرين، وبقي فيها بعد انجازات كبيرة حتى العام 1964م

-  انتقل فاروق بدران للعمل مديرا لمدرسة السلط الثانوية مركز التعليم الأهم وطنياً، تلك المدرسة عاصر فيها: محمد أديب العامري، وحسني فريز، وشوكت تفاحة ونخبة وطنية من خيرة أبناء الأردن.

كان للذاكرة أن تعود بالطفل الذي حلم ذات يوم أن يدخل غرفة المعلمين، فيعود الآن مديرا للمقر الأسمى تربويا، ويبدأ ممارسة نشاطه وإنجازه الكبير فيها، وفيها يلتقي رئيس الوزراء وصفي التل، ذات زيارة لسمو الأمير الحسن، فيقول في حادثة ذات معنى كبير تبرز احترام وصفي للمعلم العام 1965 قائلاً: لقد قام احد المرافقين بصب الماء على يدي سمو الأمير، وأمسكت إبريقاً لأصب على يدي وصفي  فرض قائلاً: لا والله مدير مدرسة السلط الثانوية العتيدة يصب الماء، لا والله، قلت: إنني أولى بهذا العمل لثلاثة أسباب، الأول لأنك ضيفي، والثاني لأنك أكبر مني، والثالث لأنك اخو صديقي، قال: ومن صديقك ؟، قلت: سعيد التل، فقال: ولو، شوف واحد غيرك يا مدير مدرسة السلط المحترم.

تلك حادثة تذكر وتدرس، في معاني احترام القائد للمربي الفاضل.

في مناهج التربية، كان لبدران رأي بنقصها في مواضيع عدة العام 1964م.

وبعد عامين وفي عام 1966م أعير لدولة قطر لعامين، وهناك نقل الى مديرية المنهاج، وصار مديرا لها، وأسس فريق تأليف الكتب الوطنية.

وبعد عودته العام 1974 كان اسحق الفرحان القريب على خطه الفكري قد أصبح وزيرا للتربية فصعّده، إلى رئيس لقسم المناهج، سبقه فيه د. كايد عبد الحق.

أنجز فاروق بدران في رئاسة المناهج، ويقال أنه أدخل المعاني الدينية والقيم التربوية الإسلامية، هذا أمر لربما أنه لا يروق اليوم لدعاة التطوير والتحديث والليبرالية، وتلك قصة أخرى، لكن الرجل يبدو أنه كان يد المرحوم اسحق الفرحان في المناهج، ووريثاً له، وممثلاً لأفكار الإخوان في التربية والتعليم،...

وفي عام 1975 أصبح د. بدران مديرا لتربية البلقاء.

ثم بعد عام أعير للجامعة الأردنية، في زمن الدكتور اسحق الفرحان..

وبعد انتهاء الإعارة للجامعة الأردنية عين مديرا للامتحانات في وزارة التربية عام 1979

وبعد عام انتدب لبريطانيا لدراسة نظام الامتحانات، وهناك تعرف كيف يتم توزيع الأسئلة على المدارس عبر البريد الملكي وبمنتهى الدقة.

مساعد عميد الكلية العربية:

وحين أنهى عمله من وزارة التربية، وقبل بلوغه الستين، وبعد أن تناول الغداء، فوجئ بالدكتور سعيد التل يقرع باب الدار، « فرويت له أنني لم ابلغ التقاعد، من أصل وظيفتي، فقال لي: جئت لأقول لك إن لي سهما في الكلية العربية، واردت أن اقسمه بيني وبينك،»

وهكذا عين مساعداً لعميدها، هذه مواقف رجال الزمن المنقضي ووفاؤهم الكبير لبعضهم برغم الاختلاف في الأفكار.

في عام 1990 وفي زمن حكومة ابن أخيه مضر بدران، عين فاروق بدران مديرا عاما لصندوق المعونة الوطنية، في زمن الوزير عبد المجيد الشريدة

وفي زمن الوزير د . أمين مشاقبة نقل بدران مستشارا لرئاسة الوزراء، وبقي حتى العام 1993، وفيه أسست جمعية العفاف، وكان بدران مسؤولاً عن الجانب الثقافي والاجتماعي.

حياته الأسرية:

وفضيلة د. فاروق بدران (أبو عمر) تزوج من السيدة هيفاء الشاكر، التي اشتغلت بالعمل الخيري في عمان والسلط، واقترن بها عام 1963 وأنجبا عدداً من الابناء:

منهم الدكتور إيمان في الجامعة الأردنية

وعبد الحليم الذي امتنع عن تعيينه في الجامعة وعينه «نادلاً في احد مطاعم عمان»، وهو اليوم يعمل بالاتصالات.

وفاته:

توفي د. فاروق بدران في عمان عاصمة الأردن في 25 أب عام 2019م.

وصلي عليه يوم الأحد 25 أب عام 2019م بعد صلاة العصر في مسجد أبو عيشة الدوار السابع ، ودفن في مقبرة العائلة سحاب وأقيم له مجلس عزاء في ديوان أل قموه - دابوق لمدة ثلاثة أيام .

وقد غادر الدنيا بعد مسيرة حافلة بالبذل والعطاء والعلم والتعليم .

رحمه الله رحمة واسعة، وأسكنه فسيح جناته.

أصداء الرحيل:

المفكر الإسلامي د. فاروق عبد الحليم بدران:

نعت جماعة الإخوان المسلمين في الأردن المفكر الإسلامي الأردني والقيادي في جماعة الإخوان المسلمين فاروق بدران، الذي وافته المنية اليوم، واصفة إياه بـ"الأستاذ الكبير والمُربي الفاضل" وبأنه من "الرعيل الأول للجماعة، ومن الدعاة إلى الله على بصيرة وعلم، ومن أعلام الوطن والأمة".

وأشارت الجماعة، في بيان النعي، إلى أن تشييع جثمان الراحل سيتم بعد صلاة عصر اليوم الأحد بالعاصمة عمان.

فيما وصف مراد العضايلة، الأمين العام لحزب جبهة العمل الإسلامي، الراحل بدران بـ "التربوي العميق، وصاحب بصمة على التربية والتعليم في الأردن" وبأنه "عنوان التربية الإخوانية الأصيلة".

والراحل فاروق بدران تربوي ومفكر إسلامي أردني، من مواليد مدينة السلط غرب العاصمة عمان، عام 1932، وله ولدان وأربع بنات.

إخوان أونلاين 2021

حماس تنعى المفكر الأردني فاروق بدران:

غزة – المركز الفلسطيني للإعلام

نعت حركة المقاومة الإسلامية (حماس) في فلسطين اليوم الاثنين الدكتور فاروق عبد الحليم بدران "أبو عمر"، الذي توفي في العاصمة الأردنية "عمان" صباح أمس الأحد عن عمر ناهز الـ87 عامًا.

وتقدّمت حماس بخالص العزاء والمواساة لأهل الفقيد بدران وذويه ورفاق دربه في الحركة الإسلامية.

وقالت الحركة في بيانها، إن بدران قضى جلّ حياته في تبنّي قضايا الأمة، والدفاع عنها، وفِي مقدّمتها القضية الفلسطينية، وزار قطاع غزة قبل بضعة أعوام على الرغم من تقدّمه في السن.

واختتمت بالقول؛ "رحم الله أبو عمر فقد كان علماً من أعلام الأردن والأمة، في الفكر، والدعوة، والتربية".

يشار إلى أن الفقيد بدران تربوي ومفكر إسلامي أردني، من مواليد مدينة السلط غرب العاصمة عمان، عام 1932، وله ولدان وأربع بنات.

فاروق بدران.. أنموذجٌ فريد لن يتكرر لكنّ أثره سيبقى:

وكتب رائد الحساسنة مقالة  بتاريخ الإثنين 26 أغسطس  2019  م استطلع فيها أراء الناس والأصدقاء في الراحل جاء فيه:

مفيد سرحان: فاروق بدران كان رجلاً كبيرًا بحق يشغله همّ الأمة، كان كريم اليد والنفس ويدفع بسخاء، وكان رجلاً عظيمًا عمل لأكثر من 70 عامًا بصمت..

أسماء فرحان: فاروق بدران وجد فيه الجميع “القدوة الحسنة الحقيقية” وكان قمّة في التواضع عفّ اللسان لا ينطق إلا بخير

وكان  فاروق بدران معجب بالنموذج “التركي” والنموذج “الترابي”

لم يكن المفكر الإسلامي والمربي فاروق بدران شخصًا اعتياديًا، يمكن المرور على معالم سيرته الذاتية مرور الكرام؛ بل إنه شكل “أنموذجًا فريدًا” وقدوة حسنة للأجيال القادمة، بشهادة معاصريه والمقربين منه، وكل من سنحت له فرصة التعامل معه عن قرب.

عرفه أصدقاؤه ومحبوه والقريبون منه بالشخص الممتلئ بالفكر والعلم والثقافة والمتحلّي بالأدب الجمّ والأخلاق القويمة، والمؤمن بأن التأثير الحقيقي يكمن في كون الإنسان “قدوة حسنة” يعمل أكثر مما يتحدث، ولذلك كان كثير الصمت، ولكنّ ذلك لم يمنعه من أن يضفي على مجالسه جمالاً خاصًا بنوعٍ من “لطيف الفكاهة والكلام الطيب”، تجعل لمجالسته رونقًا خاصًا يشتاق له الصغار قبل الكبار.

“البوصلة” في حديثها مع مقربين جدًا من الراحل الكبير، تكشف في “فاروق بدران” عالمًا واسعًا عمره يزيد عن السبعين عامًا من فعل الخير بصمت وحب وتواري عن الشهرة والمفاخرة، وسعيٌ نحو إرضاء الله سبحانه وتعالى ، وارتقاءً بحال الأمة ونجدة للضعفاء والمحتاجين وطالبي العفّة من الشباب المقبل على الزواج، وطلاب العلم ممن لا يجدون ما يعينهم على ذلك، وتقديم الجهد والمثابرة في تربية الأجيال وتسليحها بالعلم والمعرفة والأخلاق الإسلامية.

فاروق بدران المثابر الذي تشغله هموم الأمّة:

يروي مدير جمعية العفاف الخيرية مفيد سرحان لـ “البوصلة” خلاصة تجربة عمرها يزيد على 25 عامًا، عمل خلالها مع الراحل فاروق بدران، فيقول: عرفت المرحوم الأستاذ فاروق بدران منذ أكثر من 25 عامًا، منذ عام 1993 من بدايات تأسيس جمعية العفاف الخيرية، ومنذ ذلك العام تعاملت معه عن قرب بشكل يوميٍ تقريبًا ودون انقطاع.

ويضيف سرحان أن العلاقة معه اكتسبت علاقة ود واحترام وقد استفدت منه الكثير، فهو يتمتع بصفات: ربما لا تتوفر جميعها في شخصٍ واحد، فهو من طبعه الهدوء والاتزان وقلة الكلام، والإنصات الجيد، واحترام الجميع الصغير والكبير، الذكر والأنثى، وهو يتصف بالمرح والفكاهة رغم تقدمه في السنّ فمجالسته لا تشعرك بالملل وبالرغم من فارق السن بيني وبينه فهو رحمه الله من عمر والدي إلا أن جلساتي معه وهي كثيرة تشعرني أنني أتحاور مع شخص في عمري أو ربما في أقل من سنّي.

فهو واسع الصدر ذو ثقافة واسعة ومتنوعة لا تملّ من الاستماع إليه وهذه الثقافة المتنوعة منها ما هو تربوي وهو بالأصل تربويٌ عريق ساهم في وضع مناهج في الأردن وخارجه، وله مساهمات تربوية كثيرة وله اهتمامات تاريخية واهتمامات سياسية واجتماعية.

ونوه إلى أنه “كتب كتابًا طبع منه أكثر من طبعة عن تركيا التي كان يتابع أخبارها باستمرار، حتى في زيارتي الأخيرة له قبل يومين من وفاته، كان يحدثني عن تركيا وعن العالم الإسلامي، وأيضًا يتابع معي تفاصيل عمل الجمعية فهو يعرف تماما ماذا يعمل، سواء في الجمعية أو غيرها من المواقع”.

واستدرك سرحان بالقول: بالرغم من مرضه إلا أن زيارتي له المتعددة سواء في البيت أو المستشفى لم يكن يتطرق فيها إلى المرض بل هموم الآخرين وقضاياهم ومتابعة عمل الجمعية باعتباره رئيسًا لها، فهو كبيرٌ بمعنى الكلمة لا تملّ من مجالسته.

وشدد على أنه حريصٌ على الوقت يحضر على الموعد، في الوقت المحدد تماماً، لا يتقدم ولا يتأخر، وكنت أمازحه أحيانًا وأقول له: “يا أستاذ أبو عمر كأنك تقف على الباب حتى يحين الوقت فتدخل”، من كثرة حرصه على الوقت؛ لدرجة أننا كنا نقول نضبط ساعتنا على قدوم الأستاذ أبو عمر.

ونوه إلى أن الراحل فاروق بدران بالغ الكرم فهو كريم.. كريم النفس وكريم اليد ويدفع بسخاء، لا أذكر أن عرسًا أقامته جمعية العفاف الخيرية إلا وكانت له مساهمة، بل له مساهمات في مواقع أخرى متعددة، في الجمعية وخارجها.

وتابع حديثه عن الراحل بالقول: هو نشيط ومثابر لا يعرف الكسل ولا الجلوس دون عمل؛ بل كان يحدثني أحياناً عن بعض أصدقائه ممن تقاعدوا، ويقول لي: إنهم جالسون في البيوت لا ينجزون شيئًا.

وأضاف أنه يعمل في المجال الخيري، وفي مجال التوثيق، خصوصًا أن الله عز وجلّ حباه بذاكرة قوية، وقد توفي وما زال يذكر كل التفاصيل القديم منها والحديث، فعلى سبيل المثال إذا مر عليه رقم كنت أتفاجأ أنه يحفظه، وعلى سبيل المثال لو كان مبلغًا ماليًا، يحفظه بالدنانير والقروش أو الفلوس، وكنت في كثير من الأحيان يسألني عندما كان سابقًا أميناً للصندوق سؤالاً معينًا، فأقول: يا أستاذ أبو عمر أنت أكثر مني دقة، وأنا متأكد أنك تعرف الرقم بالدقة، وكنت أحيانًا أسأله فأجد أن الرقم مطابق تماماً لما هو موجود. فالدقة ليست لديه في الأرقام فقط؛ بل في الوقائع والتفاصيل، وكما قلت القديم منها والحديث.

عمل الخير والمثابرة عليه حتى آخر نفس

وقال سرحان في حديثه المفعم بالذكريات مع الراحل بدران: كان على صلة مع جمعيات أخرى كجمعية إقرأ الثقافية التي تساعد الطلبة غير العرب الدارسين في الأردن للغة العربية والشريعة الإسلامية، وكان يقدم لهم من ماله الخاص؛ بل أكثر من ذلك يذهب إلى تجمعاتهم في المحافظات ويقدم لهم الملابس في بداية فصل الشتاء وفصل الصيف، والكتب الدراسية، والكتب الإسلامية والثقافية على نفقته الخاصة.

وتابع: أذكر أنّه في مرضه الأخير، عندما أدخل المستشفى طلب من الأطباء أن يأخذ قسطا من الراحة، إلا أنني تفاجأت بعد يوم من خروجه من المستشفى بذهابه إلى المفرق، فقلت له: يا عم أبو عمر الأطباء نصحوك بالاستراحة، فلتاخذ يومين أو ثلاثة لتستريح فها، فقال: عليّ واجب أن أؤديه، فيجب أن أذهب للمفرق لأقدم للطلبة بعض المساعدات، فاتصل مع السائق وذهب إلى المفرق.

وتحدث سرحان عن موقف آخر للراحل تذكره أثناء مرضه، مفاده أن إحدى العائلات التي يعيلها في محافظة الزرقاء منذ ما يقارب 20 عامًا وهو يرعى أبنائها حتى أن بعضهم تخرجوا من الجامعات، وأيضًا أصر على الذهاب بنفسه للأسرة لتقديم المساعدة الشهرية، بالغرم من مرضه، وعندما حدثته قال سأذهب ولن أنزل من السيارة وهو يريد أن يقنعنا بأنه لا يريد أن يتعب نفسه.

وقال سرحان: أذكر أيضاً أنه في حفل الزفاف الجماعي الأخير الذي نظمته الجمعية قبل عيد الأضحى المبارك، وكنت على تواصل معه وأزوره في البيت والمستشفى، أصرّ على الحضور إلى موقع الحفل قبل يومٍ من موعده، وهذه كانت عادته منذ 25 عامًا؛ لا بد أن يأتي لمكان الحفل قبل موعده بيومين أو ثلاثة، عندما نبدأ بالتحضير للعرس الأمر الذي يستغرق منا عدة أيام، ويطمئن بنفسه ويتفقد وكان دائما يتصل معي ويقول طمني كيف الأمور، وهل أنتم بحاجة إلى مساعدة، أو بحاجة إلى المال.

وتابع حديثه: أصر على الحضور إلى مكان الحفل بالرغم من مرضه، وقد حاولت ثنيه عن الحضور واتصلت مع زوجته وأبنائه وأنا أعرفهم جميعًا ورجوتهم أن لا يأتي ولكنّه أصر على الحضور، واتصل بي وهو في الطريق، وقال أنا بعد دقائق اكون في مكان الحفل، فقابلته هناك وكنا بدأنا الإعداد للحفل في الموقع، فاطمأن بنفسه على الترتيبات، وقلت له: يا عم أبو عمر، غدًا الحفل والطقس حار والحفل فيه نوع من المشقة لأنه يستغرق وقتًا فأرجوك أن تستريح والإخوة الشباب في الهيئة الإدارية يقومون بالواجب، فقال: سأحضر إن شاء الله وفعلا حضر قبل موعد الحفل وكعادته وشارك في تسليم الهدايا للعرسان وكان سعيدًا جدًا ومسروراً من نجاح الحفل وما قدم للعرسان والعرائس.

ونوه سرحان بالقول: في زيارتي الأخيرة له تحدثنا في عدد من الأمور، ومنها نشاط تقوم الجمعية على الإعداد له حول دور الأسرة في الأمن المجتمعي، بالتعاون مع جمعية إعجاز القرآن والسنّة، فحدثته عن هذا النشاط وما اتفقت عليه اللجنة من برنامج لهذا النشاط، فاستمع إليّ بكل إنصات كعاجته، وأبدى إعجابه بما توصلت له اللجنة التحضيرية من موضوعات، وقال إن هذا الموضوع والأسرة والقيم في غاية الأهمية.

وأضاف، كنت أنظر إليه، وأقول في نفسي: كأن هذه الزيارة الأخيرة، مع ذلك قلت له: إن شاء الله تكون صحتك جيدة وتشارك في حفل الافتتاح وإلقاء الكلمة، فقال: إن شاء الله سأكون موجودًا. وبقيت أتواصل معه وهو يتابع احتياجات العرسان ويحرص على المساعدة في تأمينها.

وقال عن الراحل بدران: كان محبًا للكتابة والتأليف، وكنا نلجأ إليه عندما نحتاج أن نطبع كتابًا، وهو يتقن اللغة العربية فكان يتطوع دائمًا لتدقيق مطبوعات الجمعية ويقرأها أكثر من مرة كلمة كلمة، ولا يمل، وكان يقول لي إنني أكو مسرورًا وأنا اقوم بهذا العمل، علما بأن المطبوعة لا تحمل اسمه، إلا أنه يتقن هذا العمل الذي لا يعلمه إلا الله.

وأشار سرحان إلى أنه ألف كتابًا قيما عن الذوق السليم على نفقته الخاصة، إضافة إلى مؤلفاته الشخصية الأخرى، التي أثنى عليها كل من اطلع عليها، خصوصًا كتابه عن تجربته الشخصية، فأنت عندما تقرأ هذه التجربة تجد أن فيها الكثير من المعلومات والثقافة ليست فقط لصاحبها بل لمن يقرأها.

رجلٌ فريد من نوعه.. أثره سيبقى:

وقال سرحان: تدرك كم كان هذا الرجل عظيمًا، عمل لأكثر من 70 عامًا بصمت، ربما لم يعرفه الكثيرون ولم يحظ بشهرة لكن كل من جالسه تأثر به  وانتفع من علمه، وأخلاقه، وأذكر في خصوصية العلاقة بيننا أنه كان دائمًا يقول لي وأمام الناس: “مفيد بتأمّر عليّ هنا، وأم عمر في البيت”.

وشدد سرحان أنه بلا شك سنفتقد شخصية ربما يصعب تعويضها، خصوصاً وقد جاءت وفاته بعد فترة قصيرة من وفاة الدكتور عبداللطيف عربيات، وقد خسرنا في الجمعية شخصيات متميزة، ومنها المرحوم الدكتور نعيم الشلتوني، والدكتور عبدالسلام الزميلي والمرحوم الشيخ وليد شابسوغ، الذين عملوا لسنوات متطوعين؛ بل يدفعون من مالهم الخاص، ويتنقلون بسياراتهم الشخصية لخدمة الجمعية لأكثر من عشرين أو خمسة وعشرين عاماً.

وختم حديثه بالقول هذه النماذج يصعب تعويضها، لكن أثرها سيبقى سواءً على عمل الجمعية أو المجتمع عمومًا، فأبو عمر (فاروق بدران) “رجل فريد من نوعه”.. كل من عرفه يكن له مرتبة عظيمة في نفسه أكثر من المناصب، وهذه قيمة الإنسان الذاتية بعيدًا عن موقعه، فكل من يعرفه يحترمه ويقدره لذاته وليس لموقعه.

بدران المتسامح محب الأطفال المعجب بالنموذج التركي

تروي مديرة الاخبار في “إذاعة حسنى” أسماء فرحان لـ “البوصلة” عن “خالها” الراحل فاروق بدران تفاصيل بالغة الدقة عن رجلٍ محبٍ لعائلته بالغ اللطف مع الصغار والكبار واصلٍ للرحم؛ لا يحمل الضغينة ولا الحقد حتى لأشد أعدائه الذين ما زالت آثار سياطهم من شدة التعذيب ظاهرة على ظهره، وتجد فيه “القدوة الحسنة” عفّ اللسان الذي لم يتلفظ بسوء طيلة حياته، وهو المدرسة التي تعلم الأجيال لا بالأقوال؛ بل بالأفعال كيف يكون مجتمع الجسد الواحد المتراحم المتكافل.

تقول أسماء فرحان: خالي فاروق بدران رحمه الله كما أذكره، لم يخرج من فمه طيلة حياته كلمة جارحة أو نظرة أو تصرف يؤذي أي طفل، فكان ودودًا محبًا يرعى بكلامه جميع الأطفال، حتى من شدة لطفه لا يمكن أن يسلم على طفل إلا أن يقبل يده.

وتضيف فرحان: كان حريصًا جدًا على صلة الرحم، وبالذات النساء فلا أذكر أنه انقطع “عزيمة شعبان” قبل شهر رمضان المبارك منذ 40 عامًا، ويفاجئك من يدعو من النساء، فتجد ضمن الضيوف ليس الأخوات فقط؛ بل الأخوات وبناتهن وفروعهن من بنات بنات الأخوات وأزواج بنات الأخوات، ويجتمع في بيته ما يزيد على المائة من الصغار والكبار.

وتصف الراحل بأنه كان سهلاً مريحًا مضيافاً، لا يتكلف بالضيافة، وكل شخصٍ مرحب به في بيته في أيّ وقتٍ، ولا يوجد لديه تكلف بان الوقت مناسب أو غير مناسب أو البيت معد لاستقبال الضيف أو لا، وهو صريحٌ في ذلك أيضأ وكان سهلاً في هذا.

وقالت فرحان: من الأشياء التي أذكرها أنه كان يستقبلنا كأطفال في بيته، والفضل له ولزوجته الطيبة هيفاء الشاكر أيضًا، وأنه لم يكن يضيق ذرعًا أن يبيت في بيته بمدينة السلط أطفال العائلة حتى يصل العدد إلى 15 طفلاً يقضون الليلة والليلتين والثلاثة عنده بدون أي تأفف، ودائمًا عنده ما يمتعنا به من القصص والنكات والكلمات اللطيفة، وهو رجلٌ مرحٌ جدًا.

كانت جلساتي معه وأخوالي جميعًا، جلسة جميلة تملؤها الثقافة والمعرفة والمناظرات الشعرية، وكان حافظًا للشعر وينظمه أيضًا.

وتروي عنه أنه كان باحثا ومقدرا بشكلٍ خاص للتجربة التركية المعاصرة ومن قبلها النموذج الترابي “السوداني” وكتب في ذلك، ولا يمكن أن تجلس معه إلا ويتحدث لك عن التاريخ والذكريات.

وأضافت فرحان أنه من الأشياء الجميلة فيه يمكن أن ينتقد أشخاص، لكن لا يتكلم عن أحد بغيظ أو حقد أو تحقير، لدرجة أن واحدًا مثله آثار السياط التي ألهبت ظهره في سجون عبدالناصر ما زالت آثارها على ظهره، ولكنّه مع ذلك لم يحدثنا يومًا عن هذه الأيام كمأساة شخصية أبدًا.

وقالت: لم يكن شخصًا يتكلم لا بغيظ ولا بحقد ولا بانتقام، ويمر عن هذه الأيام مرور الكرام، ويتحدث عن لحظات اعتقاله في مصر بالطرفة والظرف ولا يتحدث عنها بغيظ أو بحقد ويرويها كجزء من الماضي.

وذكرت فرحان صفة في الراحل بدران تعرفها، أنه كان وفيًا لكل من يعرف، وبيته دائمًا عامر بالضيوف.

ونوهت إلى أنّ من صفاته أنه مؤدب “الملافظ”، قائلة: لم أسمع خالي يومًا من الأيام يلفظ لفظًا نابيًا أبدًا؛ ونحن نتحدث عن شخص بطبيعة العلاقة العائلية اجتماعنا دائمٌ وليس في المناسبات فقط.

أنموذج وجيل فريد للأخوة في الله والقدوة الحسنة:

وعن سر العلاقة القوية التي كانت تربط بين الراحل فاروق بدران رحمه الله، وبين المرحومين الدكتور عبداللطيف عربيات ووالدها الدكتور إسحاق فرحان، تؤكد أنها لم تكن مجرد معرفة أو صحبة عادية، فأنا فقدت ثلاثة خلال فترة قصيرة، والدي وخالي وعمّي الدكتور عبداللطيف، وبالنسبة لي هؤلاء الثلاثة ليسوا أصحاب وأقارب، بل هم “أنموذج فريد في الأخوة في الله”.

وتتابع حديثها: هذا لا يعني أنهم لم يختلفوا يومًا من الأيام، لكن والدي رحمه الله لم أسمعه يومًا من الأيام ذمّ أحدًا خالفه، فإن قلنا له لم فعل خالنا هكذا: قال فاروق زلمة طيب.. لعل الله اطلع عليه فغفر له، وإذا سألناه: لم فعل عمنا عبداللطيف هكذا.. يقول: عبداللطيف زلمة أصيل، ففي بيتنا وفي بيوتهم لا يمكن إلا أن يصفوا دائمًا لبعضهم وإن اختلفوا، وليسوا هم فقط بل إخوة كثر وهم جيل بأكمله، ويمكن نحن نفقد هذا الجيل الواحد تلو الآخر ممن جاوزوا الثمانين وهم نماذج لا يمكن أن تتكرر.

وتشدد على أن الأجيال اللاحقة لهذا الجيل الذي ينتسب له فاروق بدران، اكتسبت منهم الكثير لأنهم لم يكونوا ينظرون لأنفسهم كأصحاب مناصب؛ بل كانوا قمة في التواضع ومحبين للأجيال التي تلتهم ويسعون لخيرهم بكل ما أوتوا من قوة.

وتروي فرحان عن الأيام الأخيرة للراحل بدران، فتقول: زرت خالي قبل أسبوعين في المستشفى في العيد، وبعد أن سلمت عليه قال لي: مش مقبول سلامك، سألني عن ابنتي لين، وقال: “جيبولي لين، هذه صاحبتي، هذه حبيبتي”. ورغم أن وضعه الصحي حرج طلبت من ابنتي الحضور للمستشفى فورًا وحضرت، وعندما دخلت وسلمت عليه وأخبرته أنها “لين” خاطبها باللغة التركية: “نسل سن” (كيف حالك؟ باللغة التركية) لأنه يعلم أنها تتحدث التركية.

وتتابع قائلة: عندما كنت أخبر أبنائي أننا سنقوم بزيارة خالي فاروق يوافقون على الذهاب مباشرة لأنهم يعلمون أن جلسته ممتعة وفيها الكثير من الثقافة والقصص ذات العبرة والهاتفة وليست مثل بعض قصص الكبار المكرورة عشرات المرات، ودائماً عنده الشيء الجديد ليمتعك به وفيه العبرة والفائدة والعظة، والجلسة معه لا يمكن إلا أن تكون مفيدة.

وتشدد فرحان على أن جيل فاروق بدران لم يكن يضع نفسه في موضع الواعظ ولم ينصب نفسه بموضع الأكثر علمًا أو المؤدب أو المنتقد؛ بل كانوا في موقع “القدوة الحسنة” بحيث كنا مطلعين على جميع تفاصيل حياتهم ونلمس ذلك الخير فيهم عمليًا بشكل يومي.

وتقول عن ذلك الجيل الفريد: لم يجلس فيهم أحدٌ ليأمرنا كيف نتصرف أو لا نتصرف أو يخبرنا بما نفعل وما لا يجب أن نفعله، فهم لم تكن لديهم رسالة لفظية للشباب والأجيال اللاحقة؛ لأنهم كانوا قدوات حقيقية.

وختمت فرحان حديثها عن الراحل بدران بأنه كان صاحب ذاكرة حديدية فيما يتعلق بالرواية والحدث لكنه كان أكثر الناس نسيانا ” لإساءة الآخرين له، وهذه العبارة تلخص فاروق بدران رحمه الله”.

سيرة فاروق بدران، هي زمن جيل، وذاكرة مدينة السلط عبر أجيال، وسِفر من المودات، والتجربة، وإيمان بأن الحرية في العمل، والحياة هي سر الإبداع والانجاز. قد لا يُحب البعض فكره أو يتفق معه، وقد يكون له من الأخطاء، ولكن من عمل معه، يُقرُ بسعة صدره وأبوته وأخلاقه النبيلة، لكن أسرار تجربته الحزبية هي التي لا يبوح بها، وهو بين العارفين بحركة الإخوان يعد أحد أقطابها، واحد مهندسي أيام الوئام بينها وبين حكومة ابن عمه مضر.

مصادر الترجمة:

1- جريدة الدستور.

2- محطات في المسيرة التربوية - د. فاروق بدران.

3- موقع البوصلة .

4- مواقع الكترونية أخرى