من دخائر الجلساء

حشاني زغيدي

 

  • حين تجالس الشيوخ، فأنت تجالس سجلا حافلا بالذكريات، تجالس مخزون تجارب عصرتها الأيام، تجالس رصيدا تربويا غز عن ذوي الاختصاص، تجالس تجارب شاهدة لم يمتها قدم الزمن، تجالس أفكارا نيرة، فيها استشراف للمستقبل، حق لأمثالي الاستفادة منهم.
  • كنت أحرص أن أجالس من هم أكبر مني سنا، أجالسهم لحكمة أريدها، فجلسة كبار السن حكمة و فائدة و غنيمة، فهم خزانة تجارب تحمل النفائس.
  • كنت دائما أقتنص الفرص لأحظى بجلسة فائدة في حضرة الكبار، في محيطهم الأخبار لا تبلى، فهي حية تنشط كلما وجدت من يستفزها لتخرج لنا من سجل الذاكرة أخبارا مدفونة لكنها أخبار تنبض بالحياة، تحكي حكايات من ضحوا و شادوا و سادوا و عمروا و أدبوا ، تحكي حكايات سجل حافل بالمآثر .
  • كنت في كل جلسة أتابع همس الحديث، و هو يخرج مسترسلا، تزينه الأمثال و الحكم و الأشعار، كل همسة تحمل في صدرها حكاية، هي همسة في النخوة و الشجاعة، و همسة تحكي قصة في الوفاء و المروءة، و همسة تحكي حكاية الجود في المدينة المنسية، و أخرى تحكي قصص الرجولة و البطولة ، و تثرى الجلسات تلو الجلسات تجدد أنفاس عاشق حالم .
  • و أحيانا يخيم في مكان جلستنا صمت رهيب، كأنه جلسة للتأمل، نراجع فيها عٍبرَ الأيام الخالية، نراجع فيها الأحداث الماضية، نراجع فيها غدر الأيام ، وكيف أصبح الحال غير الحال، أتخيلها جلسة وقفات نقدية لأستاذ صقلته الأيام ليخرج لنا القيم و الأحكام و الدروس المستفادة .
  • أمام هذه النبضات الطيبات التي تبعث في نفوسنا حنين العودة لماضي مشرق عاشه الأسلاف ،نشعر في كل جلسة كلمات مسجاة بالإحساس بصدقها وإخلاصها ، عبرت كل كلمة همس ماض جميل ، أنقلها في إيجاز و اختصار ، فهمسات الجلسات لا ينقطع سردها ، لا يكاد المرء الحالم أن يجد بعدها فسحة غيرها يسلي نفسه دون القلم فيكتب خواطره العابرة …