مذكرات كلب (6)

عكاب يحيى

عكاب يحيى

عرس الأعراس

رُتبت تفاصيل المصلحة على شكل وليمة كبيرة يقيمها شخص ثالث.. وكانت قضيتنا حاضرة على هامشها.. إذ جرى الاتفاق أن يقام عرس كلبي حاشد في بيت سيدي لثلاثة أيام، نقضي يومه الثالث في بيت (عروستي) كان مبعث الاهتمام دور علاقتنا فيما جرى.. وفي المصالحة، فأرادوا التظاهر بتجاوز كافـة أسبـاب

الخلاف، وأولها، ذلك "السبب التافه" الزواج، أو لقاء كلب بكلبة.. بما يعني أن القلوب صارت صافية، ولم يبق ما يعكّر..

لم ينس أسيادنا –على هامش لقائهم- التطرّق إلى مستقبل علاقتنا.. من حيث مدة اللقاءات، ومكانها، ومصير الأولاد..

فاتفقوا –مثلاً على أن يستمر العرس ثلاثة أيام، يتحمّل الطرفان نفقاته مناصفة، ثم يسمح لنا باللقاء مرة واحدة كل أسبوع، على أن تكون مرتين عندنا، ومرة عندهم. أما الأولاد.. فسيدي غير مغرم بالكلاب، فوافق على منحه (كلباً أو كلبة) من كل ولادة.. بينما تمنح الجراء لسيد فتنة (تصوروا ما أرخص أبناءنا، وكيف يتصرفون بهم!!).

وبدأت تحضيرات العرس عندنا.. فكان الاهتمام الأكبر ليس بنا، بل بالضيوف الذين سيحضرون من أصحاب الطرفين.. فحاجات الكلاب بسيطة، وزواجها لا يكلف شيئاً.. فلا ذهب ولا لباس، ولا تسريحات شعر.. واستعراض أزياء، وحلويات.. وأكل.. وكان يمكن أن يكون عرساً عادياً (كما هي حال أعراس الكلاب) لولا تلك (الأزمة) التي حدثت بين سادتنا والتي اعتبرنا سبباً، أو مدخلاً لها..

على صعيد احتياجاتنا.. عمل سادتي على الظهور –أمام الآخرين- بأفخم ما عرفه عرس كلبي.. فاشتروا لي طوقاً من ذهب، وعدة أطواق ذهبية وفضية للعروس.. ولباس جديد (بذلة عرس سوداء) تزينها ربطة عنق فراشية حمراء (بابيونة) وعدة أنواع من عطور فرنسية فاخرة، وأنواع شتى من حلويات يعشقها الكلاب.

كان وقتاً عصيباً.. أقف فيه أمام منعطف جديد، أغادر فيه أيام العزوبية.. والوحدة (وإن كنا لن نجتمع إلا لوقت محدود) فهناك كائن جديد يشاركني الحياة، يساعدني، يحمل جزءاً من آلامي وأمانيّ وأفكاري، يخضب أيامي بربيع طويل.. صحيح أني سأفقد جزءاً من حريتي.. حيث لم أعد وحيداً أقرر بنفسي ما أريد، وإنني سأتنازل عن بعض قناعاتي، وذاتيتي.. لأن الزواج والحياة المشتركة يستحيل أن يستمرّا ما لم يتنازل كل طرف عن بعض خاصياته وسلوكاته، وصولاً إلى ما هو مشترك للاستناد إليه وتطويره..

ولكن، وبالوقت نفسه.. فإن فوائد الزواج لا تعدّ ولا تحصى.. فعدا عن كونه التعبير لاستمرارية الحياة، والنوع.. فإن المخلوق، كائناً ما كان، يحتاج إلى رفيق ومؤنس، شريك روحي ومادي.. مثلما يحتاج الأولاد.. نبت الدنيا، وينبوع الديمومة.. وتجسيد حبنا على الأرض.

ماذا أقول لكم عن تلك الأيام الخالدة في حياتي.. فالقلق محبب رغم إزعاجه وثقله.. والانتظار حلم.. لكنه واقعي.. والتصورات عن الحبيب.. لوحات جميلة تملأ سمائي وفضاءاتي.. والغد صبح يغلق الظلمة وينشر الضياء في كل مكان..

وجاء اليوم المحدد.. كان خميساً في الرابع من الشهر الرابع (أذكر التاريخ جيداً لأننا كنا نحتفل به لأعوام على طريقتنا، وظلّ محفوراً في أعماقي)..

كان حمّامي غير عادي (يلائم المناسبة) فتولى غسلي مجموعة من الخدم.. بأنواع فاخرة من الغسول المعطر.. ثم تنشيفي وتسريح شعري وتلميعه بمادة مخصصة.. ورشّي بعطور قوية الرائحة، زكية..

تولى الأولاد إلباسي.. كانوا فرحين يتراقصون، يمزحون.. ويلقون بطرائف عني.. وبعض الغمز واللمز المحببين.. فارتديت بذلتي السوداء اللامعة، وقامت (منى) بوضع ربطة عنقي.. وعدد من القلائد الجديدة (شيء مهيب).

وتقاطر الحضور: عدد كبير من أصحاب سادتنا، محمّلين بهدايا ثمينة: بشرية وكلبية، وبرفقة بعضهم كلابهم.. ولأن قاعة الاستقبال  لا تكفي.. أعدت الحديقة لتكون ساحة العرس، وقد اصطفّت فيها الكراسي والطاولات المزينة بأغطية ثمينة، تعلوها زهور وورود من كل الأنواع..

كما استحضرت فرقة فنية كاملة (مشهورة) كانت تعزف أنغامها الجميلة فتملأ المكان، ويصل صداها إلى مدى بعيد.. فرقص الحضور مراراً.. مثنى.. وفرادى.. وجماعياً..

أجلسوني على كرسي فخم.. ورغم أن الكلاب لا تحب جلوس الكراسي.. إلا أن المناسبة تفرض منطقها.. فتحلّق عدد من الكلاب المدعوة (كنا نحتفل بطريقتنا الكلبية الخاصة: عواءً بهيجاً، ورقصاً، وحمحمة.. وعناقات متبادلة.. وذيول نشوى تتحرك في كل الاتجاهات)..

وعلى وقع الطبول.. ومزامير السيارات المزينة بالورود والشارات.. أعلن موعد العرس عن قدومه، فهرع الجميع لاستقباله: الحشد كبير.. تتقدمهم راقصة بدينة، ومطبّل، ومزمّر.. وفرقة كاملة من الراقصين الشعبيين.. ثم صف من الكلاب بزي موحّد (يبدو أنها فرقة محترفة).. فسيارة عروسي، إنها أفخم سيارات سيدها، بله سيارته الخاصة (ياله من كرم..)

تعالت الزغاريد والأهازيج.. واختلطت برشات من الرصاص (لا أدري لمَ يحب المسؤولون والأغنياء إطلاق الرصاص في الأفراح.. لعلهم بذلك يعلنون عن مكانتهم..)

ودخل موكب العروس.. لبنى تقود حبيبتي.. وخلفها العائلة.. وأصحابهم..

واختلط الحابل بالنابل.. حشد عظيم ملأ الحديقة وعدداً من القاعات..

.. وأجلست (فتنتي) إلى جانبي.. كانت في أحلى زينة.. جميلة كحلم، صافية كسماء صيفية.. لم أر كلبة بهذا الجمال والبهاء.. لا من قبل ولا من بعد.. تزيدها مسحة حياء ملونة بلون الزهر.. فحولتها إلى جوهرة، ماسّة نادرة..

أعلن السيدان عن افتتاح العرس بكلمتين موجزتين.. شكرا فيهما تلبية الضيوف لدعوتهما، آملين أن تكون المناسبة عهداً جديداً للصفاء، والمحبة والإخاء.. وقدّما الفرق الفنية.. الأشهر في المدينة.. لبدء عملها..

تنافست الفرقتان: غناء ورقصاً وأهازيج، وحركات مسلية لفتت انتباه الحضور وشدّتهم.. ثم جاء دور الرقص على صوت مطرب شاب أتقن الغناء الشعبي الخاص بمثل هذه المناسبات.. فتوالى معظم الحضور على الحلبة.. برفقة زوجاتهم، أو أصحابهم.. أو مما تيسّر من الحضور..

وأخيراً جاء دورنا.. فأخلي المكان لفرقة الكلاب المحترفة.. وكأنها في معركة تحدٍ، تريد أن تثبت للحضور أن للكلاب ألعابهم واحتفالاتهم، وأنهم يقومون بحركات وألعاب يعجز البشر عن الإتيان بها..

رقص كلبي جماعي.. تتوسطه رقصة ثنائية لكب وكلبة.. قفز وشقلبة، وسير على الأيدي، ثم الأرجل.. في حركات متناغمة، وأشكال هندسية رائعة.. حتى العواء الخاص بالأعراس كان متسقاً، جميلاً، يصدر من القلب فيمسّ شغافها..

قفز الكلاب في الهواء.. كلبين كلبين.. بعد وقوفهما على جهاز خاص، ثم قفزة رائعة لأمتار نحو السماء والكلاب تفترش الأرض لتلقي (الطائر) شكّلوا (قطاراً) يقوده كلب، يتعرج وينثني في أرجاء الحديقة، ويطلق أصواتاً شبيهة بصوت القطار.

واختتم العرض بتحية كلبية للعروسين.. حين جثت الفرقة تحت أقدامنا، تلوّح بأذنابها.. فشكرناهم من أعماقنا..

لم يرغب سيدي بنحر الكباش.. وطبخ الطعام في البيت، فطلب من المطاعم الفاخرة أكلاً جاهزاً.. نقلته عدة سيارات.. كان شيئاً خارقاً..

بعد الغداء، وتوزيع الحلوى والهدايا على المدعوين.. أعلن عن نهاية الاحتفال، فتعانق سادتنا، في وداع بدا حارّاً.. وأخذ المدعوون بالرحيل.. وإخلاء المكان.. إذ جاء وقت انفرادنا..

في البيت الجديد الذي أعدّ خصيصاًَ لزواجنا (بيت واسع) كان لقاؤنا بعد انتظار.. وآلاف الأماني تجتاحنا، والشوق نهر دافق لا يعرف التوقّف.. والفرح شلال غامر ينهمر فيملأ المكان..

لم تبخل الطيور والفراشات (وحتى مينو) بتقديم التحية لنا.. عبر رقصات وأغاني جميلة.. بل حتى الأشجار والورود.. أحستنا بأنها تشاركنا فرحتنا، وتقدم واجبها..

لم نعرف الوقت.. ربما توقف الزمن فأردناه أن يعود حتى لا تمرّ أيام اللقاء، حلوة هيب الحياة رفقة زوجة كفتنتي..

ومضى يومنا بسرعة عجيبة.. وكان عليّ الانتقال في اليوم الثالث إلى بيت عروستي.. كنت خجلاً، مرتبكاً.. فهي المرة الأولى.. لكن كل شيء يهون في سبيل الحبيب..

ودّعتنا عائلتنا (أسيادنا) بفرح غامر.. وأبى الأولاد إلا أن يصطحبونا (ثلاثتهم) إلى بيت محبوبتي..

كان سيدها (وسيدي بشكل ما) قد أعدّا استقبالاً لنا.. مقتصراً على أهل بيته وخدمه (وهم كثر).. فوقفوا لنا عند باب القصر.. وأكاليل الورد بأيديهم.. وزغاريد الخدم تشقّ الفضاء وكأنها تقبّل السماء.

بعد الغداء الفاخر الذي جهز لنا قادتنا (لبنى) إلى البيت.. قصر كلبي حقيقي.. مكوّن من عدة غرف صغيرة، فرشت أرضه بسجاد فاخر، وعلقت في سقوفه أضواء وبالونات، وشارات مزركشة.. بينما نثرت الزهور في كل مكان (أنت عظيمة يا لبنى).

فكرة جميلة صائبة أن تغير بيت الحب إلى آخر مثيله.. فالمكان يوحي بالجديد، وجديدنا كثير لا ينتهي.. ليس حباً ذاتياً فقط.. بل حباً غامراً يحتوي كل ما حولنا، وموضوعات كثيرة حول مستقبلنا، وترتيب حياتنا وعلاقتنا بالآخرين (صار لنا سيّدان).. فكان التفاهم خيمتنا، وكأننا جسد واحد، روح واحدة توزعت في كائنين (كم أنا محظوظ وسعيد).

          

.. تتمات على هامش زواجنا..

مضت أيامنا سعيدة، هنيئة.. كنت أستجمع الحكايا، والقصص, استحضاراً ليوم لقائنا (حدد الجمعة من كل أسبوع.. لأن أسيادنا في عطلة، وحاجتهم إلينا أقل) ويبدأ الانتظار منذ لحظة الوداع.. ساعة إثر ساعة.. طويلة.. بطيئة.. يتكاثف وقعها مع اقتراب اللحظة الموعودة..

ورغم الفراق.. وقلة اللقاء.. أحسست أن الغياب يشحذ العواطف، يجدد شباب الحب، يحارب الملل والاعتياد ويلغي المناقرات والمشاجرات.. (إني أنصح الأزواج جميعاً بالافتراق ولو مرة في الأسبوع.. لعلّ ذلك يكون علاجاًَ للخلافات.. ولنسبة الطلاق المرتفعة بين البشر..)

أربعة أشهر ونحن في لهيب الحب العاصف.. وكأننا مراهقون مندفعون.. ينشر الفرح أجواءه فنبثه فينا، وحولنا، وفي علاقتنا بالآخرين..

لكن عمر الفرح قصير.. كما يقول البشر..

السماء تلبدت بغيوم كالحة.. والجو ثقيل على الصدر.. وكأن كارثة ما ستقع..

في اليوم المقرر لمجيء (حبيبتي) والانتظار يأكل أعصابي.. وأنا في رواح ومآب لا أتوقف.. لم تأت..

دقائق.. نصف ساعة.. ساعة.. وهبط الليل بكلكله على قلبي المتوجس.. ماذا حصل؟ وأية مصيبة وقعت لفتنتي.. وآلاف الأسئلة التي تراقصت حولي وكأنها تسخر مما أنا فيه..

وجاءني الصغار.. واجمين.. متألمين (كانوا يحسّون بي، ويعرفون مبلغ حبي لفتنة) يريدون مواساتي.. لقد رفض سيدها السماح لها بالمجيء.. لا لسبب إلا لأنه لا يرى مبرراً لهذا الرواح والمجيء..

هكذا إذاً.. وبقرار طائش أُحرم من لقاء حبيبتي.. يوماً واحداً في الأسبوع.. أي جحود هذا؟ وأي قسوة للبشر؟ بل أي أنانية جبلوا بها؟.. وماذا بيد كلب بائس أن يفعل سوى البكاء.. والحزن والألم.

اعتصمت في وحدتي أبكي قدري، بل قدر كلاب الأرض كلها، وألعن الساعة التي تزوجت فيها (العبيد يجب أن لا يتزوجوا) وكيف دجّنت وآمنت بهذه الحياة المفروضة.. بل تزييني لها، وإقناع العديد من الزملاء بها.. ممنوع على  الكلاب أن تحب.. ممنوع أن تتزوج وتكوّن أسرة.. ممنوع.. وممنوع.. والقائمة طويلة.. والبدائل مغامرة محفوفة بمجاهيل الدنيا وسطوة البشر.. وأين المفر؟..

مضغت آلامي.. وابتلعت مصيبتي وأنا أقوم بواجباتي المعتادة.. كان موقف الأولاد عزاء.. فلم يتركوني، بل أحاطوني بالمزيد من الحب والحنان (قلوب الأطفال لا تعرف القسوة والخبث والحسابات) فأقنعت نفسي بأنَّ ما جرى حادث عرضي.. بسبب أن مزاج (سيدي الآخر) كان معكّراً..

وأزفَ الموعد.. كان عليّ الانتقال إلى بيت حبيبتي. فامتلكني الخوف المربك.. وتزاحمت الأسئلة في رأسي.. ترى كيف حالها.. ماذا حلّ بها؟.. وما وقع الصدمة عليها؟..

والتقينا بعناق طويل، والدموع تبللنا.. وبكاء حزين يعكس جزءاً من مرارة دفينة.. الصدمة قوية.. لم تستطع تحملها –حبيبتي- وقد أعدت نفسها للقائي.. ومفاجأة سارة تحملها..

وتنتظر لحظة اقتيادها إلى عشنا.. وما من أحد يأتي أو يكلف نفسه إبلاغها.. بينما أسيادها في هرج ومرج. إنهم يقيمون حفلاً عارماً.. وحتى (الصديقة لبنى) نسيت (فتنة) وكل قصتنا.. (فمن نحن سوى كلاب).

بذلت جهوداً مضنية لمواساة حبيبتي، والتخفيف عليها: إنها حادثة عادية، حالة إهمال تحدث في كل مكان وزمان.. خطيئة غير مقصودة.. وهكذا واصلت حديثاً تبريرياً أنا نفسي غير مقتنع به، ولكن ما حيلتي؟..

وتغلبت على أحزان (فتنتي) فوقتنا قصير.. وعلينا مجابهة الواقع بالصبر والصمود، والتحمّل.

بدت مضطربة، مهمومة.. تتهرّب من أسئلتي.. وعند إلحاحي.. قالت لي:

- كنت أحمل لك مفاجأة كبيرة.. لا أدري إن كانت سارّة أو مزعجة؟..

- أية مفاجأة؟..

(أطرقت رأسها، وبحياء): إني حامل..

قفزت كملسوع.. فرحاً.. لا تسعني دنياي.. حامل.. أي إني سأصبح أباً؟..

- نعم ستصبح أباً..

- لثمت وجهها.. انحنيت لها.. أي هبة مُنحتُ بكِ.. أي سعادة أنا فيها..

- رويدك (شفقي) فكّر بمصيرنا، ومصير الأولاد..

- ماذا تقولين؟ أي مصير هذا الذي تخافينه؟

- الدنيا دوّارة.. ونحن لا نملك حريتنا..

- سادتنا طيبون، منعّمون.. وسيفرحون كثيراً لأولادنا.. ومن أدراكِ.. فقد يجمعوننا في بيت واحد.

- وماذا لو اختلفوا ثانية؟ أو حلّ طارئ ما؟ أو تعكّر مزاجهم لسبب من الأسباب؟..

كنت أهرب من الواقع، محاولاً جرّها معي إلى بحر من التفاؤل.. ولو كان بالكذب على نفسي.. فأجبتها:

_ أضعتِ عليّ أكبر وأجمل خبر أتلقاه.. أرجوكِ.. دعي الهموم جانباً، واطردي الأفكار السوداء عنكِ.. وتفاءلي.. فالتفاؤل يجلب الحظ.

- لست هاوية حزن وألم.. أنتِ تعرفني.. لكن مسؤوليتنا تفرض علينا أن نفكّر بالقادم..

- لا تخافي.. إن حدث مكروه.. فسأهرب بك والأولاد ولو لآخر الدنيا..

في عمقي.. كنت مثلها، وأكثر خوفاً وقلقاً.. فمثلنا لا يملك حاضره حتى يضمن غده.. وكل شيء جائز (يا ويلي) وبدلاً من أن تكون المفاجأة سارة.. حملت لي هماً جديداً.. همّاً من نوع آخر لم أعهده.. فاستذكرت قصتنا، وكيف انتزعنا من صدر أمنا فوزعونا في مشارق الأرض ومغاربها، وهيئة أمي التي لم تغب عنّي وهي تودعنا الوداع الأخير.. وعشرات القصص المتشابهة التي نقلها زملاء ومعارف..

جرجرت أربعتي عائداً إلى بيتي.. وقد تحوّل داخلي إلى سجن كئيب.. وبيتي إلى مقبرة، واسودّ كل ما حولي.. فما عادت الفراشة زاهية.. إنها ريش متناثر، والطيور تغني قدرها المحتوم، وتبكي البلابل.. وحتى الخبيث القط (مينو) مثلنا.. محكوم، أسير..

الزواج خطيئة.. والأولاد جريمة.. والحياة ملهاة كبيرة.. كذبة اخترعناها وصدّقناها..

ويلي من غد أواجه فيه فراق فلذة الكبد.. فأقف مستسلماً، صاغراً.. أتضرّع لسادتي، وأصنع بهلواناً لتسليتهم.. وفتنتي.. ربيع حياتي.. دفق قلبي.. عمري كله.. ماذا سيحلّ بها وهي الرقيقة، العاطفية.. المراهقة؟.

وجاءت الأحداث السوداوية.. كابوساً ينتقل من الحلم إلى الواقع.. فتبخرت الأحلام والقصور تلتي بنيناها.. وأمانينا، وذلك الوهم الذي عشناه، أو صنعناه..

لقد عاد الخلاف –من جديد- بين العائلتين.. وكنا نحن أول ضحاياه..

واستعر.. وامتدّ.. (ولم أهتم به.. فما حدث لنا جعلنا ننسى كل شيء آخر)..

صدر القرار (مشتركاً) منهما: "يُحرّم أي اتصال أو لقاء بين العائلتين.." وبالطبع كنا مقصودين بهذه القطيعة..

اكفهرّت دنياي.. وتحوّل الفرح إلى ذكرى ثقيلة تترك المجال لحزن يحتلّ الخلايا.. فأبتلع مرارة، وأشرب حنظلاً.. أدور في المكان لا ألوي على شيء.. الصدمة كبيرة على رأس كلب أسير، لا معين له..

جاءني الأولاد والوجوم واضح عليهم، وكأنهم يريدون الاعتذار لي، فهم لا ذنب لهم (غالباً ما تنعكس خلافات الكبار على الصغار فيدفعون الثمن..).

وأعتقد أنهم كانوا يفكرون بوسيلة ما –ولو عن طريق وسيط أو طرف ثالث- للاتصال بحبيبتي والاطمئنان على صحتها ووضعها.. وأظن أنهم حاولوا وأخفقوا.. لأن جو القنوط ظلّ مسيطراً..

في جيئتي وذهابي (ضمن دائرة صغيرة.. أو في ممرات الحديقة) في عتمة الليل المظلمة.. وتلك السكينة التي لا يقطعها سوى عواء كلب.. أو زعيق مخمور.. أو صوت سيارة.. غزتني أفكار عديدة، تصارعت وتداخلت حتى شلّت تفكيري.. فصرت كالطفل الصغير الذي يحبو على غير هدى..

بين (الحلول) السلمية والثورية تشتت رأسي المثقل، المتعب..

حلمت، وتمنيت، ورغبت أن يعود الوئام بين العائلتين.. فترجع المياه إلى مجاريها.. وأكثر من ذلك.. حملني تفاؤلي إلى تصورات متكاملة.. عن مصالحة خلال أيام.. حين يتدخل المسؤول الكبير، ومعه علية القوم، فيرفضون صلحاً.. ويقيمون احتفالاً.. ويتعانقون.. إذ ليس من مصلحة أحد استمرار العداء.

حاولت إقناع نفسي بهذا الأمل.. فسكنت روحي قليلاً.. لكن نذيراً كان يوقظ وساوسي فتسيطر عليّ، وكأن صوتاً يأتيني من أعماق بعيدة، إنك تحلم أيها المسكين.. فالأمور اختلفت، والصلح الذي تأمله.. سراب، وهم وخداع.. فالدنيا تغيرت.. وسيدك لم يعد ندّاً لغريمه.. فقد عصف الزمن به.. فإما أن يخضع للآخرين.. وإما أن يدفع الثمن غالياً.

اختلطت الأمور عليّ فما عرفت حقيقة هذا الصوت وصحته.. هل هو انعكاس حزني ويأسي.. أم أنه نذير تنبؤي يشير إلى ما سيحدث..

وشعرت أن اضطراباً يعمّ بيت سيدي.. وكأن شيئاً كبيراً قد حدث.. ولحظت أن السيارة التي كانت تجيئه يومياً بسائقها لم تعد تطرق الباب على الساعة الثامنة صباحاً (ربما أصابها عطل، ربما مرض السائق.. ربما.. وربما.. كنت أحدّث نفسي)..

الأولاد قللوا مجيئهم إليّ.. وعندما ألمحهم أراهم عابسين، يذرفون الدمع..

وسيدتي الطيبة، الفرحة.. واجمة.. تضع رأسها بين كفيها وتذهب في رحلة بعيدة.. لا أدري إلى أين.. أما سيدي فقد صار مخلوقاً آخر.. حاد المزاج عصبياً، لا يعرف التوقف.. يصرخ ويلعن، ويضرب..

حتى الخدم لم يعودوا كما كانوا، وقد نقص عددهم إلى اثنين..

ماذا حصل؟ لابدّ أن شيئاً كبيراً، مؤذياً وقع لسادتي..

وعرفت خلال أيام.. أن خصوم سيدي قد سيطروا على الوضع، فاستغنوا عن خدماته، وأحالوه على التقاعد، بعد أن جردوه من كل الامتيازات (سيارة وهاتف وسائق وخدم ومرافقين) وأن التحقيقات معه (ومع غيره من أصحابه) جارية.. ضمن حملة تشهير وتشويه..

(إنه حظي العاثر.. فقد "باض الحمام على الوتد"..).

          

خطة "ثورية" للهرب.. ولكن..

لم يعد أمامي من سبيل سوى حل وحيد: الهرب مع حبيبتي إلى مجهولنا..

لقد تبخرت آمال المصالحة.. وتكرّست القطيعة وما هو أسوأ منها.. وصار سادتي لا حول لهم ولا قوة.. بل وضعوا تحت الحراسة المشددة، وطّوقت البيت عناصر كثيرة من المخابرات.. حظّرت على الجميع (بما فيهم الصغار) الخروج من البيت (ولو إلى المدرسة) إلا بإذن منها، وأحياناً بمرافقتها..

والناس التي كانت تروح وتجيء بالعشرات.. قاصدة سيدي في عمل خدمة، أو لمجرد إظهار الولاء والإعجاب والودّ.. لم تعد تقترب من البيت.. وعدا قلة قليلة من الأقرباء، وبعض الأصدقاء الخلّص ممن خدمهم سيدي (أغلبهم من البسطاء) ما عدنا نرى أحداً.. فتحوّل البيت إلى ما يشبه القفر.. كأنه مقبرة (هل هي حالنا الدنيا الدوارة.. أم طبيعة البشر الزائفة المنافقة للحق معظمهم.

مأساتان دفعة واحدة.. بل مجموعة مصائب حلّت بنا.. فكيف سيتحملها قلب كلب مفجوع؟..

كنت قبل أن أعرف جزءاً مما حلّ بسادتي.. قد استقر رأيي على شيء وحيد.. لا خيار أمامي غيره: الهرب بحبيبتي.. ولو يكون الطوفان. فأمضيت أياماً في رسم خطة متكاملة، حاولت مراجعة تفاصيلها، وإعادة خطوطها ودقائقها خوفاً، وتجنباً لأية احتمالات طارئة.وقررت التنفيذ في موعد وجدته مناسباً..

خطتي البسيطة تلخصت في هربي ليلاً (عندما يكون الجميع نياماً) إلى بيت حبيبتي (فالكلاب طليقة في الليل) وهناك أقنعها (وستقتنع حتماً لأن تعلقها بي أكبر من جميع المخاطرات) وأرحل بها إلى صديقي (ومض) الذي بإمكانه إيواؤنا نهاراً.. لنمضي في الليل إلى الجبال المحيطة.. التي وجدتها خير ملاذ..

حلمت بنجاح الخطة التي لن تصادف عائقاً (بشراً مسلحين أو أجهزة مكافحة الكلاب).. وباستقبال (ومض) لنا وقد فوجئ بقرارنا.. لكنه، كما عهدته.. شهماً شجاعاً.. سيقوم بواجبه، فيغطي وجودنا، ويزودنا بالطعام والإرشادات.. وبنيت دنيا متكاملة لعالم كلاب قادم.. يتخذ الجبال موطناً.. ويعلن حرية الكلاب واستقلالهم..

تخيلت أسرتي.. فتنتي.. وحولنا جراءنا.. الأربعة.. الخمسة.. بل العشرات.. وأبناء أبنائنا.. وأسر الكلاب المتعاونة.. المنظمة.. وأساليب الاتصال بالآخرين وإقناعهم بإعلان الثورة على واقعهم السجين.. ثم تدبير أمر ترحيلهم، والتكفّل بهم حتى يعتمدوا على أنفسهم..

آلاف الصور رسمتها لمجتمع كلبي حرّ، متعاون، مستقل، يعتمد على نفسه.. بما في ذلك علاقته الداخلية.. ومع البشر، والحيوانات الأخرى.

إنه مجتمع سلمي.. لا يستهدف الاعتداء على أحد.. لكنه يرفض أن يستباح أو يعتدى عليه، أو تمتهن حقوقه.. وأطلت في مناقشة تفاصيل سياسات التمويل والغذاء والدفاع والعلاقات مع الغير.. وتنظيم الأسرة، ومعاهد تربية الجراء وتدريبها، وحقوق وواجبات كل كلب، والحدود الفاصلة بين الأسر (وفقاً لفصيلتها) حيث إني ضد التعصّب والعنصرية، فمجتمع الكلاب يجب ألا يقتصر على نوعنا نحن فقط (كلب الراعي) أو ("بيرجي آلمو" كما يسمونها) بل يجب أن يشمل الجميع.. كبيرها وصغيرها، قويّها وضعيفها..

ذلك ضروري وحيوي.. لأن تشتت الكلاب، وتفريقهم بذرائع شتى، وفصلهم عن بعضهم، بل ودرّ الخلافات والصراعات وحتى الحروب فيما بينهم.. قد أساءت كثيراً إلى وحدة الكلاب ودورها ومكانتها.. لقد ميزوا مثلاً بين صنفنا.. وبين (الدوبرمان) أو صنف (البولدغ) أو (بيج بول) التي تعتبر أشهر أنواع الكلاب قتالاً وقوة.. وبيننا جميعاً والكلاب العادية.. أو كلاب الصيد.. أو الأصغر حجماً (كالكانيش) وغيرها..

وأكثر من ذلك.. أجّجوا الخلافات بيننا، وضخموا فوارقنا إلى درجة استفزازية.. وبثّوا التفرقة والعداوة.. حتى صار كل كلب عالماً مستقلاً بذاته.. فتضخمت الذاتية، والمصلحية، والروح الفردية.. وكانت النتيجة بعثرة وضعفاً واحتلالاً من قبل البشر، واستغلالاً كاملاً، واغتصاباً لحقوقنا (نحن المسؤولون عن هذا المصير.. لأننا قبلنا به ولم نثر عليه..).

ورسمت حدوداً (لدولتنا) بما لا يسيء إلى الإنسان ومصالحه.. إن دولتنا جبلية في المناطق التي لا يزرعها الإنسان ولا يحتاجها. ومما لا يقع تحت ملكيته (ما زالت الجبال ملكية عامة كما أعتقد..

كانت مشكلة الطعام من أهم المشاكل التي واجهت تصوراتي (حلمي) لأن مطالب الكلاب الأخرى جد قليلة، وممكنة التحقيق.. أما الأكل.. فهو المعضلة الكبرى.. وما من خيرات كثيرة أمامنا.. فإما:

الاعتماد على الإنسان.. والتسول.. وهذا يؤدي إلى الخضوع.. وتكريس الأمر الواقع (بما يتنافى ومبررات الثورة)..

أو الاعتماد على أنفسنا..

والاعتماد على النفس بالنسبة للكلب.. لا يتم إلا باصطياد حيوانات أخرى (وهو نوع بالغ من الاعتداء)..

فكيف السبيل لحلّ هذه المعضلة الأساس.. التي لا يمكن النجاح بأي خطوة دون حسمها؟..

وعلى سبيل العرض، فما ذنب الحيوانات الأخرى لتكون فريسة لنا.. ضحايانا.. وكيف سينسجم هذا مع مبادئنا؟ وبماذا سنختلف عن الإنسان الذي نوجه له الانتقادات والاتهامات؟؟.

وبالمقابل.. كيف لكلب أن يعيش دون لحم.. ومن أين يأتي اللحم إذا لم يك من أجساد حيوانات أخرى؟ (ما ذنبها؟).

كنت حائراً، متردداً، متناقضاً.. أداخل المبررات العملية (البراغماتية) مع المحرمات والمبادئ فأقترب هنا وأبتعد هناك.. بما وضعني في موقف لا أحسد عليه..

هل يمكن للحيوانات النافقة أن تشكل مصدر غذائنا الرئيس؟

ومن يضمن توفرها بالوقت والمكان والحجم اللازم؟ ثم أليست الحيوانات الميتة خطراً على الصحة بما تحمله من أمراض وأوبئة؟ (خاصة إذا ما عرفنا أن معظم الحيوانات لا تموت إلا بسبب العمر أو المرض أو القتل.. أو حادث ما..)

أليس من مكونات الحياة أن تضحي حيوانات بنفسها لتكون طعاماً لآخرين كي تستمر وتتوازن الطبيعة؟ وما الضير في اصطياد عند محدود من حيوانات تتكاثر بأعداد كبيرة إذا ما نقصت قليلاً؟ أليس دورنا –هنا- علاجياً للحفاظ على ذاك التوازن؟

ألا يمكن تنويع مصادر طعام الكلاب بالتخفيف من حجم اللحوم في وجباتهم، والاعتماد أكثر فأكثر على الأعشاب والثمار.. والعديد من الأنواع التي تجود بها الطبيعة؟..

المسائل الواقعية شائكة لأنها بحاجة إلى حلول.. أما الأقوال، والشعارات، والتنظيرات فسهلة.. لأنها كلام.. وقد تبقى كذلك.

ولأني لا أملك حلاً (جذرياً) رحت أهرب إلى التبرير والتأجيل..

فمثل هذه الحلول تحتاج إلى مناقشات مباشرة مع الكلاب الآخرين، وهي قضايا لاحقة.. لأن الثورة هي الأهم.. فإذا ما نجحنا وقامت دولة الكلاب الموحدة.. فحينها سنجد العلاج لكل معضلة.. بما فيها مصدر غذائنا ونوعيته (قد نصبح كلاباً عشبية.. وقد نخترع شيئاً ما يقع بين اللحم والنبات.. وقد يصل الإنسان إلى صناعة حبوب صغيرة تغني عن الأكل.. فنستوردها منه في إطار علاقتنا التبادلية.. وقد.. وقد..).

كانت التصورات النظرية، والأحلام الجميلة تستهويني أكثر من بحث المشاكل والصعوبات.. فاتجهت أخيلتي إلى عالم كلبي متحد، متعدد الاختصاصات والمواهب (وفقاً لتعدد أنواع وتخصصات الكلاب).. فيقدم كل كلب جهوده المخلصة.. بقناعة واندفاع.. شرط أن توفر له دولتنا احتياجاته، وتؤمن حقوقه، وحريته، وأمنه..

توقفت مراراً عند علاقتنا ببني البشر.. هل سنقطعها نهائياً؟ هل نعيش بسلام؟ أم نتحارب؟ هل يمكن الاستغناء عنه وعن صناعته ونتاجه؟ وهل يقدر أن يعيش بدوننا؟

أسئلة (عويصة) دارت داخلي وحول أحلامي الثورية..

صحيح أننا نهدف إلى إقامة عالم خاص بنا، يؤمن حريتنا واستقلالنا، وأننا لا نريد عداء الإنسان ومحاربته (آخذين بعين الاعتبار ضرورة بناء جيش قوي من أشد المحاربين: كلاباً وكلبات.. لحماية حدودنا وحقوقنا، ومنع الغير من الاعتداء علينا، بل حتى مجرد التفكير باختراق سيادتنا.. لأن وجود جيش قوي يؤدي إلى فرض احترامنا على الغير.. فنمنع الحروب والاقتتال.. فأنت قوي: أنت محترم يهابك الآخر.. ولا يجرؤ كلب على الاقتراب منك).

وصحيح أننا نحمل آثاره علينا.. لكننا نحبه، ولا أعتقد أننا نستطيع مقاطعته.. وهذا سيؤدي بنا إلى عقد معاهدة ما معه.. لا بد أن ندقق في بنودها بما يحقق العدل، والتكافؤ في المعاملة، ويصون حقوقنا..

وعلى سبيل المثال.. يمكن لعدد من مدرب الكلاب (سنتولى نحن التدريب والإعداد) العمل (وفق عقود) مع البشر.. في البيوت والحقول.. والشرطة والإنقاذ ومطاردة المجرمين.. وغير ذلك من المجالات.. ويمكن الاتفاق معه على الأجر (كمية من الطعام توزع بنسب عندنا، فيأخذ الكلب العامل حصة معتبرة، ويعود الباقي لمؤسسات الدولة)..

أما مشكلة اللغة بيننا وبينه.. فلابدّ من إيجاد حل لها.. وقد يساعدنا التطور التقني، خاصة في الحاسوبات على إيجاد لغة مشتركة، أو القيام بعملية الترجمة.. بما يساعدنا (كلينا) على فهم بعض، واحترام كل طرف لحقوقه وواجباته المنصوص عليها في المعاهدات والاتفاقات..

كثيرة هي التصورات التي راودتني في حلمي الأكبر.. حلم العمر.. فدخلت متاهات، وناقشت تفاصيل وأفكاراً إبداعية.. واختلقت عوالم سرمدية لكلابنا، ومنشآت، ومنظمات، وأعمالاً، وأنشطة.. وأبحرت في ثقافتنا.. التي تحتاج الجهد الكبير.. لأن الثقافة وعاء المجتمعات، قاعدتها، وعصب الإبداع والإنتاج فيها..

فرسمت الخطوط العريضة لوسائل التعليم، ودراسة تاريخ الكلاب وإنجازاتهم، وصفاتهم، وأخلاقهم، وعطاءاتهم.. ولأساليب التدريب الذي يجب أن تتجاوز مجالات إعداد الكلاب لخدمة البشر، أو الدفاع والقتال.. إلى ميادين منتجة وضرورية.. بما في ذلك تربية الأولاد ورعايتهم، والتقشّف في الأكل والاستهلاك، ومحاربة المظاهر والتبذير والأنانية الفردية.,. وحب التملك البغيض، واختراع أكلات جديدة، والبحث عن مصدر للغذاء.. ثم التركيز على فرق الغناء والرقص والأعمال البهلوانية.. للترويح عن النفس.. كحاجة ضرورية للكلب كي يعمل أفضل، ويواجه الحياة بروح متفتحة، باسمة..

أمور عديدة لونتها بأحلامي الزاهية.. فارتسمت لي لوحة رائعة: هي عالمنا القادم..

ومن جهة أخرى.. كان وضع سادتي يؤلمني.. إنهم يعيشون مأساة كبيرة.. فكيف لكلب مثلي أن يتخلى عنهم وهم في أسوأ وضع؟ وهل من شيمة الكلاب عدم الوفاء؟

لقد كانوا طيبين معي، لم يقصّروا على العموم، في واجباتهم نحوي.,. فهل أخون ثقتهم بي وأهرب؟ هل أشوّه سمعة بني جنسي وإنجازاتهم وتاريخهم الناصع وأنا الذي أصبحت أحد رموزهم.. فأتسلل تحت جنح الظلام كمذنب، أو مجرم؟

كنت نهباً لوقع المأساتين.. المتناقضتين.. ذلك أن مصلحتي الخاصة تقتضي التعجيل بتنفيذ خطة الهرب كحل وحيد لافتراقنا.. وبالوقت نفسه فإن أوضاع سادتي تفطر القلب.. وتدعوني أن أكون لجانبهم.. فماذا أعمل؟ وأي حالة يعيشها سجين نفسه وضميره وواجبه؟؟.

          

وحدثت المواجهة

بطبيعة الحال الكلاب لا تنام ليلاً.. وإن هدّها التعب فعليها أن تبقى متيقظة تحسباً لأي طارئ ما.. حتى وإن كان بمستوى وقع قدم على الحدود المحرمة (هي البيت وحديقته) فكيف لكلب قلق، مفجوع، متألم أن يعرف النوم؟

ما زلت أذكر تفاصيل تلك الليلة المشؤومة وكأنها صارت بالأمس.. كنت ليلتها في أوج اضطرابي بحثاً عن مخرج لأزمتي الخاصة. وواجباتي نحو سادتي.. ويبدو أن إجهاد الأعصاب قد أفقدني جزءاً من اليقظة، فلم أحسّ بشيء غير طبيعي.. هكذا خمنت وأنا أعاني من اضطراب في رأسي..

وفجأة شممت رائحة غريبة.. وكأنها سهم اجتاحني بسرعة خاطفة.. تلفّت حولي فما رأيت شيئاً..

شككني ذلك بحاستي.. ماذا أصابك يا شفق؟ هل فقدت قواك وأحاسيسك فصرت لا تميّز؟.

في تلك اللحظة.. رأيت ظلاً، أو شبيهه نفذ من باب البيت المطلّ على الحديقة.. وأغلق الباب عليه..

يا لهولي.. أيحدث اختراق بوجودي؟؟

خلال ثواني كان صوتي يسبقني، أو سبقت قفزاتي صوتي (لا أدري) كنت على الباب.. لكنه موصد.. والظلام دامس داخل البيت.. بما يعني أن سادتي لم يسمعوا صوتي، أو لأنهم اعتادوا عليه لم يحركوا ساكناً فظللت الأنوار مطفأة..

وارتعش بدني.. والخوف عليهم يقهرني..

ليس من وسيلة سوى شباك المطبخ الذي يفتح باستمرار..

عالٍ هذا الشبّاك اللعين.. فمن أين أصله.. والوقت قاتل؟..

جريت بكل قوتي قبالة الشباك بأمتار ليساعدني ذلك في قفزة عالية تمكّني من الدخول.. وبقفزة كلبية نادرة (تدربت على مثيلاتها) كنت ملقى على طاولة المطبخ.. وألم السقوط ينخزني..

ولكن لا يهم..

ركضت بأقصى سرعتي نحو قاعة الاستقبال.. فما شاهدت شيئاً.. لابد أن غرف نوم سادتي هي الهدف.. اتجهت إلى الطابق الثاني ونباحي الصارخ يرجّ في المكان.. فيردده من كل جانب.. لم أر أحداً في غرف الأطفال، وكانت تقع قبل غرفة سيدي وسيدتي.. فذعرت..

كان ضوءاً خفيفاً ينبعث منها، وأصواتاً هامسة تصلني وكأنها حديث خاص بين اثنين.. غرفة نومهما واسعة.. تبدأ بردهات، ومشلح، وطاولة زينة، وحمام خاص.. ثم ممر صغير.. فالفراش.. وشممت الرائحة القوية لغرباء متسللين.. إنهم في الممر المؤدّي إلى فراش النوم.. اثنان.. وليس واحداً.. ماذا يفعلون هنا؟ وماذا يريدون؟..

لا أدري أية قوة خارقة اجتاحتني وأنا أطير في قفزة هائلة.. أسقطت أحدهما أرضاً فيها، وتوجهت للآخر مهاجماً.. فدوّت رصاصات شعرت أنها أصابتني.. ولكن المهم تجريد المجرم من سلاحه.. أمسكت يده بفكّي القوي وهززتها بشدة.. فسقط المسدس.. وقد ارتجّ خصمي فمال جانباً.. بينما حاول الساقط على الأرض النهوض وتوجيه مسدسه نحوي.. فعالجته بهجمة خاطفة قلبته.. فأبعدت عنه المسدس وأحكمت فكي على رقبته.. كان بإمكاني تهشيمها.. لكننا تعلمنا في التدريب أن نكتفي باستسلام العدو وليس بقتله..

استفاق سيدي وسيدتي مذعورين، واتجها نحونا.. وبيد سيدي مسدس كبير.

كانا مذعورين، مذهولين.. كيف لا، وهذا الذي يحصل في غرفة نومهما.. جسدان ضخمان مستلقيان على الأرض .. ودم منتشر على البلاط.. وقد تناثر بعضه على الجدران..

أشهر سيدي مسدسه ووضعه على رأس الآخر، بينما كنت ما أزال ممسكاً بغريمي.. واستفاق الأولاد والخدم.. فهرعوا جميعاً إلى حيث نحن.. وأصوات صراخ وعويل.. بينما كانت سيدتي تحضر حبلاً لتقييد المجرمين..

كيف أصف لكم هذا المشهد الغريب.. وقد أخذت أشعر بآلام مبرحة أسفل البطن،، وأحس بشيء رطب، بارد يسيل مني، وهن يتسرب إلى مفاصلي..

تحسّس سيدي المجرمين.. فما زالا حيين.. ودماؤهما لا تنزف.. ولعله تساءل عن سر الدماء المتناثرة فتأكد أنها دمائي.. فجرى نحوي يجسّني.. وسرعان ما اكتشف السرّ.. وبأعلى صوت صرخ: مجيد.. أسرع وخبر الإسعاف.. وأنت يا عادل جئني بالضمادات والمطهر..

خلال دقائق كانت الشرطة تملأ البيت والحديقة فاقتادت المجرمين إلى مصيرهما.. بينما حملتني سيارة الإسعاف إلى المستشفى حيث أجريت لي فيها -على الفور- عملية جراحية انتشلت فيها رصاصة دخلت أحشائي.. واستلزم الأمر مكوثي نحو عشرين يوماً طريح فراش المستشفى.. حين أخذ مخططي بالهرب يفلت مني.. وكأنّ القدر رسم لي طريقا آخر..

          

على هامش الحدث

لن أحدثكم عن احتفاء سادتي بنجاحي في إنقاذ حياتهم، واهتمامهم المضاعف بي، وتلك العناية الفائقة التي عرفتها منهم.. ببساطة: اعتبروني واحداً منهم، جزءاً عزيزاً من العائلة..

إبهام كبير لفّ محاولة اغتيال سيدي.. وهو مقصود لطمس الحقيقة وتغييبها. وبحجة أن الجناة لم يعترفا بالجهة التي أرسلتهما.. قررت جهات التحقيق المختصة، التوقف عند محاولة (إجرامية) للشروع بالقتل وحكمت على المجرمين ببضع سنوات سجن.. ولا غرابة إن كانوا أحراراً طلقاء..

تبيّن أن المجرمين ليسا عاديين،، فهما محترفان بالتصفية والاغتيال (مرتزقة) وسجلهما طافح بالجرائم، وما من شك أن جهة معادية -حاقدة- كلفتهما بهذه المهمة القذرة، وهي جهة رسمية، ممن يضمرون العداء لسيدي. ولهذا عتّم على التحقيق ثم طوي كما أشرت.

كما عرفت أنهما قاما،، قبل اقتحام المنزل،، بإطلاق رائحة قوية من جهاز خاص (عن بعد) لإيقاف حاسّة الشم عندي، وإضعاف نظري، وهذا ما يفسر تلك الحالة الاضطرابية التي داهمتني، ومنعتني من اكتشاف تسللهما، أو رؤيتهما.

لكن شيئاً خارقاً حدث عندما اجتاحني سهم رائحة غريبة قادني إلى رؤية المجرمين في اللحظة الأخيرة.

لم أكن أعرف أن إجرام البشر يصل إلى حدود القتل العمدي المبرمج والمخطط، لمجرد وجود خلافات سياسية بينهم.. وهاهم يضيفون جديداً نوعياً لقاموسي عنهم..

تباً لهذا النمط من الناس الذي لا يحرّم شيئاً، بما في ذلك هدر الحياة وإنهاؤها بدم بارد.. ولماذا؟ لماذا هذا التقاتل والتطاحن؟ وهل يصل هذا الحدّ الرهيب؟ وماذا يبقى بعد؟..

بالطبع لست سياسياً، أو ضليعاً بفنون المناورات والتحايل، والصراع والتناقض.. ويصعب على كلب مثلي استيعاب هذا الذي يجري وأهدافه..

لم أك، حتى يومها، أعرف أن (انقلابا) أو تغييراً كبيراً قد حدث، وأن سيدي ممن استهدفهم.. فنحن الكلاب (بطيئو الفهم).. ولهذا احتاج الأمر وقتاً طويلاً لأعي ما حولي وما يدور (فوق).

          

عودة إلى مأساتي

مضى شهران على إصابتي، قضيتهما في المستشفى والنقاهة داخل المنزل.. فحظر عليّ الخروج، أو القيام بمهام الحراسة.. فكانت فرصة طيبة لتوطيد علاقتي مع أفراد العائلة جميعاً بما فيهم سيدي،، ولمعرفة القط مينو عن قرب..

كانت مأساة العائلة، ومأساتي وجرحي توحدنا، تصهرنا.. فالألم رغم عذاباته.. يطهّر النفوس، يقربها. ولم يكن بالإمكان معرفة شيء (عن فتنتي) وأبنائي الذين تحويهم في أحشائها..

سادتي مدركون لمحنتي.. فمظاهرها واضحة عليّ.. ولكن يبدو أنهم استسلموا لشيء أقوى، أو أن مصيبتهم الكبيرة جعلتهم كالسكارى.. "وما هم بسكارى" فاضطربوا، وعانوا.. وعشنا جميعاً أياماً عصيبة إلا مينو القط.. الذي بدا وكأنه الغريب لا علاقة له بما يجري، فعاش حياته كما كانت.. إنه الوحيد السعيد فينا.. الوحيد الذي يمرح ويلعب.. ينط، ويشط، ويخرمش، ويصدّعنا بموائه خاصة إذا شاهد قطة ما- أية قطة- تسير في الحديقة، أو الجوار (صارت القطط تتجرأ وتتجول في حديقتنا لأني غائب عنها).

وتماثلت للشفاء.. فعدت إلى مكاني وبيتي في الحديقة، أمارس يومياتي المعتادة.. وصورة حبيبتي لا تفارقني.. وكيف لي أن أنساها.. وهي نبض القلب..

وإذا ما تراخت فكرة الهرب بفعل ما جرى.. فإن صورة (فتنتي) تسكنني. وما غابت.. حتى عندما كنت أهذي أثناء العملية أو فترات علاجي ونقاهتي، على العكس.. فالآلام تقربك من الحبيب، تغرسه فيك جذوراً تمتد إلى شرايينك، فتسري في الدماء، وتنبت صفاءً ونبلاً، وعشقاً، يسمو فوق الماديات والصغائر.. وانتظرت فرصة أشاهدها فيها.. وعلى الأقل أطمئن إلى وضعها فكانت مصيبتي الكبرى..

تجرأت (منى) وقد أحسّت ما أعانيه، فركبت المخاطر وقررت إخراجي في مشوار لاختراق منطقة الحظر المفروضة علينا (بيت الحبيب) فغمرني فرح خائف، قلق يخالط خطواتي، ويصارع دقات قلبي المتسارعة..

اقتربنا -باحتراس- من سورهم.. فما شممت رائحتها بل وصلتني رائحة ذكورية غريبة.. صفعتني.. هل أتوهم؟ هل أضعف العلاج حاستي؟ هل بدلتها الأدوية فقلبتها؟

واقتربنا.. وكانت المفاجأة..

لا أثر لفتنتي.. إنه كلب شرس يسكن بيتها وكأنه عرفنا فحاول مهاجمتنا، ونباحه الخشن يمزّق الأذن.. فسحبتني (منى) بقوة.. وقفلنا عائدين.. ودمع كئيب يرصف طريقي، فيشكل غشاوة تثقل رؤيتي.. فاصطدم بمنى تارة، وبجذوع الأشجار تارة أخرى، فتشاركني تعاستي، فتحضنني وتبكي..

آه.. يا زمن.. ضاع الأمل.. وتفتت القلب.. وماذا بقي لك ومنك؟..

وتكدّس الحزن في بيتنا.. وكأننا في مأتم (أليس فقدان رفيقة العمر نوعاً من الموت؟)..

كانت العزلة ملجئي وهواياتي.. فاتخذتها مسكناً.. وانطوت الأحلام، وغابت.. وجاءت الكوابيس بديلاً ثقيلاً يقضّ مضجعي..

يقولون إن الزمن يطوي الأحزان فيخففها.. ويصغرها حتى التلاشي.. وإن الحياة ستأخذ مجراها..

ربما كان هذا صحيحاً للبشر أو بعضهم.. أو لمعظم الكلاب.. لكن مأساتي ظلت تعيش معي حتى اللحظة.. جرحاً نازفاً.. وأملاً ضائعاً...

لقد مرّت سنوات وسنوات.. عرفت فيها بعض الكلبات، وشهدت أحداثاً شتى.. وشاخت العواطف، وخبا وهج الاندفاع.. لكن فتنتي وما حملت في أحشائها.. ظلّت نبضي، فردوسي المفقود، مأساتي المتجددة..

وعرفنا -لاحقا- أن سيدها.. قرر- نكاية بنا- استبدالها بكلب.. فسيقت إلى مالك جديد لم أعرف عنه شيئاً.. وهاهي سنوات مديدة تمضي دون خبر عن (فتنتي) وأولادي..

          

علاقتي مع القط (مينو).. وحوار ساخن معه..

كنّا (الحيوانين) الوحيدين المعتمدين من سادتنا.. لكن الفروق كبيرة بيننا في المهام والمواقع..

-مينو- هرّ بيت ينام بداخله.. فيتخذ أي مكان لبيته (كما يشاء).. ولو كان ذلك في فراش السادة.. أما أنا فالحديقة مسكني، والأرض فراشي، والسماء غطائي.

- مينو- لا عمل له البتّة سوى تسلية نفسه واللعب مع الأولاد.. أو مطاردة فراشة، أو حشرة أو طائر.. وإن صادف واصطاد فأرة (وهي من المرات النادرة) فلصالحه..

-مينو- لا يحب سوى ذاته،، وأشك إن كان يحب أحداً آخر.. إلا لمصلحته.. بينما حب البشر فينا أصيل..

لم أشأ، مذ أقمت عند سادتي توتير العلاقات معه، وإيصالها إلى مرحلة القتال.. كانت وصية أمي محفورة في أعماقي.. والتي تدعونا إلى عدم إيذاء القطط، ومحاولة مصاحبتها، إن أمكن..

ومذ رأيت (مينو) أحببته -رغم خبثه- فهو ظريف، جميل.. يحسن اللعب والمواء.. فعملت على إقامة هدنة معه.. كحد أدنى.. يمكن الانطلاق منها إلى علاقة طيبة..

كان متقلباً، مغروراً، جارحاً أحياناً، ومزعجاً أحياناً.. وإن لم يخلُ من طيبة ظهرت في عدد من المرات التي كنت أعاني فيها وضعاً عصيباً..

سخر بي مراراً.. ومن قيدي، ولعابي، وصوت نباحي، وطريقة أكلي.. فعمد إلى تقليدي بأسلوب ضاحك.. كنت أنزعج أحياناً وأستثار.. ثم تعودّت عليه، بل وجدت في حركاته بعض تسلية..إلا في حالات قليلة..عندما يصل تأزمي إلى حالة الانفجار.. حينها.. فإن صوت ذبابة أو بعوضة يستفزّني.. فكنت أحذره.. وأنذره، وأكشّر عن أنيابي.. فيهرب،، وفي عدة مرات كدت أرتكب جريمة قتله.. لولا ضبط أعصابي في اللحظة الأخيرة.. بل حدث وصفعته مرتين.. فراح يبكي في مواء تختلط فيه الحقيقة بالتمثيل.. لاستدرار عطف سادتي، وتأليبهم علي.

كنت مستعداً لتحمّل الكثير من سخرياته وتحرشاته.. فلا أعيره اهتماماً، أو أبتسم.. أو أتظاهر بالغضب.. كمحاولاته الدائبة لإيقاظي وأنا نائم، أو الخربشة وإحداث أصوات مزعجة لإقلاقي.. ورشّ التراب عليّ، القفز فوقي.. وغيرها كثير..

لكني لا أسمح بإهانة كرامتي، والإساءة إلى بني جنسنا.. وتكرر منه ذلك..

كان دائم المناداة لي: يا كلب يا ابن الكلب.. يا ابن الكلبة.. واعتبرتها -في البداية- أمراً عادياً لأنني حقاً كلب وابن كلب.. وكلبة.. لكن الإلحاح عليها، وفي مناسبات عديدة يكون فيها عدوانياً، ولئيماً.. جعلتني أفكر في خلفياتها.. إذ لابد أنها تخفي سبّة ما، أو إهانة.. أو شيئاً لا أعرفه..

وسمعت هذه التعابير وأمثالها من سيدي عندما كان يغضب من خدمه ويضربهم.. فيصرخ بهم: يا كلاب.. يا أولاد الكلاب.. بل حتى الصغار ألفوا استخدامها مع بعضهم عندما يتشاجرون..

إذا هي شتيمة كبيرة؟. وماذا فعلنا حتى يكون اسمنا عاراً أو إهانة؟..

وفي أحد الأيام.. وكنت في ذروتي آلامي.. وحبيبتي قد غابت دون أن أعرف شيئاً عنها، وعما في أحشائها.. جاءني (مينو) يريد قضاء الوقت (وقته فارغ كله لأنه عاطل عن العمل).. وبدأ حركاته التحرشية المعتادة.. فحاولت إبعاده، وإشعاره أني منزعج... فلم يأبه.. فصفعته براحة يدي صفعة خفيفة.. حولته مباشرة إلى كاسر، حاقد، فانهال سباباً وقدحاً.. لم يوفّر أمي وأبي، وجنسنا.. فأمسكت به وقد تأجج حنقي.. ثم تراجعت.. وأنا أكلم نفسي..

أذهب.. فأنت هرّ انتهازي رخيص..

- انفجر مينو.. وهو يصرخ: أنا انتهازي ورخيص؟ فمن تكون أنت إذاً؟ أنك وجنسك أحطّ الحيوانات.. عارها وشنارها وصدر احتقارها..

- أنا أيها المصلحي، الأناني الذي لا يهمك، وأبناء جنسك سوى تلبية احتياجاتكم، وتقديس فرديتكم؟.

 مينو: نحن أحرار، قرارنا مستقل لا نقبل أبداً أن نخضعه لأحد.. كائناً من كان.  أما أنتم فخائفون خاضعون.. أذلاء..

- أنتم لا صديق لكم، لا تعرفون معاني الوفاء، والإخلاص، والصدق، ورد الجميل..

السادة يربونكم في بيوتهم، يطعمونكم ويشربنكم ويحممونكم.. ويدللونكم أكبر دلال، وتعيشون في غرفهم، وأسرتهم أحياناً، تتظاهرون بالودّ، واللطف، تقبّلون الأرجل، تتمسحون لأجل لقمة.. وقد تقضون سنوات مع عائلة.. وبلحظة واحدة تنسون كل شيء.. إذا ما رأيتم قطة شاردة تطاردها قطط شبقة.. أو إذا أخذتكم عائلة أخرى..

وإن عدتم.. فالسبب الوحيد: البحث عن الطعام والمأوى والمكان المريح.. ولا شيء آخر..

مينو: لقد دخلت مناطق محرّمة.. محاولاً التجريح أو الإساءة.. وإني أعذرك.. لأنك وجنسك أغبياء، عبيد.. نحن لسنا ناكري جميل.. لكن حريتنا هم الأهم، وقد حافظنا عليها طوال تاريخنا، ولا يمكن أن نساوم فيها..

قد نظهر نوعاً من المجاملة للبشر، وقد نتمسّح بهم، ونداعبهم، ونسليهم.. وأشياء كثيرة نقوم بها.. ولكن ذلك أسلوبنا في الإبقاء على حياتنا، والحفاظ على مساحة استقلالنا.

- أي إنكم تضحكون على البشر...

منيو: سمّه ما شئت. المهم أننا لم نتحوّل إلى عبيد..

- ما تسمّيه عبودية هو تعبير عن أصالتنا، صدقنا، وفائنا.. وهي صفات اشتهرنا بها عبر التاريخ.. فأصبحنا مضرب المثل.. إننا نحبّ البشر، نصدق في تعاملنا، يأسرنا من يقدّم لنا خدمة فنقابله بمئات. لا نعرف الكذب، والجحود.. نضحّي لتجسيد وفائنا.. ونقوم بمهمّات جليلة للإنسان.. أدّت إلى ازدياد حاجته إلينا، بل لم يعد يستطيع الاستغناء عنّا..

مينو: أنت تقلب الحقائق، تزيّن الضعف والتخاذل.. لقد أطلقوا كذبة كبيرة عليكم وصدقتموها.. فاستثمروكم بها، وتحوّلتم إلى تبّع، ذليلين.. تخدمون دون كلل.. وتتصارعون بذل.. وكأن لا كرامة عندكم..

- نحن مختلفون في الجوهر، في المفاهيم ومداليلها، فما تعتبره ذلاً وانصياعاً.. نراه نحن وفاءً وإخلاصاً..

إننا جنس يأبى أن يأخذ ولا يعطي، والمبادئ عندنا حرمات مقدسة لا نقبل اختراقها مهما كانت الظروف والصعاب.. جنسنا يتعذّب، ويتألّم، ويعاني قهر الإنسان وعقوباته وأمزجته وجنونه وإجرامه.. ومع ذلك، ومهما وقع علينا من عسف وجور وحرمان.. فإننا نتمسّك بمبادئنا وثوابتنا، ونرفض أن نكون انتهازيين، دجالين..

مينو: على فكرة.. وأنت تشيد بمناقب الكلاب، ودورهم، وحاجة البشر إليكم.. فسّر لي.. لماذا إذا أرادوا توجيه شتيمة كبيرة لأحد ما.. إهانة.. وما هو أكثر يقولون: يا كلب.. أو يا ابن الكلب؟

كيف يمكن أن يحبوكم ويحترموكم –كما تقول- وبالوقت نفسه يقترن اسمكم بأبشع الأوصاف، وأقذع السباب؟

(مينو أصابني في وتر حسّاس.. نعم طالما فكرت في هذه المفارقة المذهلة.. فالبشر يحتاجون إلينا، يشيدون بدورنا، وخصالنا.. حتى صارت كلمات: الوفاء والإخلاص والصداقة مقرونة بنا.. وفي تاريخنا شواهد عملاقة عن الإيثار والتضحية والشجاعة.. خلّدت من قبل البشر.. فأقيمت النصب والتماثيل لكلاب أبطال.. ووزّعت الأوسمة والنياشين والألقاب والمكافآت على آلاف الكلاب نظير ما قامت به من أعمال جليلة..

وبالمقابل.. فإنهم إن أرادوا احتقار أحد ما، أو توجيه الإهانة له نعتوه بـ "كلب.. وابن كلب".. حتى صار مجرد تعبير كلب يساوي –هنا- أحطّ الأوصاف.

أي ازدواجية هذه؟ وأي تناقض صارخ لدى البشر؟ ومن نحن عندهم: الأوفياء، الصادقون.. المخلصون.. أم ماذا؟.. خصوصاً وأنني لا أعرف حتى الآن، وجه الإهانة والسباب والاحتقار في كلمة كلب.. إذ ليست لدينا مواصفات أو ممارسات معيبة، مخجلة.. مذلّة، وإذا كان التعبير يستخدم لأننا مجرد حيوانات.. فجميعنا مخلوقات.. هناك آلاف الحيوانات غيرنا.. فلماذا نخصص نحن للسباب؟ (نسيت في غمرة اندفاعي ذكر الحمار أيضاً، وبنسب أقل البغل).

فكّرت ملياً في الأسباب، وسألت أصحاباً وأصدقاء.. فما وجدت جواباً شافياً.. وكنت أخمّن (لعله الوفاء يتحوّل بنظرهم إلى تبعية.. والصدق إلى خضوع، والإخلاص إلى ذل.. فاختلط لديهم هذا بذاك!!).

وعدت إلى مينو.. وسحابة الأفكار المتلاطمة ثقيلة على رأسي.. محاولاً التوضيح والتبرير..

الإنسان يقصد بذلك جميع الحيوانات، ولعله يخصّنا، وغيرنا بالذكر، لكثرتنا، وقوة حضورنا..

(مينو بخبث): نحن حيوانات أيضاً، فهل سمعت بشراً يسبّ آخر فيقول له: يا قط يا ابن القط؟!

- أنتم أصغر من أن تذكروا في التعامل..

مينو: يا لك من غبي.. إذا كان السبب كما تقول، فلماذا لا يَرِد اسم الفيل، أو الحصان؟..

- الحمار يرد كثيراً.. والبغل أحياناً..

مينو: الحمار.. (ويقهقه مينو) طبعاً.. لأنه مثلكم، بل أكثر غباء منكم.. أما البغل فيذكر بنسبة قرابته للحمار.. فهو ابن حمار أو حمارة.

- الحمار مظلوم كثيراً، بل إنه أكثر الحيوانات التي وقع عليها جور الإنسان..

مينو: لأنه حمار.. والحمار كما تعرف: رمز الغباء..

- الحمار ليس غبياً.. بل البشر هم الذين لم يفهموه، فتصوّروا تصرفاته غباءً.. وهي ليست كذلك..

مينو: الكل يجمع، حتى نحن، على أنه أغبى الحيوانات، وأكثرها تخلفاً، وضعف ذاكرة.

- هذا ليس صحيحاً.. إنها صورة شائعة مغلوطة، قامت على مزاعم افتراضية نسجها الإنسان وعممها، ثم صدّقها (مثلما فعل في اختلاق أكاذيب كثيرة صارت جزءاً من ثقافته المنتشرة).

الحمار أكثر الحيوانات صبراً، وتحمّلاً، وعملاً.. بل وذكاءً.. إن عالمه الداخلي خاص جداً لا يفهمه غير بني جنسه فما ذنبه.. إذا كان الإنسان (أو غيره من الحيوانات) عاجزاً عن فكّ ألغازه الداخلية، ومعرفة حقيقة تصرفاته.. ولو كان غبياً.. لما كانت مساهمته في حضارة البشر..

مينو: إنك تحوّل النملة إلى فيل، وتختلق أشياء لم أسمع بها من قبل.. الحمير.. أو الجحاش (يا مغفّل) غبية، محدودة التفكير، وأشك أن رأسها الكبير يحتوي غير ذرات صغيرة من العقل.. وأكبر دليل.. أنها، وهي تعامل هكذا، قابلة، خنوعة..

- القبول والخضوع.. شكلان لخلفيات مغايرة.. الحمار حيوان جلود، عرف البشر وأنانيتهم، ومحدوديتهم في فهمه.. فآثر الصمت والتحمّل.. بل لماذا لا ترى في تصرفاته قمة الكبرياء، وأقصى حالات الاستهزاء بالآخرين.. ولابد أن تسأل نفسك بعمق: من يضحك على من؟

مينو: شيء مضحك بالفعل ما تذكره.. من يضحك على من؟ كنتُ أظنك أقل غباءً (يا صاحبي) وإذ بك أكثر (حمرنة) من أبأس حمار..

- لي الفخر أن تصفني بالحمرنة.. لأن أموراً مشتركة عديدة تجمعنا..

مينو: وماذا يجمعكم غير الغباء؟

- رددت كلمة الغباء كثيراً، وأنت تعرف، وغيرك يشهد، أن الكلاب من أذكى المخلوقات. ذلك موثّق ومعروف ولذلك لم أعر اهتماماً لتكرار اتهاماتك لنا بالغباء.

إننا نفرّق بين الذكاء والخبث، بين الوفاء والانتهازية والمصلحية.. فهل أنت أذكى؟ وإن لم تصدّق.. فماذا أجيب قطاً أميّاً.. لا يعرف أبسط ما تنشره الإحصاءات والدراسات!!.

نعم.. المشترك كثير بيننا وبين الحمير.. إذ نقف شامخين في سجّل الحضارات الإنسانية.. وفي الإخلاص، والعمل، والتحمّل..

لقد أسهم الحمار بدور بارز في بناء هذه الحضارة التي تشهدها.. وما تبقى من آثار تشير بوضوح إلى ذلك الجهد الخارق الذي قام به لإشادتها.. تراه في الأهرامات والمعابد والكنوز الأثرية.. في رصف الطرق وتعبيدها، في بناء البيوت والخيم.. في المزارع والحقول والمعامل.. في الدروب الوعرة، ومسالك الجبال وشعابها.. وعلى ظهره القوي قامت تلك الحضارة.. وتواصلت..

مينو: على رشدك أي دور هذا.. إنه مجرّد ناقل، حمار يحمل..

- يصعب عليك أن تفهم.. فلولا الحمير.. (دون غيرهم) هل كان يمكن للإنسان أن يطوّر وسائله؟ أن يبني (ولك أن تتصوّر فقط كم من آلاف أطنان الحجارة والأتربة حملها على ظهره.. فقط في هذا المجال) مع ذلك فإنه أكثر من ظلم.. ولم يعط حقّه..

نحن أيضاً أسهمنا بدور كبير في مساعدة الإنسان، وحمايته، والدفاع عن وجوده وممتلكاته.. ووقع علينا ظلم مشابه..

لكن مع ذلك، وخلافاً لطبيعتكم الجاحدة.. فإننا نظل متمسكين بمبادئنا وأصولنا، لا نبيعها، أو نتنازل عنها..

مينو: افرح –يا صاحبي- بمبادئك.. التي أودتكم إلى هاوية العبودية والضعف..

- لسنا ضعفاء.. والعبودية لها مفهوم خاص عندنا (داخلياً كنت أوافقه على بعض ما يعنيه) إنها علاقة تبادلية مع البشر، عهد قطعه الأجداد على أنفسهم.. فالتزمنا به وحفظناه..

مينو: هكذا جنسكم.. لن تتغيّروا.. حتى وإن مسختم إلى فئران..

- سنبقى كلاباً، وستظل صفاتنا عناوين للبشر، أمثلة يقتدون بها..

مينو: نعم ستبقون كلاباً وأبناء كلاب.. لعنة بشرية أبدية..

- نحن فخر للإنسان.. وليس لعنته.. والدليل تكريمنا الدائم، وازدياد الحاجة إلينا..

مينو: حاجة الاستغلال.. فيضحكون عليكم ببعض العَظم، والمداعبات، والأوصاف والنياشين.. لكي يمتصّوا دماءكم، ويجعلوكم أكثر طواعية كلبية لا تعرف إلا المزيد من الانصياع والاستجابة لما يريد..

(لم يكن بإمكاني إعلامه بأفكارنا الثورية، وحواراتنا فيما بيننا، وطموحاتنا في بناء مجتمع كلبي مستقل. فالقط لا يؤمن جانبه.. لأنه غدّار نكّار..)

قلت له: شواهدنا تدل علينا.. وعلاقة الإنسان بنا (رغم بعض الملاحظات) أبدية.. بل هو الذي يحتاجنا وليس نحن.. وقد كرّمنا مراراً..

مينو: بماذا كرّمكم؟

- الأدلّة كثيرة.. ألم تسمع بقيصر روسيا الذي أقام مدينة باسم كلبه تخليداً له ولجليل أعماله، وعدد آخر من القياصرة الذين أطلقوا أسماءنا على الشوارع وبعض القصور.. بل إن نابليون ذاته خلّدنا بما تركناه من أثر حزّ في نفسه.. عندما ذهل لوفاء كلب ظل يحرس قبر صاحبه ولا يفارقه حتى مات.. فأمر بدفنه إلى جواره..

مينو: إنها ألاعيب للضحك عليكم.. تصدقونها.. فتزدادون تبعية وخضوعاً..

- يستحيل أن تفهم معاني الأصالة والوفاء والإخلاص لأنها غير موجودة عندكم، وفاقد الشيء لا يعطيه.. ولهذا من العبث الحوار معك..

مينو: الكلب كلب.. أما سمعت المثل الذي يتداوله البشر عنكم: ذيل الكلب أعوج ولو وضعوه في مئة قالب..

آه بجنسكم اللئيم، الذي لا يعرف معاني الخير، ومساعدة الغير، ولذة التضحية والإيثار.

إنكم، معشر الهررة، غدّارون، ذاتيون، ليس للقيم مكانة عندكم. كل شيء يهون في سبيل تحقيق مصالحكم، وليس غير مصالحكم..

مينو: نحن نعرف "من أين تؤكل الكتف" هكذا هي الحياة التي لا مكان فيها للأغبياء والبسطاء.

إن فهم البشر جيداً (وقد خبرناهم) جعلنا لا نطمئن إليهم.. حتى وإن غمرونا بالكلام المعسول، ومظاهر اللطف، والحبّ، والحنان.. إنها اسقاطات مشاكلهم، تقلّب أمزجتهم، عقدهم وأمراضهم.. تدفعهم لاقتنائنا.. وليس حباً فينا.. وقد وعينا مقاصدهم منذ قرون، فتوارثنا الحذر جيلاً بعد جيل..

ماذا أقول لك أيها الطيب.. عن شرور الإنسان وبطشه فينا.. يكفي أن تسير في أي شارع آخر الليل لترى جثث القطط منتشرة فيها بفعل الإنسان، ونزوعه للقتل.. ولا أريد أن أستعرض معك قصص آلاف.. آلاف القطط التي شرّدت، وقتلت، أو قلعت عيونها، أو قطع ذيلها.. وأذنابها، وبُقرت بطونها وهي حامل..

تصوّر.. أن بعضهم، حتى الأطفال، كان يضع بنزيناً على قطة ويشعل فيها النار.. فتجري المسكينة.. وهو يضحك.. إنه يتسلّى.. بأرواحنا..

هل أحدثك عن المنع والقمع والتشريد، والاغتراب.. عن سجون القطط وتعذيبها، عن المجازر التي ارتكبت ضدها، عن توزيع أبنائنا.. عن مآسي تملأ مجلدات؟؟..

- لكنكم أنانيون.. إلى درجة أن الأم تأكل أبناءها لو جاعت.. فأي أمّ هذه التي تأكل أطفالها؟!.

مينو: هذا تشنيع مقصود.. مثل الذي حدث لكم.. الأم يستحيل أن تأكل أبناءها جوعاً.. وأنت تعرف حبّ القطة لأبنائها، واستعدادها للموت في سبيلهم.. إنه الخوف عليهم يدفعها إلى تصوّر حمايتهم في جوفها..

- ربما.. معك حق.. ففي كلامك الكثير من الواقعية..

مينو: هل عرفت الآن لم لا تأمن القطط لأحد؟ ولماذا لا ترهن حريتها واستقلالها لمخلوق؟ وأسباب تمسكنا بذاتنا، وهويتنا، وشخصيتنا، واضطرارنا لاستخدام التكتيك لتحصيل ما نريد؟

هل فهمت الآن لمَ لا يستحق الإنسان التضحية والإخلاص؟

- نعم فهمت.. لكن خصائصنا مخالفة، وطباعنا، ومفاهيمنا، وهذا ما يضعنا في موقفين متناقضين. راجياً ألا يكون ذلك سبباً لخلافنا.. إذ بالإمكان أن نكون أصدقاء عندما يفهم كل منّا الآخر، ويصرّ بتكوينه، وسلوكه.

مينو: نعم هذا ممكن.. ولم لا نكون أصدقاء.. فما يجمعنا أكبر بكثير مما يفرّقنا.

          

يتبع