أيها الصمت ترحل

خديجة وليد قاسم

خديجة وليد قاسم (إكليل الغار)

كم قلت لهذا الصمت أن يتركني و شأني ..

كم التمست منه عتقي من إساره ..

كم توسلت إليه أن يمنحني لحظة حرية أتنسم فيها رواء و عبير الصرخة المدوية التي تشفي الغليل و تروي العليل ..

كم ذرفت الدموع باستكانة و رجاء

كم وقفت في وجهه في تصميم وإباء ..

كم و كم و كم ...

عجبا لإصراره العجيب على مرافقتي و التشبث بصداقتي بل إنه بكل عناد و إصرار يترصدني في كل زاوية و طريق يقف مني موقفا كصديق لصديق

أتفلت منه فيعاجلني بتكميم فمي ، و تقييد قلبي الذي بات مكدودا من محاولات الهروب الفاشلة ..

 أركض متوارية عن ناظريه فيأسرني بلمسة من يديه

أصرخ عل أحدا ينقذني من براثنه .. فيطويني بين جوانحه

لست راغبة في صداقة هذا الصمت البغيض الملتصق بي رغما عني ..

لست راغبة في صداقته في زمن انقلبت فيه المعايير و المكاييل و تبعثرت على شواطئ الظلم المتجبر في العوالم المتقلبة ما بين الحقيقة والخيال

لست راغبة في الصمت ولا في الزمن الذي يحيا فيه هذا الصمت الزمن الذي  بات من يرفع صوته أكثر هو الإنسان النزيه الشفاف الصادق المصدّق .. الزمن الذي من اعتلى فيه منبر الصوت ، و أجاد التأشير و الصراخ و الهتاف و الادعاء .. يلقى الأحضان والاحتضان و الحب والغفران..

 في وقت يركل فيه الأيتام على موائداللئام لضعفهم و قلة حيلتهم .. لعجزهم و بؤسهم و تلعثم لسانهم .. في زمن الطيب فيه متهم معنف .. و الظالم الذي يلبس ثياب الحملان وديع حبيب منزه .. يركض الناس خلفه بهتافاتهم البلهاء التي لا يعون معناها و لا يدركون مرماها .. لأنهم غرقوا في حفرة الزيف الكاذب دون وعي أو تمحيص .. يطاردون أصحاب الأقنعة المزيفة المهرة في تبديل أقنعة باطنها الحقد والكره و ظاهرها ورود مزركشة موشاة بأبهى الحلل والألوان يطاردونهم  بتصفيقهم الأجوف حتى تتقرح الكفوف .. و تزهق اليد من ضرب الدفوف

أجل ترحل عني أيها الصمت القابع في زمن أصبح سوء الظن فيه شعارا .. و المظلوم فيه يذبح جهارا .. في زمن غذاؤه وساوس الشيطان و الإساءة للأحبة و الخلان .. في زمن أصبحت فيه بساتين المحبة دارا للبغض يسرح فيها الشيطان ويمرح ..يتسلى بقلوب جعلها ككرة بلهاء تتطاير بين يديه بكل سلاسة و يسر

 

أيها الصمت .. ترحل

أيها الصمت ترجّل

طال مكثي في العذاب

فإلام تتدلل

أيها الصمت كفاني

ظلم ليل قد حواني

من لظاه قد براني

أيها الصمت ترحل

قد سجنت الحب ظلما

و خنقت الحق زورا

و سحقت الورد جورا

أيها الصمت ترحل

سئم القلب احتضارا

و دموعا تتوارى

و عذابا يتمارى

أيها الصمت ترحل

زاد نوحي و الأنين

و تملكني الحنين

لكلام بيقين

أيها الصمت ترحل