الثورة السورية بين السقوط والقنوط، السبع العجاف
لابد من الإشارة بداية الى أن الثورة السورية هي جزؤ عضوي من ثورة / ثورات ( الربيع العربي ) ، التي كانت في بعدها القومي والوطني ، ثورات ( الحق على القوة ) و ( الخير على الشر ) و ( الإنسان على التكنولوجيا ) ، إنها ثورات الجماهير العربية على حكام سايكس ـ بيكو العملاء الذين نصبهم وسلطهم الغرب المتفوق تكنولوجيا على رقاب الشعب العربي منذ وعد بلفور وحتى يومنا هذا ، وذلك بواسطة ( جيوش ) شكلها ودربها وسلحها هذا الغرب ، وسلطها على رقاب الجماهير ، بعيدا عن أية ديموقراطية يمكن أن تفتح عيون هذه الجماهير على واقعها الأسود في ظل هؤلاء الحكام ، وتقربها بالتالي من صندوق الإقتراع ( الحقيقي وليس القائم على التدليس والكذب ) ، بوصفه السبيل الصحيح الى الحرية والكرامة والعدالة الإجتماعية والاقتصادية والسياسية .
لم يكن عام 2011 هو عام ثورات الربيع العربي وحسب ، وإنما كان أيضاً عام انطلاق الثورة / الثورات المضادة لثورات هذا الربيع ، حيث تحالف وتكاتف في إطار هذه الثورات المضادة لثورات الربيع العربي كل من الحكام العرب المستهدفين من الربيع العربي ، وجيوشهم الجرارة ( أو المجرورة ) ، والقوى الإمبريالية والاستعمارية التي اعتبرت أن استهداف عملائها إنما هو استهداف مباشر لها أيضاً . إن الانتصارات السريعة لثورات الربيع العربي في تونس ومصر وليبيا واليمن ، أقض مضاجع القوى الاستعمارية ومضاجع الحكام العرب الآخرين ومن بينهم نظام عائلة الأسد ، فتسارع الطرفان الى التكاتف والتحالف ، وكان عليهم أن يوقفوا ( دومينو ) هذا الربيع على الفور ، وكانت سوريا هي نقطة تلاقي هذين الطرفين ، الأمر الذي أسعد عائلة الأسد ، وسمح لها بأن ترفض اليد الممدودة التي قدمها لها ثوار ربيع دمشق وثوار آذار 2011 , بإجراء تغييرات دستورية وقانونية تعطي للشعب بعضا من حقوقه الديموقراطية المسلوبة ، ولا سيما حقه في الحرية والكرامة والعدالة ، ولكن هيهات ، فكيف تقدم هذه العائلة قيد أنملة من التنازل لصالح الشعب السوري ، طالما أنها ( عائلة الأسد ) قادرة على الإستمرار في السلطة دونما أي تنازل لمن يعتبرون أنفسهم ( الشعب السوري ) بينما تعتبرهم هي وحلفاؤها في الشرق والغرب ( إرهابيين ) وذلك فقط لأنهم يطالبون ب ( الديموقراطية ) .
إن سكوت ( الغرب ) وهو المالك والصانع والمستخدم الأول لتكنولوجيا القتل والدمار العسكرية ( بدءاً بصناعة الكلاشنكوف ، وانتهاء بتصنيع غاز السارين مروراً بالقنبلة الهيدروجينية والأسلحة النووية ) على كل ماجرى ويجري في سوريا منذ 18.03.2011 وحتى اليوم ، إنما هو تشارك صامت مؤلم ومؤسف ، في تدمير سوريا وإبادة مئات الألوف من سكانها ، وتهجير الملايين ، واعتقال عشرات الآلاف ، وبمن فيهم آلاف الأطفال القصر والنساء اللائي يمارس معهن في سجون بشارأبشع أنواع انتهاك القيم الإنسانية والأخلاقية وحقوق الإنسان ، وهو ما تشير إليه آرقام الشبكة السورية لحقوق الإنسان ( روزنة) في تقريرها الذي رصدت فيه انتهاكات نظام بشار الأسد في سوريا خلال سنوات الثورة السبع المنصرمة ( منذ آذار 2011 وحتى آذار 2018 ) والذي نقتبس منه الأرقام التالية :
217764. قتيلا مدنيا ، بينهم : 25726 أنثى ، و27296 طفلا ،
13152. تحت التعذيب ،
13,5 مليون مشرد قسريا ،
118829. قيد الاعتقال أو الاختفاء القسري
96480. برميلاً متفجرا
431 هجوما روسيا وسوريا بأسلحة عنقودية ( محرمة دوليا / م ز )،
212 هجوم كيماوي ( محرمة دوليا / م ز ) ،
129. هجوما روسيا وسوريا بأسلحة حارقة ( محرمة دوليا / م ز ) .
إن مارأيناه بالأمس في كل مدن وقرى سوريا ، وما نراه اليوم في الغوطة الشرقية ، انما يمثل - من وجهة نظر الكاتب - التحضيرات المسبقة التي كانت تقوم بها عائلة الأسد وشبيحتها منذ عام 1963 ، استعدادا لمواجهة الشعب السوري ، الذي كانت تعرف انه لن يسكت على ديكتاتوريتها ، ولا سيما بعد استيلاء ضباطها المحسوبين على حزب البعث ، على ثورة الثامن من آذار1963 (بعد تصفية الضباط الوحدويين و الناصريين ) ، ومن ثم على حزب البعث (بعد انقلاب 23 شباط 1966 على القيادة القومية للحزب ) ومن خلاله على الجيش ،( بعد استلام حافظ الأسد لوزارة الدفاع ) وأخيرا على الحكم عام 1970 (بعد أن تخلص من أكبر خصمين عسكريين له هما اللواءان صلاح جديد ومحمد عمران ) ، والذي ( الحكم ) ورّثه لابنه بشار عام 2000 م.
وكما يعرف القاصي والداني فإن هذا الإبن الوريث قد تنازل ( طوعا أو كرها ) عن هذه ( الورثة ) الطائفية ( الحكم ) بعد اندلاع ثورة الشعب السوري في آذار عام 2011 ، بداية لآية الله خامنئي و تابعه حسن نصر الله ، ولاحقاً لفلادمير بوتن ، حيث بلغ عدد ضحايا الممارسات غير الإنسانية وغير الأخلاقية ( الإنتهاكات فقط ) لهذا الحلف الرباعي غير المقدس ماذكرناه أعلاه من الأرقام المفجعة والمؤلمة .
لاننكر أن هذا التحالف الرباعي للثورة المضادة للربيع العربي عامة ، وللثورة السورية خاصة ، قد سجل انتصارات عسكرية ملموسة على الشعب السوري هذه الأيام ، وبالذات على المدنيين العزّل عامة وعلى الأطفال والنساء والشيوخ من بينهم خاصة ، ولكن ما ننكره هو أن يسمى البعض ذلك انتصارا لنظام الأسد الوراثي الطائفي على ثورة آذار 2011 السورية الوطنية ، التي تلخصت مطالبها ( من نظام عائلة الأسد ) منذ البداية وحتى اليوم بالحرية والكرامة ، أي عمليا وتطبيقيا ب ( الديموقراطية وحقوق الإنسان ) .
إن من يستعين بالقوى الأجنبية على شعبه لابد أن يفقد شرعيته يابشار بن حافظ الأسد ، ويتحول بالتالي اسمه من رئيس (الجمهورية العربية السورية) الى خائن الوطن ، ولن تستطيع لا (سوخوي ) بوتن ولا (ياحسين ) الخامنئي وحسن نصر الله، أن ينتشلاه من مستنقع الخيانة الذي وضع نفسه فيه ، ولا من أن يكون مصيره الحتمي ( مزبلة التاريخ ) ، إن لم يكن اليوم فغدا ، وإن غداً لناظره قريب .
الثورة لم ولن تسقط أو تقنط يابشار ويا بوتن ويا خامنئي ويا حسن نصر الله ، ذلك أن إرادة الشعب من إرادة الله ، و أن الحق أقوى من الباطل . ( وقل جاء الحق وزهق الباطل ، إن الباطل كان زهوقا - الإسراء 81 )، وأنه :
إذا الشعب يوما أراد الحياة فلابد آن يستجيب القدر .