ركيزة الحل السياسي في سورية ...

زهير سالم*

عصا الجد المسروقة : الجيش ...والأمن

زهير سالم*

[email protected]

الحل السياسي هو الصيرورة التي ينتهي إليها كل صراع داخلي يدور على الساحة الوطنية . والحل السياسي فيما نتصوره لوطننا هو إعادة نظم العلاقة بين مكونات مجتمعنا الواحد ، كما هو إعادة التأسيس لبناء دولة مدنية عصرية تشمل بظلها كل السوريين ، على قاعدة من المساواة والعدل الكاملين .

نعتقد ، على خلاف ما يظن بنا الشانئون أو المتربصون ، أن ثورتنا لو أحرزت نصرها العسكري ، وهي بإذن الله قادرة على ذلك ،  فإن هذا النصر لن يمنعها من السعي إلى الحل السياسي بل سيضعها أمام تحدي خيارها الثوري الأصلي : بناء الدولة المدنية الحديثة التي تقوم على كاهل  السوريين وبإرادتهم . الإرادة الوطنية الصادقة المعبرة عن ذاتها وفق أرقى المعايير السياسية المتوافق عليها عالميا .

إن المبادئ الأساسية للحل السياسي هي نفسها المبادئ الأساسية التي تنتظم علاقات كل المجتمعات ، والتي تقيم عليها كل الدول الحديثة بنيانها : مساواة في الأهلية الوطنية على أساس مدني يتجسد في المواطنة كقاعدة وأساس ، وعدل سابغ في الحقوق والواجبات . ورفض كامل لسياسات الإقصاء أو للطموحات في التميز والاستئثار . والثورة تعني أنه قد ولى عهد قانون الامتيازات ..

إن ( الجيش والأمن ) هما المؤسستان اللتان تملكان عصا السلطة وقوة الإلزام القهري ، هما نقطة الارتكاز الأساسية في بناء الدولة في عالمنا الثالث بشكل خاص ..

إن كل مؤسسات الدولة وأجهزتها وبناها بل وقراراتها هي رهن إرادة هؤلاء الذين يملكون هذه العصا السحرية ، عصا السلطة ، أو عصا الجد ، كما تصورها الشاعر التركي حكمت سلالمو ، العصا التي سرقها البعض ليقهر بها أبناء مجتمعه الآخرين ...

وإنه ليكفي للدلالة على أهمية ودور هاتين المؤسستين والتي تعتبر الثانية منهما ( مؤسسة الأمن ) منبثقة عن الأولى ؛ أن نذكر أننا في كل لحظة نسمع من يتساءل : هل بشار الأسد هو صاحب القرار في سورية أو أنه مجرد قناع لإرادة من ورائه من الأشرار ..؟!

أو أن نسمع من يتساءل كيف يرضى جيش وطني وأمن وطني أن يفعلا بأبناء وطنهما ما يفعل هؤلاء , بالأمس كانت السيدة آموس في مجلس الأمن تقول : نعرف أن ما يدور في سورية هو الحرب ولكننا نعرف أن للحروب قواعدها أيضا . في إشارة منها أن عصابات المؤسستين العسكرية والأمنية قد تجاوزتا في حربهم على أطفال سورية كل حد .

إن الثورة في سورية قامت ضد هذه العصا الغليظة التي سامت الشعب السوري رهقا على مدى نصف قرن ..

وإن التجاوز والتساهل في أمر هاتين المؤسستين هو نوع من الغرور أو نوع من التغرير ..

ولكي تحقق هذه الثورة أهدافها يجب أن تعود  ( عصا الجد المسروقة ) هذه إلى أصحابها الحقيقين . يجب أن يمتلك الشعب السوري وإلى الأبد الآلية أو الأداة أو العصا التي تعينه على حفظ ثورته أي حماية دولته ومجتمعه . إن التعويل على ضمانة الآخرين وتعهداتهم هو تعويل المرابين  والتجار والخليين والمغرورين . لا عاقل على ظهر هذه البسيطة يضع أمنه الوجودي وأمنه المجتمعي وأمنه الوطني بيد آخر كائنا من كان أو كائنا من سيكون ..

إن التجربة المرسية – السيسية في مصر تؤكد على كل أبناء الشعوب المقهورة : لا تأمنوا .. ولا تراهنوا .. واحذروا أن تخدعوا ..

إن ما دفعه أبناء شعبنا في سورية بين ثورتي 1980 – 2011  ثمنا لحقهم في الشمس وفي الهواء ، والذي ما زالوا يدفعونه ؛ كان غاليا جدا . إن شعوبنا تريد أن تتفرغ لدورها في بناء حضارتها ، وصناعة مجدها ، وخوض معارك تنميتها في كل الميادين ، ولا نريد أن نخرج من ثورة بملايين الضحايا لنعد العدة لثورة أخرى من جديد ..

إن الحديث عن الحل السياسي قد لا يتناسب مع فتح ملف المؤسسة العسكرية السورية التي بدأنا نأنف من تسميتها الجيش العربي السوري .

ملف الممسكين بقرار هذه المؤسسة لم يكن مشرفا على الصعيد العملي لا في أدائها المهني : حروب الثامنة والأربعين والسابعة والستين والثالثة والسبعين ثم في بقاء جولاننا محتلا لنصف قرن من الزمان ..

وسلوك الممسكين بقرار هذه المؤسسة لم يكن مرضيا حسب منظومة القيم التي يؤمن بها جماهير شعبنا بخلفياتهم الحضارية والدينية والقومية ..

ثم ما آل إليه أمر هذا النفر ، الممسك بقرار هذه المؤسسة في التعامل مع الثورة والثوار ، مما دفع الكثيرين ممن كانت لديهم بقية من قيم ومن كرامة ومن شرف إلى الانشقاق عنها أو التمرد على أوامر قياداتها المريبة ، مما أدى إلى قتل الكثير منهم على أيدي أكابر المجرمين لأنهم فقط رفضوا إطلاق النار على مواطنيهم ..

وما قلناه عن المؤسسة العسكرية يقال أكثر منه عن ملف موبقات المؤسسات والأجهزة الأمنية ...

مؤسسة لم تصد اختراقا ، ولم تلق القبض على جاسوس لا في لبنان ولا في سورية ، غير ما زعموا عن طفلة سورية اسمها( طل الملوحي ) الجاسوسة الخطيرة ابنة السابعة عشرة لو تذكرون ...

المؤسسة الأمنية هي المؤسسة التي بثت الرعب ونشرت الفساد بل كانت بؤرته وأداته وراعيته .

وإننا اليوم حين نتحدث عن حل سياسي في سورية فيجب أن تكون رؤيتنا واضحة وكلامنا صريحا بلا مواربة ولا لجلجة : لن يكون هناك حل سياسي في سورية إن بقي لإحدى هاتين المؤسستين ظل من سلطان . إن سورية المنتصرة على هاتين المؤسستين بكل ما فيهما من شر وكراهية وفساد ستكون أجمل وأرقى ...

وسورية بحاجة إلى جيش عربي سوري ، جيش وطني نعم ، ولكن الحل السياسي الحقيقي هو الذي يأخذ في برنامجه بناء جيش وطني تكون نواته الحقيقية  قيادات الجيش الحر وكتائبه ومن أحب أن يتطوع من أفراده .

وفي الوقت نفسه تحتاج سورية الثورة إلى مؤسسة أمنية تبنى عقيدتها العملية على أن المواطن السوري هو محل الحماية وأن ميدان عملها الحق هو المتربصون الذين ما زالوا يحققون على أرضنا اختراقا بعد اختراق ..

إن الحل السياسي يجب أن يتضمن تشكيل لجنة وطنية عليا للنزاهة ـ تعيد فحص بل تفحص ذاتية كل هؤلاء الصامتين على إرادة القتل والانتهاك و التدمير وإدارة الفساد ..

الثورة لا تريد ظلما لسوري مهما يكن موقعه . ولكن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح . إن كفاية الفرد في نفسه وأسرته وغده أمر سيكفله منطق العدل والمساواة الذي سيكفل ذلك للجميع ولكن منطق العدل له أيضا مقتضيات واستحقاقات أخرى لا ينبغي لها عن أعيننا أن تغيب ...

أقول للذين يكتبون باسم الثورة السورية : ( اتقوا الله وقولوا قولا سديدا يصلح لكم أعمالكم ..)

واستكمالا للفائدة أضع بين أيديكم من جديد قصيدة عصا الجد المسروقة كما كنت عربتها منذ سنين.

عصا الجد المسروقة

شعر : حكمت سلاملو

تعريب : زهير سالم*

أنت الأخ الأكبر

وإن كنا قد ولدنا قبلك

ولكنك أنت الأكبر..

لأنك سرقت عصا الجد

ثم سرقت مهرة الجد

وامتطيتها وحدك

ثم سرقت كرم الجد..

ثم سرقت.. سرقت.. سرقت..

ثم سرقت نسب الجد..

وبقينا..

بلا مهرة.. ولا كرم.. ولا..

ولا.. ولا نسب..

لأننا بلا عصا..

تمنينا عليك عنقوداً من كرمك.. الذي هو كرمنا

قلت لا..

تمنينا عليك حبة تين من شجر زرعناه وسقيناه

قلت: لا..

تمنينا عليك أن نسير بركابك..

أن نمسك ذيل المهرة

أن ننعم بغبار حوافرها

قلت: لا..

وماتزال (لاؤك) تمتد محمولة على جناحي عصاك..  عصانا

حتى أزاحتنا عن مد بصرك

حيث امتدت مع بصرك عصاك

والآن..

نتوسل إليك أن تتركنا نغفو

في ظل حائط الكرم..

وأن تدعو لنا بسر عصا الجد

ألا نفيق..

               

* مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

*مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية