مؤتمر المسيحيين العرب الأول، الصوت الذي تم اختطافه طويلا وانتظرناه كثيرا

زهير سالم*

انعقد في العاصمة الفرنسية باريس السبت 23/ 11 / 20119 مؤتمر المسيحيين العرب الأول .

ولكلمة الأول دلالة نتمنى ونرجو أن تتحقق ..

حضر المؤتمر بالدرجة الأساسية نخبة من المسيحيين العرب ، الذين حاولوا أن يميزوا صوتهم الوطني ، الذي حاول البعض اختطافه أو استلابه أو تضييعه طويلا وسط اختلاط الأصوات ، وتصاعد الادعاءات ..

وأول ما يمكن أن نسجله في هذا السياق هو ترحيبنا العام بالمؤتمر في سياقه وأدائه . ومن حق أن ننفي عن المؤتمر لبوس الطائفية الذي حاول البعض ممن استلبوا الصوت المسيحي بالسيطرة على المرجعيات وسط الضجيج أن يلبسه إياه . إن متابعتنا العامة لمفاصل المؤتمر وما جرى فيه يجعلنا نؤكد أن الخطوة التي أقدم عليها المؤتمرون ليست خطوة ارتدادية لعصر ما قبل الدولة وما قبل الوطن كما زعم بعض الخراصين، بل هي خطوة تأسيسية لدعم المشروع الوطني في صورة عقد اجتماعي عصري يحضره كل المواطنين بوافر المحبة والثقة وليس بجلابيب " المظلومية " المدعاة ، والريبة والشك والتخوف الموهوم ..

كان المؤتمر ضروريا ، في هذا التوقيت بالذات ، ليستعيد جيل من أبناء الأمة الثقة بكل ما قرؤوه يوما عند قسطنطين زريق وفارس الخوري ومارون عبود بل وأنطون سعادة وما سمعوه من اليازجيين ورشيد سليم الخوري وأنطون مقدسي الذي حافظ على تماسكه حتى في عصر التهتك الوطني ، وليدرك هذا الجيل ويورث أبناءه من بعد أن تلك الطروحات لم تكن مقدمة لمؤامرة وجزأ منها كما بدأ الواقع الأليم يكرر على العقول والقلوب ..

وكان المؤتمر ضروريا ليعلم كل السوريين واللبنانيين والعراقيين والأقباط أيضا ..أن المسيحيين العرب ، كانوا وسيظلون جزء من المشهد الحضاري والثقافي والاجتماعي ، وأنهم لا يختزلوا في صورة " ميشيل سماحة " المجرم اللبناني وأضرابه المنتشرين على كل الساحات بصورة أو بأخرى . والذي لم يلق أنموذجه حتى الآن من إعلان الإدانة والبراءة ما يستحق ..

وكان المؤتمر ضروريا ليعلم كل الناس أن المسيحيين العرب لا يختصروا بصوت مرجع كنسي ، سواء كانت الكنيسة عالمية تحركها مصالح بعيدة عن الله والمسيح ، كالكنيسة الأرثوذكسية التي ما يزال بطركها الأكبر يبارك ذبح السوريين ويباركه بوتين الجزار ، أو الكنيسة الكاثوليكية التي ما تزال تدعو إلى حب مزعوم والأقدام تخوض بالدم .

وإنه حين يعلن المسلمون براءتهم من كل الكذبة من أبناء الأفاعي - كما علم سيدنا يوحنا المعمدان - وأن هؤلاء الكذبة على عروشهم الكهنوتية لا يمثلوننا ؛ فإنهم ظلوا ينتظرون أن يسمعوا من إخوانهم في الوطن صوتا جماعيا حاسما أن هؤلاء الذين يباركون القتل وسفك الدماء لا يمثلوننا ..

كان المؤتمر ضروريا لأن الصوت الفردي لآحاد المسيحيين مهما تكن قيمته ومكانته يظل فرديا . ولكن الصوت الجماعي يكون له شأن آخر ، وأثر آخر ؛ وهذا الذي يخافه ويحذر منه الطغاة .

ومن هنا ندرك خلفية الهجمة التي المستبدون والطغاة وداعموهم على كل الوحدات الجماعية في إطار ثورات التحرير والتغيير .كما ندرك لماذا وظف بشار الأسد بعض عملائه من المسيحيين المحسوبين عليه ليهاجم المؤتمر والمؤتمرين ..!!

وختاما ..

افتقدنا التغطية الإعلامية اللائقة بمثل هذا المؤتمر الذي يشكل خطوة مفصلية على طريق الدعم الثورة السورية ، والأغرب أنه حتى غرف المعارضين السوريين تخلفت عن التنويه بالمؤتمر والترحيب به أو التعليق عليه ..والمؤتمر لم يكن حدثا عارضا يمكن أن يمر بلا ترحيب ولا تنويه ..

ثم إن الذي يجب أن نسبق به تعليقات المعلقين أن تقويم خطوة في حجم هذه الخطوة يأتي في سياقها الوطني في اتجاهها العام ، وبغض النظر عما يقال وعما يتوقع وينتظر من الكثيرين ؛ فقد كانت الخطوة جريئة وصائبة وفي وقتها أو تأخرت ولكنها جاءت. ومهما كان لنا من وجهة نظر في التفاصيل ، ففي السياقات العامة يبقى كل تفصيل تفصيل .

نشكر القائمين على المؤتمر ، والمشجعين عليه ، والمشاركين فيه ...

ونحب أن نخبرهم أن على الطرف الأخرى من بردى ومن العاصي ومن الفرات والنيل إخوة لكم في الوطن يحبون الذي تحبون ، ويحلمون كما تحلمون ..

ونغض الطرف جميعا عن التفاصيل ونردد مع صوت الحقيقة التاريخي في آذان كل الطغاة والمستبدين : متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا ..

*مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية