جلاء.. وجلاء

محمد السيد

وأشرق يوم بضياء وجلاء، هو السابع عشر من نيسان.. يوم الجلاء، يوم كتبنا النصر المبين من الله، ونيسان وشوارع المدينة تزدهي بدماء الذائدين عن مجلس نواب الشام، وقد افتتنت مباني بوابة الصالحية برؤية جيش الوحوش القادمين من باريس، عاصمة (الأنوار)! بادعائهم، يتقهقرون منسحبين، يجرون أذيال الخزي والعار، يؤزهم السابع عشر من نيسان، بمخرزه الذي قال لهم: لا.. لن نجزع، ولن نتخلى عن سر أرواحنا الزاخرة بالحرية ومطلب الكرامة، فمهما تطاولتم يا أبناء برابرة أوروبا، فإن هناك من يتربص بكم الدوائر؛ هناك دمشق الفيحاء.. والغوطة الغناء.. وحلب هنانو الشهباء.. وحماة الفرسان.. وحوران الأبرار.

فَمُتْ بغيظك يا سارق الأمن والأمان، فهذه شرفات الشام ازّينت بالياسمين في يومها الأغر، وهذي شمسها وطيف جدائلها، لا تلويان الأعناق صوب ما كان من إجرام البرابرة من قبائل الهمج مدّعي الحضارة، فهما ظلا يحاوران الأحلام، بلغة غادرت الحسابات المعيقة لقادم آتٍ لا محالة، رعته إرادة الرحمن.

كنا على يقين أن ما قدمناه من ضحايا لن يضيعه الله، وسوف يعوضنا خيراً وحرية وكرامة، ودمشق الأموية الفخورة بمعاوية وبعبد الملك، ستأخذ من التاريخ عبرة وعظة، وتعطي للحاضر ثراء، وثروة مدخرة، وأياماً طافت بالخافقين فتحاً وعزّاً وسيادة عالمية، أنارت الدنيا عدلاً وعطاء، معبئين بسرّ كتاب الله الأمجد الأعظم.

فهل صفا قابل الأيام بعد الجلاء للشام؟ وهل استسلم البرابرة من قبائل الهمج المغادرون أرض الشام للهزيمة؟

لا.. أبداً؛ إنهم لم يفعلوا، بل إنهم لم يغادروا بخزيهم وعارهم إلا بعد أن نصبوا للعديد من المارقين منابر، وصنعوا منه مقامات باسم الوطنية تارة، وباسم الديموقراطية حيناً آخر، وباسم الطائفية السوداء مرة أخرى، ثم باسم جيش الشرق المريب أخيراً؛ إذ زينوا صورة أوشابه بأحزاب مارقة علمانية وغير علمانية، وذلك من خلال ضباط هم الأراذل الأباعد، لونوا أفق البلاد والعباد بالفساد الإفساد والاستبداد، وحولوا الجلاء إلى ضياع؛ فشعارهم شعار البرابرة بلا فتات، تستدعي الندم والأسف، وهتافهم أرهق حروف العربية بالخذلان والخراب وصحراء من الكذب والعمالة والدجل.

وآخر ما تفتقت عنه أفكار الصهاينة والصليبية، أن أهدونا من جعبة مكرهم وكيدهم فجوراً طائفياً مارقاً، سموه (حركة تصحيحية)!!! بقيادة عائلة لا هي بالسورية ولا بالعربية ولا بالمسلمة، وقّع جدّها على وثيقة طائفية قُدِّمت للمحتلين الهمج تطالبهم:

1- بعدم الانسحاب من سورية.

2- بأنهم غير مسلمين، وأن المسلمين سيذبحونهم، ويذبحون (اليهود) إذا انسحبوا.

3- ويعترفون بأن فلسطين لليهود المساكين المسالمين.

وكانت آخر نسخة منهم هي نسخة المجرم المتسلط على السُّدَّة في دمشق، الذي ظل يرقص ويغني فوق جثث السوريين من كل مشرب ولون وعرق، ويباهي بجلب كل مجرمي العالم إلى سورية ليهدموا الجلاء، وهم مرتزقة من شيعة لبنان والعراق وإيران واليمن، وجيوش مدججة روسية وإيرانية وأمريكية وغربية تزرع الدمار وتنهب الثروات، وتحصل على الامتيازات، حتى حوَّلَ هذا الجبان أرض الجلاء السورية إلى ركام بنيوي وإنساني، وذلك كله بشعار الاستمرار على نهج أبيه النافق منذ سنين، لكن باب السماء لم يغلق، وعاصمة الأمويين لن تهزم والله موجود، وأًسْدُ الغابة السورية المسلمون باقون على عهد الجلاء، ولكنه هذه المرة جلاء مادي عن الأرض وجلاء في الأفكار والعقول، لتستقر كلها في حضن كتاب الله: "إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون" الأنبياء/ 92.

وأخيراً: