الرئيس الفرنسي ماكرون : الإسلام يعيش أزمة ..

زهير سالم*

و"أزمة الإسلام " عنوان كتاب " لبرنارد لويس " المستشرق البريطاني ثم الأمريكي اليهودي الأصل ، الذي ألفه بعد أحداث 11/ 9 / 2001. يشرّح فيه للغربيين عموما الخلفيات النفسية المسلمين . وتتمة عنوان الكتاب " أزمة الإسلام حرب مقدسة وإرهاب غير مقدس " وقد قمنا في مركز الشرق العربي بترجمة الكتاب بعد صدوره مباشرة . وكان لي تعقيبات ضافية عليه . وما يزال الكتاب يستحق الدراسة والمناقشة الموضوعية بين المسلمين واستحضار الرئيس ماكرون للمعنى وللعنوان في السياقات السياسية الرائجة ، دليل على أن الكتاب ما زال مرجعا يرجع إليه. ومع ذلك فينبغي علينا نحن المسلمين ألا تأخذنا ردة الفعل من الوصف أو التعبير.

ففي كلام الرئيس ماكرون اعتراف مباشر أن الإسلام "يعيش ". وليس على سبيل المكايدة ولا المناكدة أن نرد عليه بالقول ، إن الإسلام يعيش وأن المسيحية والكاثوليكية التي ينتمي إليها بشكل خاص قد ماتت .

 ماتت ليس بإعلان نيتشة قبل أكثر من مائة عام موت الله " جل الله " ، بل أيضا لأن البابا فرنسيس ، بابا الكاثوليك القائم ، أرفع مقام كنسي عند أهله ، قد أعلن الإعلان نفسه " موت الله " " جل الله " ، بأسلوب ناعم مغاير حين أعلن وهو على مقعده الرسالي : " أن الله مجرد فكرة جميلة في قلوب المؤمنين . وأن كثيرا من العقائد النصرانية هي مجرد أساطير."

 

 ونعود إلى قول ماكرون فنعيد : المسيحية ماتت ولكن الإسلام -حسب اعترافه - يعيش، وهذه حقيقة جوهرية أولى لا يجوز أن تنسى . ويجب علينا أن نبني جدالنا هذا عليها.

 إن الحديث عن أزمة الإسلام ، يجب أن لا يرعبنا ، وأن لا يستجرنا إلى نوع من غوغائية الرد والتنابذ . لنؤكد مرة أخرى أن عيش الأزمة دليل حياة . وأن علينا كما على مدرسة برنارد لويس أن نميز بين أزمة الإسلام وبين وأزمة المسلمين .

 بكل الإيمان واليقين والثقة ننفي الأزمة عن الإسلام في تجلياته المقدسة الثابتة المطلقة . وبكل ذلك نقر بالأزمة العملية الموضوعية التاريخية ، فيما يعيشه المسلمون.

 وأسوأ ما في أزمة المسلمين في هذا العصر أن بعضهم ينكرون أزمتهم وينشدون للقمر وللربيع ...

وأسوأ ما في أزمة المسلمين في هذا العصر أنهم يواجهون أزمتهم بكثير من الفوضى وضعف الاعتبار والاستشراف أو التدبير. التدبر النظر في أعقاب الأمور ، والاستشراف استنكاه مقدماتها قبل وقوعها .

ليس فزعا إلى نظرية المؤامرة في الفهم والتحليل ؛ حين نقرر أن حزمة غير قليلة من مسببات أزمة المسلمين ، تعود إلى عوامل خارجية، يتحمل مسئوليتها أولئك الذين ما زالوا على مدى قرون يكيدون للإسلام والمسلمين كيدا ، ويمكرون بهم مكرا . وهي حقيقة لا تكفي لتغطي ما يعيشه المسلمون من شتات أمر ، وانفراط عقد ، وتخبط وضياع .

نعلم أن سيرد علينا بعض المسلمين الاعتراف بالأزمة، ونعلم أن سيرد علينا آخرون الخوض في بعض تجلياتها ، لنكرر أن كل ذلك من ملامح الأزمة التي نعيش . ومن الحق أن نعترف أن الأزمة تحيط بحياتنا الفردية والجماعية ، والعقلية والعملية السلوكية . وشر الأمراض المرض الصامت . وكان إبليس قد دلّى أبوينا من الجنة بغرور .

في حياتنا عقائد وأفكار وسلوكيات لا تصمد أمام معول أبينا إبراهيم ، بل هي إلى صناعة آزر أقرب ، نتمسك بها بدل أن ننكرها ونواجهها !! نواجهها كواقع ناشئ عن جملة معطيات منها التاريخي ، ومنها المعرفي ، ومنها الحضاري .. ومصطلح المواجهة يعني الاختيار الحر الصائب ، وخوض التحدي الذي يحفز ، فإما أن نُغلب وإما أن نَغلب . وسد باب الذرائع جميل ، على أن لا يعني سد أبواب الحياة !!

 تتركز أهم معالم أزمتنا في دائرتين ، الأولى : بنياننا النفسي ، وأفق رؤيتنا العقلية.. والدائرة الثانية فهمنا لديننا بين قوسي " فقه الدين وعلم التأويل " وبهما دعا رسول الله لسيدنا ابن عباس " اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل " . ولفقهه في الدين وعلمه التأويل ؛ صنفه المصنفون في المترخصين !! ...أتعجبون ؟!

 ثم الاعتراف بالأزمة ..يعني أن يعجبنا ابن حزم صاحب " طوق الحمامة " وليس إمام مذهب الذين يقولون إن قوله تعالى (فَلاَ تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ) لا يتضمن النهي عما عداها

. العقل " الظاهري " على مدرجات الطيف السبعة هو بعض ملامح أزمتنا وسيبقى جاثما على صدورنا ، مقيدا لعلم تأويلنا . وكثير منا يشكو ، ولكنه عندما يجد الجد كثير منا لا يزال ..!!

ومن ملامح أزمتنا الفقه المغلوط وما أكثر الذين يغلطون .. لا خطر في خطاء لا أحد يسمع منه أو به ..وإنما الخطر كل الخطر في الخطّاء المطاع !!

 ثم الفقه المجزوء . الفقه المجزوء في مواجهة فقه المقصد .

وما أكثر ما ننتمي إلى عمر ، فّإذا ذكرنا أن عمر بعد سنين من حياة الرسول صلى الله وسلم عليه ، كان له رأي في سهم المؤلفة قلوبهم ، ورأي في حد السرقة مع انتشار الجوع ، ورأي في توزيع سواد العراق على عدد محدود من الجنود ورمت علينا أنوف ..كان عمر يواجه الأزمات. فيحلها وجيل من الصحابة العدول حوله يؤيدون وهذا جوهر المفتاح . ليس عمر فقط وإنما هو جيل العظماء تعلموا من الرسول ..قولوا هذا للذين يُنكرون ويتنكرون .. مصلح مثل عمر هو الذي يحل أزمات المسلمين ، بينما غيره يغلق عليهم الأبواب ..

قلنا الفقه المغلوط والفقه المجزوء ، ثم الفقه المحدود ...

ويجلس وراء الشاشة قناة على الفضاء ، من بلدة غارقة في قلب الصحراء، يفتي لمن يعيش بين باعي المشرقين والمغربين ..

يفتي وهم قد قرروا منذ ألف وأربع مائة عام ، أن الفتوى تتغير بتغير الزمان والمكان والإنسان ..

ربما نعتبر " السير في الأرض " من مفاتيح أزمة المسلمين ؛ أن يسير أصحاب الفتوى منهم في الأرض . تحقيقا لقوله تعالى : (قُلْ سِيرُواْ فِي الأَرْضِ) ، واستئناسا بما ينسب لصاحب القولين القديم والجديد بين الحجاز والعراق ومصر ..

السير في الأرض ،،،، أن هذه المسكونة أصبحت قرية . وأن المدينة "المعولمة " التي تتعايش فيها الملل والنحل والأقوام أصبحت أمرا واقعا . وأن هذا الأمر الواقع يأخذ من المسلم بقدر ما يعطيه . وأن العمل به وله وعليه .. وأن الإسلام ييسر ولا يعسر ، ويبشر ولا ينفر ..

وأخيرا فكل ما قلناه هنا مجرد نُثارة ...

وفكفكة أزمة الإسلام في عنوانين مهمين ، الأول هو أن الله ، جل الله ، هو رب العالمين. والثاني أنه أرسل رسوله رحمة للعالمين .. قال القاضي عياض صاحب الشفاء : رحمة للمسلمين ولغير المسلمين .

نعم نحن المسلمين نعيش أزمة ليست من إسلامنا ، ولا مع إسلامنا . نعيش أزمة في أنفسنا ومع أنفسنا . وإسلامنا الدين الحق الظاهر على الدين كله يضع مفاتحها بين أيدينا ..

اللهم افتح بيننا وبين قومنا بالحق وأنت خير الفاتحين.

*مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية