مؤتمر عودة اللاجئين : دمشق 11- 12 / 11 ، عجب

زهير سالم*

بعد غزوه العراق بأسابيع قليلة ، وقف جورج بوش الابن في شهر 5/ 2003 على ظهر حاملة الطائرات الأمريكية " ابراهام لنكولن" ليعلن انتصاره في العراق ..كان ذاك إعلان إعلامي ساذج وفج . قتلت الولايات المتحدة الرئيس العراقي صدام حسين ، لا حقت أوراق اللعب الخمسة والخمسين ، أباحت دماء ملايين العراقيين تحت مسمى " العرب السنة " الهوية المحكومة بالإستئصال ، ذبحا واعتقالا وتشريدا ، ومع كل ذلك كان إعلان جورج بوش للانتصار في العراق صبيانيا وساذجا ؛ وحتى اليوم لا تزال الولايات المتحدة ، عالقة في العراق ، تتجرع كأس السم كما تجرعها عميلها " الخميني" من قبل وهاهي تجلس للتفاوض المباشر مع عدوها المر " حركة طالبان "

بعد عشر سنوات تقريبا من التجربة الأمريكية في العراق ، جاء الروس إلى سورية ، ليكملوا المهمة نفسها ، ضد الهوية نفسها " العرب السنة " وفي هذا كان لافروف أكثر جرأة ووضوحا من بريمر ، حين أطلق تصريحاته عارية بدون حياء .

 

لا أملك أرشيفا لأوثق لكم كم مرة وقف بوتين كما وقف بوش من قبل ليعلن انتصاره في سورية ..وسأعتمد على ذاكرة حية لرجل تجاوز السبعين . أول ما جاء بوتين إلى سورية مستمدا البركة من البطرك الأرثوذكسي أعلن في تصريح موثق ومؤرخ أن مهمته في سورية تحتاج إلى ثلاثة أشهر فقط ..ثم سمعناه بعد شهر واحد فقط يعلن الانتصار . ثم أعلن انتصارا آخر بعد ثلاثة أشهر ومدد المهمة من ثلاثة أشهر إلى سنة فقط . ثم أعلن انتصارا آخر بعد سنة ، ثم انفرطت حبات العداد فلم يعد أحد قادرا على العد ، ولاسيما حينما نجاوز بين المرات التي أعلن فيها بوتين الانتصار على الشعب السوري ، أو الانتصار على ما يسميه الإرهاب الملعون متسابقا في ادعاء النصر عليه مع توأميه أوباما أو ترامب ..

في الخلاصة أن الرئيس بوتين ووزير خارجيته لافروف ثقل معهم عيار الفودكا مع بداية 2018 ، وخرجا على العالم بخطة عمل جديدة ، موجزها : انتصرنا وانتهى كل شيء ، وليس أمام العالم اليوم إلا التعاون معنا ومع تابعنا "ماتي " : في إعادة اللاجئين ، وإعادة الإعمار ..

وطاف لافروف يومها العالم العربي ، ودول الاتحاد الأوربي وكان كل المعنيين يجلسون معه على استحياء ، ويشمون منه على بعد أمتار رائحة عيار الفودكا الثقيل ..

ثم ماتت الفكرة ، أو ربما طويت حتى حين ، ومنذ أيام ، في أواخر الشهر الماضي في التحديد كان وفد من الخارجية والدفاع الروسيتين برئاسة نائب الرئيس بوتين ، يزوران لبنان والأردن ، البلدان الجاران ومن البلدان الأكثر تضررا من ثقل عملية اللجوء ، لإقناعهما كما يقول الروس بالمشاركة العملية مؤتمر تدعو إليه روسية وبشار الأسد حول عودة اللاجئين السوريين... ويعقد في دمشق . ثم ليخرج علينا وليد المعلم يؤكد الدعوة نفسها ، ويعلن عن تحديد موعد للمؤتمر القادم في 11 - 12 تشرين الثاني الجاري ..

والذي لا يريد أن يعلمه بوتين ولا كل المتواطئين معه أن سورية التي كانت على مدى عقود وطنا للخوف فصدرت للعالم على مدى نصف قرن ملايين اللاجئين قد أصبحت بفضل وجودهم وسياساتهم وتحكم الفاسدين فيها وطنا للخوف والجوع ، وهي بهذين العاملين ستشهد خلال الأعوام القادمة حركة لجوء أكبر وأكبر وأكبر..

يقول القرآن الكريم في وصف أقوام ( صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ ) أوليس هذا الوصف حقيق بمن يرون حجم النخر في الواقع العام في سورية ، الواقع الأمني والسياسي والاقتصادي ، ثم يجعلون كل ذلك وراءهم ظهريا ، ويتحدثون عن مشروع عودة أو إعادة اللاجئين ..فإلى أين يعودون ؟!

ألا يسأل بوتين ومستشاروه السياسيون والعسكريون والاجتماعيون .. إلى أين يمكن أن يعود المواطن السوري المهاجر ؟؟؟ إلى الخوف والتصفية والاعتقال والابتزاز أو إلى الجوع .. والغلاء والوباء ؟!!!

أي أنموذج سيء قدم الروس في مناطق خفض التصعيد ، وقادة المصالحات ، وقد صفي أكثرهم ، حتى يعتبر المواطن السوري ، الذي ما أخرجه من موطنه إلا الخوف !! أن الروسي يمكن أن يكون العدو الذي يتميز على صنوه الأسد بقليل من المصداقية ..!!

إن حركة اللجوء في جوهرها تعبير إنساني عن نزوعة الفرد إلى الأمن والأمان ، ومهما يكن حجم التهديد الذي يتوقعه الإنسان في الخروج إلى المجهول فإنه يبقى قادرا بغريزته البدائية على التمييز بين خطر ما هو فيه والخطر الذي يتهدده. حتى الذئبة في البراري تخاف على صغارها . حقيقة ساذجة نحتاج أن نذكر بها صناع سياسة في دولة عظمى اسمها روسية ، ونحن في القرن الحادي والعشرين .

حركة اللجوء في جوهرها تعبير إنساني ، ولكن هذا التعبير الإنساني يختلط دائما بدافعه السياسي والاقتصادي والاجتماعي ... فهل فكر الروس يوما بمثل هذا ..وكيف يزيلون الأسباب والموانع والدوافع ليغير محور الحركة اتجاهه .

كيف يعود اللاجئون والطيران الروسي لا يزال كل يوم يقتل . وحسب الصحف الروسية نفسها إذا غضب بوتين من السياسة التركية في أذربيجان رد بقتل السوريين في ريف إدلب أو في ريف حلب ..!!

إعادة اللاجئين مكرهين تحت سلطة جلادهم ، ليقتلهم أو يسجنهم جريمة أخرى ستضاف إلى جرائم الروس وشركائهم حول العالم ..

وعودة السوريين الطوعية إلى بلادهم مطلب لهم ، حين يقوم في سورية ظل دولة يحمي ولا يقتل ، يجمع ولا يفرق ، وعلى أول طائرة يمكن أكثر اللاجئين هناك ..

وفي الوقت نفسه سنستمر بتوجيه الشكر والتقدير والعرفان للكل الدول والشعوب التي آوت ونصرت ، والتي آوت وأيدت ولو بشطر كلمة ..نقدر الجميل ونعترف بالفضل لأهله ..

ونقول لبوتين : وبينك وبين إعلان الانتصار ليل طويل ..

*مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية