ثورة ضد الاستبداد والظلم والفساد .. وليست ثورة ضد الهوية

زهير سالم*

بلاغ إلى أعداء الهوية

ثار السوريون على الاستبداد والظلم والفساد في بنية " زمرة الأسد " . ولم يثوروا على أنفسهم ولا على هويتهم . بأنهم مسلمون وعرب ..

نعتقد أن كل الوثائق والأوراق التي تصدر عما يسمى " مؤسسات المعارضة" إنما يأتي في سياق الدعاية الانتخابية - غير المباشرة - لبشار الأسد ، دعاية تأتي في سياقها السلبي . ولم يبق بيننا وبين انتخابات 2021 إلا القليل . ونحن واثقون أن كثيرا من السوريين عندما سيخيرون بين سورية منزوعة الدسم بلا لون ولا طعم ولا رائحة وبين سورية بنكهاتها الأصلية ، وإن كانت ، نكهات اصطناعية ، فإنهم لن يترددوا كثيرا في حسم مثل هذا الاختيار ، وبمثله يتحقق المقصود . إن الورقة التي صدرت منذ يومين عن لجنة التفاوض لا تختلف في شيء عن أختها التي يوزعها على السوريين منذ فترة " مجلس الكنائس العالمي " بل نستطيع أن نقول للناس جميعا ، والوثائق شاهدة ، إن ورقة لجنة التفاوض العتيدة منتزعة من ورقة مجلس الكنائس العالمي حذو القذة بالقذة .. إلا إن يكن في ورقة مجلس الكنائس بعض رشد حذفه ونحاه هؤلاء ..!!

 

المعادلة في الدعاية لبشار الأسد تعرض على السوريين هكذا : إما أن تقبلوا بالجمهورية العربية السورية ببقية ما كان فيها من عناوين الهوية والدولة وإن على حيف أو ضيم ، وإما أن تذهبوا إلى من يعرف لكم سورية بأنها قطعة من الجغرافيا . ويعرف وهويتها بهوية الأقوام المنسيين الذين طبخوا على الأرض السورية طعاما منسيا ، وعبدوا آلهة منسية قبل أن يعرفوا عشتار وعشتروت وسومر وبعل الكبير ..

 وحين نرجع إلى كل التأتأة والفأفأة التي نسمعها من فرق وهيئات ولجان حسبت نفسها على المعارضة ندرك حقيقةً معنى سرقة دماء الشهداء ، وعذابات المعذبين . وندرك حقيقة أن بعض الوصوليين ، على طريقة الزمرة الأسدية نفسها ، قد جيروا الثورة السورية لمصالح فئوية ضيقة ومحدودة ، وأن فريقا من " الطامحين أو الطامعين " على طريقة العفن الذي يعتاش على الرغيف الطري ، يعينونهم على ذلك ، كما فعل الذين حاموا حول الزمرة الأسدية منذ نصف قرن .

في المؤدى العام الذي نبصره في آخر نفق المجسمات الثلاثة أو الأربعة ؛ ندرك أن ما يسعى إليه هؤلاء المؤتلفون والمفاوضون والمقاولون هو "جغرافية " في فراغ بلا اسم ولا رسم ولا روح ولا جسد . يسمونها سورية جديدة تنفي عن سورية ما كان قد تغافل عنه فيها : الظالم المستبد ، حبيب الفناء ، عدو الحياة .

كل ما نخشاه أن يتأخر بعض المخلصين ولو قليلا في عملية الإدراك ، إدراك اللعبة وتفاصيلها ، ومدخلاتها ومخرجاتها .. أو أن يتأخر الذين يدركون قليلا في تحديد الموقف والتعبير عنه والاجتماع عليه ..

الثورة ليست أنثى الثور ..

والثوار ليسوا مطايا يركب ظهورهم أصحاب المطامح والمطامع والأهواء ..وقدم السوريون مليون شهيد ، وبضعة عشر مليون مهجر طلبا للزيادة ، وليس سعيا بأنفسهم نحو النقصان ..

ودائما نعلن : أننا لن نحاصر بين الخيارين الأسوأ والأشد سوء . والاعتصام بالرفض ، باللا الكبيرة نرفض فيها هؤلاء وهؤلاء سوف يكون مظلة يأوي إليها كل من كان في قلبه بقية من دين أو من خلق .. ونحن في موطن سوق الموت فيه رائجة ، ونحب أن نلقى الله بالإعلان ...

اللهم إنا نبرأ إليك مما فعل بسورية وشعبها بشار الأسد وفئته من قتل وتدمير إلى أبد الآبدين ، ونبرأ إليك من فعل كل النخاسين والمتاجرين والمتآمرين الذين تنكروا دماء الشهداء واستخفوا بعذابات المعذبين.

*مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية