شهداء تدمر أيها الأبرار...!!!

زهير سالم*

يا راحلين عن الحياة وساكنين بأضلعي

اثنتان وأربعون سنة، وما تزال المجزرة حاضرة ..بل ما تزال المجازر حاضرة، هي الأصل في دنيانا، وكأننا شعب خُلق "للجزر"

ما تزال المجزرة والمجازر حاضرة ...نعيشها بكل تفاصيلها لحظة بلحظة، نتابع الصور بالعرض البطيء فنرى الأشلاء وشلالات الدماء، ونسمع الأصوات، أصوات الرجال والنساء واستغاثات الأطفال، ونخضب أكفنا بدماء الأحبة، وتغرق قلوبنا في النشيج...

شهداء تدمر ..

ولم يكن شهداء تدمر ، ومنتهكي تدمر على مدى عشرين عاما إلا عربون الكرامة والحرية دفعها أحرار أبرار نيابة عن شعب...

 

يقولون رحلوا، وأقول وما يزالون يعيشون معنا أو معي..

أتسخرون ؟؟!! إذا قلت لكم إنني ما أزال ألتقي بهم، وأستشيرهم كلما ضاق بي الطريق مصطفى وعثمان ذو الوجه الوضاء، وعبد الرؤوف ومهتدي وأسامة وأحمد وعصام وزاهد.. وبقية الثلة من الآلاف الأحرار، وكان الأعلم بهم من أكرمهم بلواء الشهادة!!

أسألهم واحدا واحدا كلما حزبني أمر : حزبنا من الأمر كذا وكذا .. ونحن هنا فماذا أنتم قائلون؟؟ !! وأناجيهم وأصغي إلى نجواهم، وما خرجت يوما عن رأي ارتأوه، وقرار قرروه..

أعرف أحدهم بحميته حين تبرق عيناه، والآخر ببسمته، والثالث بمكثه، والرابع بتفريعه للكلام، والخامس الذي تعود أن يبدا بقوله لا شك ثم يفيض، .أعرف أساليبهم، ونغمات أصواتهم وبصمات أعينهم حين يتألقون. أناجيهم وأستشيرهم وهم إخوة محبون مشفقون، ولكنهم، ليسوا دائما مطاوعين، ومع حبي إياهم كثيرا ما يخاصمونني ويغاضبونني لأنني أردت أمرا ، يصعب عليهم أن يتصوروه ..!!

يقول أحدهم والعين دامعة: لعلك أردتَ أن تنسانا؟؟ وتدير ظهرك إلى قضايانا؟؟ ألم نعاهد الله أن نركب الخطر معا؟؟ ألم نتحمل الأمر معا؟؟ ألم نحمل الراية معا ؟؟ ألم نعزم معا؟؟ ونسمر معا؟؟ ونبكي في ليالينا مع الله معا؟؟ ونضحك معا ؟؟ ألم نشرب الشاي معا؟؟ ونغمس الأصابع في قصعة الفول معا؟؟ ثم وثقنا بكم ... بك ومضينا...!!

حديث كنت أسمعه وما زلت أسمعه وسأظل أسمعه من كل شهيد قضى ومضى..

وتركنا على منصة الشهادة قائمين ، لعلنا نرُي ربنا هل نفي كما وفوا.أ, ننكث فنخلد إلى قبضة طين....

أيها الشهود المنتظرون أردنا يوم خرجنا أن نخرج سورية من درك بشار الأسفل، فإذا أرادوكم أن تذهبوا معهم إلى سورية في درك مجهول غير معلوم... فلا تقعدوا معهم .. ولا تذهبوا معهم وقولوا نحن مع عهد الشهداء باقون...

يا راحلين عن الحياة وساكنين بأضلعي ..

*مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية