حماس والسير على خطى المطبعين مع بشار

إحسان الفقيه

ما أشبه السياسة بالطقس الذي تعلن عنه النشرات الجوية، يتغير ويتقلب من يومٍ لآخر، وهكذا السياسة، لا تثبت على قدم، ولا يستقر لها حال، دائرةٌ في فلك المصالح، عدو الأمس صديق اليوم، وصديق الأمس عدو اليوم.

في سياق الترنح العربي الذي تزداد وتيرته يوما بعد آخر، فوجئت الجماهير بموقف جديد اتخذته قيادة حركة حماس، يتسق مع هذا الترنّح إزاء الملف السوري، إذ بدت إرهاصات التقارب مع نظام الأسد، التي ظهرت في بيان الحركة لإدانة العدوان الإسرائيلي المتكرر على الأراضي السورية، وإعرابها عن تقديرها لوقوف سوريا قيادة وشعبا لدعم الشعب الفلسطيني، واحتضان المقاومة على مدى عقود، والتأكيد على مضي الحركة في تطوير علاقات راسخة مع سوريا.

الموقف الأخير لحماس كان صادما لقطاعات عريضة من الجماهير العربية، خاصة الشارع الثوري العربي، واعتبره البعض خيانة للشعب السوري المنكوب، الذي عانى الويلات على يد نظامه الدموي، فإلى أي مدى تصدق هذه الرؤية؟

 

دعونا ابتداء نلقي الضوء على علاقة حماس بالنظام الأسدي، بعد اندلاع الثورة السورية ضد نظام بشار الأسد، فقبل ثورات الربيع، كانت قيادات الحركة تتخذ من الأراضي السورية مقرا لها، وتنعم بدعم وتأييد نظام الأسد، وإزاء البطش الدموي الذي مارسه النظام ضد شعبه، كان قرار الحركة حاسما في الانحياز للشعب السوري والشعوب العربية في مطالبها الثورية العادلة، ما أدى إلى تراجع الدعم الإيراني لحماس، باعتبار بشار الأسد حليفا استراتيجيا لإيران، وقضت قيادة الحركة ستة أشهر بعدها بالطائرات تجوب الدول العربية والإسلامية، فأكثر من خمسين دولة عربية وإسلامية أغلقت الباب في وجه الحركة، إلى أن استضافتها قطر. الموقف الأخير لحماس تجاه التقارب مع النظام السوري، على الرغم من فداحته وعدم قبوله، على الأقل من قبلي وجميع السوريين، الذين اكتووا بنيران الأسد، وبعيدا عن عاطفتي التي تتجه لاستنكار مثل هذا الأمر، إلا إنه لا يمكن تفسيره والنظر إليه والحكم عليه بمعزل عن السياق العربي، فالنظام تمكن خلال السنوات الأخيرة، وبدعم حلفائه الروس والإيرانيين، من تحقيق إنجازات ميدانية وضعت العالم أمام واقع جديد، يبرز تقدم النظام بخطوات واضحة لاستعادة كامل السيطرة على الأراضي السورية. أدركت الدول المعنية بالقضية السورية والأمم المتحدة وجامعة الدول العربية، والعديد من حكوماتها، أن الحسم العسكري أصبح مستحيلا، وأن الحل السياسي هو السبيل الوحيد لإنهاء الحرب. بناء على ذلك اتجهت دول خليجية وعربية إلى تطبيع العلاقات مع النظام السوري، والعمل على تعويمه وإدماجه في البيت العربي، عن طريق إعادة تمثيلها الدبلوماسي داخل سوريا، وعودة السفراء، بهدف تحجيم جزئي للنفوذ الإيراني في سوريا، خاصة بعد تغير استراتيجيات أمريكا في المنطقة بعد وصول بايدن إلى البيت الأبيض، الذي يولي اهتماما أكبر لمواجهة تهديدات صينية مفترضة، وتخفيف وجوده في المنطقة العربية، كما تسعى هذه الدول إلى تحقيق حضور عربي في ملفات الإعمار وبناء علاقات اقتصادية تستفيد منها تلك الدول. لقد أصبح المسار واضحا في إعادة نظام بشار الأسد إلى الجامعة العربية والبيت العربي مرة أخرى، ومن الواضح أن نجاح النظام في فرض واقع جديد لصالحه، قد جعل دولا أخرى مثل تركيا تدلي بتصريحات تحمل نوعا من التوطئة لتقاربات مع النظام السوري، وحتى الدول العربية التي تتمسك بحل سياسي للأزمة بما يتوافق مع قرار مجلس الأمن الدولي 2254، فإنها قد فتحت قنوات اتصالات مباشرة مع مسؤولي الاستخبارات السورية، لبحث إعادة التمثيل الدبلوماسي داخل سوريا. هذا الموقف من بعض الدول العربية حدا بأخرى للاتكاء عليه في بناء رؤية مفادها، أنه لم يعد هناك جدوى من لفظ النظام السوري خارج الإطار العربي، فالجزائر مثلا ترى أنه لم يعد تعليق عضوية سوريا في الجامعة العربية أمرا مقبولا بعد انفتاح حكومات خليجية على النظام السوري.

تأسيسا على هذه المتغيرات، يمكن مناقشة موقف حماس الأخير، التي يهمها في المقام الأول شأنها الداخلي المبني على تحرير فلسطين من الاحتلال الصهيوني، والاندماج في محيطها العربي والإسلامي لتبقى القضية الفلسطينية قضية مركزية للأمة، وتحظى المقاومة بدعم عربي إسلامي.

نعم هو موقف يؤسف له أن يتم التقارب مع نظام دموي قتل واعتقل وهجّر وشرّد الملايين من الشعب السوري، وارتكب ضده مجازر بشعة بالبراميل المتفجرة والفوسفور، لكن هل من مصلحة حماس الوقوف بمعزل عن توجه عربي أصبح أمرا واقعا؟ حماس تنظر إلى التطبيع العربي مع النظام على أنه حاصل لا محالة، سواء تناغمت الحركة مع هذا التوجه، أم وقفت بمعزل عنه، فلما لا تستفيد هي الأخرى، ولم تبق الحركة وحدها في العراء في موقف المعارض أو حتى المحايد مع احتياجها للدعم، في حين أن حكومات عربية هرولت نحو التطبيع. حماس ليست دولة، حماس حركة مقاومة تخلت عنها معظم الدول العربية وتركتها لنهش الحصار ومنعتها الدعم في قضية من المفترض أنها قضية عربية إسلامية عامة، ولجأت إلى إيران لنيل الدعم، ثم هوجمت من قبل المنابر الثقافية والإعلامية في دول تقوم بالتطبيع مع الكيان الإسرائيلي ذاته. أنا لا أجمّل موقف حماس الأخير، لكن أسعى لوضع الأمور في نصابها في الحكم على الحركة، ومن المؤكد أن الموقف سيكون مختلفا بشكل قوي حال استمرار القطيعة العربية من النظام السوري، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.