القضية المركزية .. مقاربة فقهية

زهير سالم*

شاع في المعجم السياسي الشفهي أو المتداول، منذ النصف الثاني من القرن العشرين مصطلح "القضية المركزية" إطلاق استباقي على القضية الفلسطينية، بوصفها تمثل صورة من الظلم الفادح او الفاضح الذي مورس على الشعب الفلسطيني، حيث اغتصبت الأرض، وشرد الإنسان.

وإذا كان أمير الشعراء أحمد شوقي قد قال يوما مخاطبا "تراقيا" من بلاد البلقان، بعد أن سقطت بأيدي الأعداء:

يا أخت أندلس عليك سلام    هوت الخلافة عنك والإسلام

فإن نجم الخلافة قد دخل في المحاق من أجل ان تمحى فلسطين من الأذهان..

أذكر وأنا في العاشرة وشيء ما الدكتور السباعي رحمه الله تعالى، يفرد في مجلة حضارة الاسلام باباً خاصا دائما للحديث عن فلسطين، تحت عنوان الدرة المغتصبة.

وأذكره يكتب وكنت أقرأ وانا اتساءل هل يمكن لفلسطين أن تنسى، وهو يوصي الجيل: اذكروا فلسطين في قيامكم وقعودكم، في صحوكم ومنامكم في ليلكم ونهاركم، يترنم بمثل هذه الوصايا في صفحة من المتتابعات والمترادفات..

 

أقرر كل هذا لأبين أن قضية فلسطين كانت وستظل ويجب أن تبقى حية في قلوب أبنائها، وحية في قلوب أهل الشام ومصر خاصة، وحية في قلوب العرب والمسلمين بشكل عام، يجب ان تظل القضية حاضرة في العقول والقلوب حضور كل قضية تخص حبة رمل من أرض الاسلام.

الحدب على فلسطين، والتمسك بها والدفاع عنها، كل هذا أمر مقرر ومسلم، ولكن حين نعود إلى التقريرات الفقهية المنضبطة في فقه الشريعة والدين، ففي الشريعة والدين، المسلمون تتكافأ دماؤهم، وليس في فقه الشريعة الاسلامية دم أزرق نبيل، ودم أحمر رخيص، كما يفيدنا بعضهم عندما يتحدثون.

ليس في فقه الشريعة الإسلامية حبة رمل على أرض المسلمين أغلى أو أرخص من أخرى..

جميل قول عمر ابو ريشة رحمه الله تعالى

لن تري حبة رمل فوقها    لم تعطر بدما حر أبي

في كتب الفقه جميعا: إذا نزل العدو ببلد من بلد المسلمين وجب على أبناء هذا البلد ان ينفروا للدفاع عن بلدهم.

ومن قال لي على سبيل اللجاجة والسفسطة واللعب على الألفاظ إن بشار الأسد ليس عدوا؛ ليستجرني، قلت له فإن الروسي والصفوي عدوان بكل المعايبر.

حسب قانون الفقهاء على كل أهل مصر أو قطر، أن ينفروا للدفاع عن مصرهم أو قطرهم، فإن كان بهم كفاية، وإلا فعلى من يليهم من المسلمين من يليهم في المكان، مساعدتهم، كل ذلك وفق قواعد وأصول محكمات..

تركستان الشرقية بالنسبة لأهلها من الايغور قضية مركزية، لا تتقدم عليها بالنسبة إليهم ولمن يليهم قضية. ولادينازعهم في مركزية قضيتهم بالنسبة إليهم إلا جاهل أو ظالم.

آراكان من بلاد الهند، وكذا كشمير بالنسبة لأهلها ولمن يليهم قضية مركزية لا يتقدم عليها بالنسبة إليهم قضية. ولا ينازعهم في مركزية قضيتهم بالنسبة إليهم إلا جاهل أو ظالم.

وكذا قضايا الأمة في أقطارها المصابة المكلومة اجمع..فلسطين قضية الفلسطينين المركزية، وسورية قضية السوريين المركزية، والعراق قضية العراقيين المركزية، واليمن قضية اليمنيين المركزية، لا ينازع في ذلك إلا جاهل أو ظالم.

وهناك خصوصية أكثر حضورا بالنسبة للسوريين والفلسطينيين، فكل منهم حسب الجغرافيا، مما يلي الآخر، فعلى كل منهما حق إضافي متبادل، مع الحق عليه في نصرة قضيته، والحق عليه في نصرة من يليه، ودائما أردد وهذا مستقر في عقولنا وقلوبنا نحن أبناء سورية فلسطينيون بمعنى ما ، لبنانيون، بمعنى ما ، عراقيون بمعنى ما ، والموقف على التبادل، فكل ما أليه من ديار المسلمين، يليني، له حق علي ولي حق عليه، وإذا أجملنا قلنا أهل الشام وأهل العراق بعضهم ظهير لبعض، وأهل الشام وأهل مصر بعضهم ظهير بعض، وكل ذلك على قواعد فقهية من النظام والإحكام، وليس على قاعدة كلما صاح صائح يا خيل الله اركبي استنفر الناس.

حتى الآن لم يدرس فقهاء الاسلام التجربة الأولى لتجربة "الجهاد" المفوّض يوم دعا الداعي إلى أفغانستان وقالوا فرض عين على كل مسلم!!

لا أريد أن أفجأ الناس بحكم وإنما تحتاج الواقعة إلى إعادة درس فقهي دقيق، للحدث والتوظيف والدور والمخرجات. ليفعل ذلك عقلاء وليتحنبوا الحديث عن النوايا. تلك التجربة ثم ما كان على أرض البوسنة هو المدخل لما جرى علينا في سورية والعراق.

 وإنما اشتدّ شغب المشاغبين بين ظهراني هذه الأمة، من انتشار طبقة من المجاملين والمداهنين ومن المعلمين، لا يعلمون، أو لا يعلّمون..

اللهم ولا تجعل للظالمين علينا سبيلا..

*مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية