من قلب المجزرة التي ما زلنا نعيش

زهير سالم*

كتب إلي يذكرني بموعد الأول من شباط، ويظن أنني غبت عن المشهد ، فأحتاج الى تذكير…!!

وأكتب له وأنا الذي كتبت منذ ثلاثة عقود:

 "حماة والمجزرة ليست ذكرى" ما زلت أكتب: "المجزرة ليست ذكرى"

بل هي واقع، ما زلت أعيشه، ويعيشه معي الملايين من أصحاب العقول والقلوب.

ونحن أصحاب العقول والقلوب من السوريين ما زلنا هناك نعيش اللحظة في حماة وفي تدمر وفي جسر الشغور وفي حمص وفي حي المشارقة في حلب..

ما زلنا نسمع استغاثات النساء، وبكاء الأطفال، ونرى شلالات الدماء، ونشهد فعل المجرمين، يدمرون الأوابد ، ويغيرون المعالم.

ما زلنا هناك نرى الوجوه البريئة مضرجة، والبطون المبقورة، وما زالت تطل علينا وجوه الأجنة من بطون الأمهات …

 

يقول محدثي والصورة ما تزال في عقلي وقلبي ثلاثية الأبعاد: وأمسك بالطفل الرضيع من ساقه، ووقف أمام الشرفة، وطوح بالجسد الطاهر على قدر ما في أهل الطغيان من عزم، ثم ألقي به بعيدا.. ووالداه ينظران. بل العالم منزوع الانسانية كله ينظر..

وحدث آخر فقال: وانتزع الرضيع من حضن أمه وألقى به على الأرض، ثم داسه ببسطاره العسكري الغليظ حتى هصره كما تفاحة تحت قدم..

نعم كلهم كانوا هناك، كلهم ما زالوا هناك. وكلنا يا إخوتي يجب ان نبقى هناك.. هذه ليست ذكريات، هذه صور يجب ان نعيد شربها مع كل كأس ماء

"حماة" وبعد ثلاثة عقود من المأساة، ما تزال المأساة حاضرة، وستظل حاضرة، وهي بعد أن امتدت، حتى كانت كل مدينة وكل بلدة في سورية هي حماة، حيث توقف التاريخ عند شباط ١٩٨٢، ستظل عالقة في حلق التاريخ، لا يستطيع يلفظها ولا يستطيع يبلعها، حتى يبلغ الحق مداه، ويستقر العدل على مستقر..

حماة…

وكل مصائب سورية في القرن العشرين وما تلاه، وقد كنا نظن أن مجرمها الذي تولى كبرها هو هذه الزمرة الحاقدة العمياء، ثم تبين لنا الحق، أن هؤلاء المجرمين الصغار لم يكونوا إلا الأدوات القذرة في عملية التنفيذ..حافظ ورفعت وبشار وخامنئي وسليماني ونصر الشيطان وبوتين الرهيب..

ثم علمتنا الأيام أكثر، فانكشفت الحجب، وسقطت التعلات..

وهذه أعوام الثورة شاهد على الحقيقة التي ظللنا عنها نراوغ..

وفي غمار المجزرة المخزية، وبعدها بأيام قليلة، قرأت مقالا صحفيا لكاتب أمريكي، يصف فيه المجزرة بكل ما جرى فيها من تفصيل، يتحدث عن شلالات الدماء، عن الأشلاء، عن الأجنة في بطون الأمهات، عن أوابد الحضارة والعمران، بأبلغ وأكثر دقة مما فعلت، ثم يعلق على كل ذلك بقوله "ولكن العالم بعد قتل هؤلاء الإرهابيين أصبح أجمل"!!

ظللت أقول: لعلها شطحة صحفي سكران، حتى سمعتها على لسان أوباما ومن تلاه مطالبة بالحل السياسي، بين الضحية والجزار…!!

حماة المجزرة وسورية اليوم كلها المجزرة..

وبعض الشياه من بني قومنا ما تزال لا تميز بين السكين والجزار…

تدمر وحماه والغوطة وحمص وحلب وفي كل مدينة وبلدة وقرية وحي على الخارطة السورية: المآسي ليست ذكريات…هي واقع فُرض علينا، فعشناه، وعلينا أن نصحبه إلى قبورنا، وأن نورثه لأجيالنا، أو أن نوفيه حقه..

بالجزاء الأوفى

اللهم ارحم شهداءنا واجبر كسرنا، وأعنا على الوفاء يا رب العالمين..

*مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية