قاتلونا بخسّة وجعلناهم أبطالا قوميين برتبة الشرف

د. سماح هدايا

قاتلونا بخسّة

وجعلناهم أبطالا قوميين برتبة الشرف

د. سماح هدايا

الحياة هي اقتناص الوقت. ونحن على أهبة النصر. فلن يفيد فرض حالة الحصار على الحرية. وقد فشل زمن العطالة والتعطيل في إبقاء  الشعب السوري  تحت سيطرته، في هاوية العبودية بعيدا  عن فضاء الحياة. لذلك فالاكتفاء  بتصحيح شروط العيش تحت الظلم  بحجة أن العدو الآخر يقف متربصا بنا للانقضاض علينا عندما نتكلم أونكسر قضبان الصمت، بضاعة فاسدة لم تعد تنفع.

الوطن وأهله في المنفى. وإسرائيل عدو لكن العدو الأخطر الآن هو من داخل جسمنا. نظام وحشي شرس جائم فوق صدورنا ينهش الروح ويمص الدماء من جسد الشعب المشدود على سنديان صليب حريته.

إسرائيل طارئة على المنطقة. وجودها مؤقت. وهي عدو لكل العرب والمسلمين ولكل البشر الأسوياء المعادين للعنصريّة؛ لأنّها كيان استعماري غاصب مصطنع يقوم على كره الآخر واحتلال الأرض والتاريخ وسلب الحق  بناء على عنصرية قومية ودينية وسياسية. لكنّ استمرار الإسرائليين في البقاء محال؛ لأنهم غرباء وفدوا  من الخارج، وأنشأوا وجودهم  غير المتجانس مع المنطقة في غفلة الأمة وضعفها وتشرذمها.. ولن يصمدوا مهما سلحوا دويلتهم بأشكال العدوان، عندما ينتفض العرب على قضبان عبوديتهم، ؛ فهم سيطيحون بالكيان الإسرائيلي. أما  عدونا الداخلي الذي ينهشنا؛ فإن افتلاعه  أمر ملح لكي نبدأ نتحرر.  

الخطر الأكبر يكمن في أنظمة الاستبداد التي تحكمنا وتستعبدنا. وهي  العدو الذي منا وفينا؛ لأنّها متغلغلة في كل مشارب عيشنا ووجودنا.  كالجاسوس الذي يخترق أمن المجتمع لكي يفسد ويخرّب؛ فهو  يبطن شيئا ويفصح غيره، وينفّذ التدمير. والدلالة على خطر هذا العدو هو أن عصابات إجرامه أسقطت في سوريا عددا كبيرا من الضحايا والشهداء أكثر بكثير مما سقط في  كل حروبنا مع إسرائيل.. وأنها دمرت من سوريا أكثر بكثير مما دمرت إسرائيل في المنطقة.

عدونا الأوّل، الآن، هو أنظمتنا الاستبدادبة التي تحالفت مع الشياطين ضد ثوابت الأمة. فالنظام الأسدي الطاغي، استعان بقومية معادية للعرب وهي قومية إيران، لكي يطحن إرادة التحرر والاستقلال.  وليس بمجهول  ما فعلته إيران في العراق وما تفعله في العراق وفي سوريا الآن. كما استعان بكل الطائفيين الذين لهم ولاءات خارجيّة خطيرة  للتشبيح والإجرام وتهديد الأمن المجتمعي والسلم الأهلي وتمزيق النسيج المجتعي والتآمر على وحدة الصف.

ومايقال عن وطنية النظام الأسدي في ممانعته لإسرائيل وهم تدحضه الأدلة؛ فجلي تناغم النظام مع إسرائيل والغرب على مدى أربعين عاما؛ بغض النظر عن الإيحاءات الإعلامية بالعداء والصراع؛ فهذا النظام لم يحارب إسرائيل حقا خلال أربعين عاما بل، بتخاذله استولى العدو على أرضنا واحتلها. بل حارب كثير الفصائل الوطنية الفلسطينية واللبنانية  والسورية، واكتفى بخوض الحرب الإعلامية والتمثيليّة وتهويل الموقف الشعاراتي النضالي. وقدّم المساعدات النوعيّة للصهيونيّة بشن حربه الداخليّة عسكريّا وسياسيّا وفكريّا وأخلاقيّا على الشعب السوري؛ فأسهم في تخريب الإنسان السوري وتقزيمه؛ فترك المحسوبية والبطالة تتفشى، وساد الذل والخوف والفساد والإفساد، وسيطر الإرهاب الفكري والمادي، وحاول تدجين الناس وتفكيك عناصر وحدتهم. فكانت الحرب على الشعب. وكانت المجازر في المدن والقرى والسجون .  وكان التفقير والتصحير والتجهيل. وكان الاستبداد والإرهاب وطغمة القتل. والعالم لم يتدخل عبر ذلك كلّه إلا ببيانات شجب واستنكار. بل كان يدعمه سرا وعلنا بما يخدم مصالحه. فأمريكا لم تحشد الجيوش العالميّة ضد بشار الذي حارب السنة والأكراد في سوريا؛ بينما قامت بحرب فظيعة على العراق وصدام حسين عند ظهور خطره بحجة إنقاذ الأكراد والشيعة الذين اضطهدهم نظام صدام.

خطّاء  من يريد التصالح مع الأسد وحواره حماية لمشروع مقاومة العدو الإسرائيلي. المنطقي أن نبدأ بإسقاط نظام بشار الذي يحارب ويقتل ويستبد ويرهب ويقصف ويذبح. وبعدها نلتفت لأعداء الخارج. إيران وإسرائيل. الأولوية هي إسقاط عصابات نظام الأسد الإرهابي العنصري؛ فهو أخطر  من اي عدو.  وحربه حلقة من حروب الأمة للتحرّر والنهضة. سواء من التبعية الغربية أو من معاداة إسرائيل أو من هيمنة المشروع الفارسي، أو من العبودية. مبادىء الثورة واضحة: الحرية. الكرامة. العدالة... ولا تغيير لها تحت اي ظرف. فالنهر مهما تعكر، لا نكران لأصله وهو الماء. ولن تتغير أصول الثورة بتغيّر الأعداء والأحوال والأشكال.

أنظمة العرب كافة، تركت الشعوب تتناسى قضاياها الجوهريّة التحررية والنهضوية بحجة القضية الفلسطينية. واستثمرت قدسية هذه القضية ونبلها ومشروعيتها لتوجيه الأنظار بعيدا عن قضايا مصيرية جوهرية وخطيرة، لا تقل أهميّة غن قضيّة فلسطين. مثل الحرية والكرامة والعدالة.   وللأسف تحركت معها  كثير القوى السياسية والفكرية والسياسية العربية، بدفع إفرازات فساد الأنظمة القائمة والسابقة، من خلال تكيفها معها لتعايش اللعبة السياسية؛ مما أفقدها عبر الزمن طاقة النضال السياسي الواعي والمستقل؛ فعجزت عن تقديم ما يفيد الشعوب المسلوبة الحرية، فجاء أداؤها بحجة التوازن الاستراتيجي مع الأعداء،  أقل من مستوى الجماهير وآمالها وتوقعاتها. بعيدا عن الاستحقاق الوطني. وأمام الشعوب العربيّة كثير العمل لتبني قيادات جديدة وعالما فكريا وسياسيا حداثيا؛ فخوض المعركة التحررية بشجاعة وثقة مع الأعداء الأقارب قبل الأعداء الأباعد. وهم كثر.

إن ما تخاف منه إسرائيل وغيرها من الأعداء  هو أن يحصل الشعب الثائرعلى الحرية التي يطلبها؛  لكسر الطغيان بكل أشكاله...إسرائيل لا تخاف من الحليف بشار، ولا من أنظمة الاستبداد؛ فهي أوجدتها عبيدا لها وأتباعا. لا خوف لدى إسرائيل  إلا من حصول الشعوب العربية على حريتها. فلنحارب إسرائيل ونخيفها  بأن نحصل على حريتنا أولا،  ونكسر أول حاجز يعوّق مشروع تحرّرنا وهو إسقاط نظام الطغيان والاستبداد،  ولنسترد كرامتنا ونقلع جذور الطغيان والاستبداد والعبودية من عقولنا وقلوبنا وضميرنا. وقتها سنهزم الأعداء في كل مكان. وعلى رأسها إسرائيل وإيران حتى وإن اشتد التباين في موازين القوى؛ فمثقال الحرية يقلب الموازين المختلة لصالح الأحرار. لا سبيل أمامنا إلا القتال بكل مالدينا من سلاح. وعدتنا قبل العتاد الإيمان بالحرية والثقة بالذات.