رسائل مفتوحة

محمد جميل آق بيق

محمد جميل آق بيق

قاضي سابق

((الرسالة الأولى))

إلى الشعب السوري البطل

يوماً بعد يوم يبرهن هذا الشعب العظيم على قوته وجبروته، على إصراره وثباته، على صبره وتحمله، على ذكائه وأصالته، على وحدة فكره وانتمائه، أخيراً على قدرته الفائقة على الإستمرار بالسير على الطريق التي اختطها لنفسه ألا وهي طريق الحرية والكرامة.

خمسون عاماً تشكل ثلثي عمري في هذه الحياة وأنا وأقراني ممن مازالوا على قيد الحياة يعرفون تماماً ما هو البعث وطريقة تفكيره وخطته في الحكم والإستمرار به..

جرب الشعب التصدي لهذا النوع من الحكم بوسائل مختلفة مثل إضرابات الستينات والمظاهرات والإحتجاجات وبعض المحاولات المسلحة المنعزلة عام 1983 والنصيحة والتعاون مع حب الإصلاح ومحاولة المشاركة في صنع القرار من أجل وقف أمراض الفساد والتخلف والبطالة والفقر واحتكار السلطة وجمع الثروات لقلة ممن يتحلقون حول النظام أو ممن يعتبرهم النظام بمثابة تأمين مالي له، ولكن دون جدوى... فالجسد العليل الذي لا يستجيب للعلاج مآله معروف.

والنظام السوري المشكل من توليفة غير مقدسة قائمة على ربط طائفة معينة بتنظيم البعث، فكل منهما يتكئ على الآخر للإستمرار، والإثنان يهدفان إلى الإستمرار في احتكار السلطة وقمع الشعب وسوقه كالأغنام... فالراعي يقود غنمه ويؤمن لها الكلأ ويحميها من الأعداء والأمراض والذئاب مقابل الإستفادة من خيراتها، ولكن النظام السوري يريد أغناماً تدر لبناً وتطعمه دون أن يحميها من أعدائها، وألد أعداء الأغنام الذئاب.. فكيف إذا كانت الذئاب هي التي ترعى الغنم، تطعمها ثم تأكلها؟؟

هذا هو النظام السوري، مجموعة من الوحوش الكاسرة، ولكنها تحمل عقلاً مدمراً تقوم فلسفته في الحياة على أساس لا محل عندنا لآخر سوانا، وشطب الآخر يعني إلغاءه فكرياً وعقائدياً واقتصادياً واجتماعياً وتاريخاً وتراثاً وبالتالي إلغاؤه وجوداً.

وإلا فما معنى تكريسهم لمبدأ "قيادة الدولة والمجتمع"؟

وتحملت أيها الشعب العظيم كل ذلك بصبر ليس له مثيل في التاريخ، إلى أن وصل النصل إلى الحلقوم، وبدأ الجزار يعتدي على عرق الدم الذي لم يستطع أحد مسَّه في شعبنا على مدى عشرة آلاف عام.. ألا وهو عرق الكرامة.

عندها انتفضت أيها الشعب العظيم واستطعت إبعاد الجزار، وأنقذت شريان حياتك من سكينه، وفجرتها ثورة مباركة ما زالت قائمة ومستمرة منذ عامين، وستبقى قائمة إن شاء الله حتى القضاء التام على الجزار أينما كان وحيثما وجد، ومهما بلغ من قوة وجبروت. وعلى مر التاريخ لا يمكن للباطل عندما يجابه الحق أن يحقق النصر النهائي، فالنصر النهائي دائماً يكون للحق طالما أصحابه قادرين على الدفاع عنه بجدارة..!!

_______________________________

((الرسالة الثانية))

الى المعارضة السورية

ثورة الشعب السوري ليست ككل الثورات بالعالم، فقد نبعت من أفراد الشعب بدون قيادة مسبقة وأوجدت لنفسها قيادات محلية حسب الحاجة والإمكانيات.

صحيح أنها موجودة لهدف ألا وهو القضاء على الظلم والطغيان، ولكنها ليست موحدة الفكر... لذلك لم تستطع حتى الآن الإتفاق على قيادة موحدة تساعدها على التنظيم من أجل الإستمرار، ناهيك عن الدعم اللازم، ووجدت قيادات خارج الوطن مؤلفة من مجموعات كبيرة من السوريين الذين إما غادروا الوطن لأسباب مادية أو معنوية أو سياسية، وعدد كبير ممن عانوا من ظلم النظام فسجنوا وعذبوا وشردوا وصودرت أموالهم واعتدي على عائلاتهم، لكنهم غير موحدين فكرياً.

لم يستطيعوا الإتفاق على مبادئ أساسية للثورة ولم يستطيعوا الإتفاق على رسم طريق تنفيذ هذه المبادئ في حال الإتفاق عليها... إذاً نحن أمام معارضة تمت تغطيتها إعلامياً حسب حاجة الإعلام وليس حسب حاجة الثورة. المطلوب من المعارضين في الخارج وبشكل عاجل العمل على توحيد رؤيتها للأمور وتوحيد قواها وتوحيد قيادتها والسير يد واحدة نحو تحقيق الهدف. وهذا لا يتحقق إلا إذا اقتنعت المعارضة في الخارج ببعض الأمور ومنها:

1- لا مكان ولا مجال أبداً للإختلاف وسكين الجزار فوق الأعناق.

2- لا محل ولا مجال للحوار مع الجزار وسكينه تدمي قلوبنا وتقتل أطفالنا وتعتدي على نسائنا وتدمر بيوتنا وتشرد أهلنا.

3- هذا النظام لا يفهم سوى لغة القوة، فلا محل معه لأي تفاوض إلا على الرحيل، وهو لن يرحل طواعية، إذاً لا بد من تقوية النفس، وأول عناصر هذه القوة.. الوحدة.

_______________________________

((الرسالة الثالثة))

إلى الولايات المتحدة الأمريكية

منذ أن وعيت على الدنيا وأنا وممن كانوا من جيلي تشربنا مبادئ الحرية التي تنادي بها الولايات المتحدة الأمريكية، الديمقراطية، التعددية، حرية الفكر والصحافة، الحرية الإقتصادية... وكيف أن كل حكومات الولايات المتحدة منذ مطلع القرن العشرين تعمل ليس فقط على تحقيق هذه المبادئ في أمريكا ولكن في العالم أجمع.

ولكن أمريكا تتخلى عن محاولة تحقيق هذه المبادئ والدفاع عنها كلما اصطدمت بمصالح إسرائيل، فلا محل لدى أمريكا للدفاع عن مبادئها حتى في عقر دارها إذا كانت تتناقض مع مصالح إسرائيل...!

ولما كان لإسرائيل حساباتها الخاصة في الشرق الأوسط ومنها أنها لا توافق على أن تملك شعوب المنطقة مقدراتها، وأن تحقيق الديمقراطية والتعددية يعني أن هذه الشعوب ستختار قيادات تقودها نحو الحرية التي تحقق الإبداع ثم التنمية ثم التقدم على أرضية من توحيد القوى نحو الحضارة. ولما كانت إسرائيل تعارض أي تقدم يُذكر لشعوب المنطقة فهي في خططها الخفية تحارب تحقيق الديمقراطية الحقيقية لدى دول وشعوب المنطقة، ولما كانت السياسة الأمريكية مرتبطة بسياسة إسرائيل فقد دعمت هذه السياسة الحكومات الديكتاتورية في المنطقة التي لم تحقق سوى التخلف والخراب وإلغاء الشعوب. وعندما نشأ جيل جديد بعد ستين عاماً من النكبة، وبدأت الثورات العربية ضد الطغاة وقفت إسرائيل ضد هذه الثورات، وساعدتها أمريكا ليس بمحاولة القضاء عليها ولكن بلجمها بحيث لا تخرج عن الخطوط العريضة لمصالح إسرائيل.

هذا ما يحصل الآن في سوريا...

هناك ثورة شعبية عارمة ضد الطغيان، هذه الثورة أصيلة ونابعة من الشعب، وليست مستوردة ولا موصى عليها ولا قاصرة. ثورة وقودها دماء الشعب وفكرها حضارة عمرها عشرة آلاف عام... حضارة أصيلة علّمت العالم ومازالت أسس البقاء والإستمرار والتقدم.

أمريكا لا تريد لهذه الثورة أن تنتصر وهي تعرف أنها ليست منغلقة وليست متعصبة وتعرف تماماً طبيعة الشعب السوري العريق، وتعرف أن كل ما تدعيه إسرائيل حول مبادئ وأهداف الثورة غير صحيح، ولكنها تحاربها لأنها لا تريد أن يملك الشعب السوري مقدراته وبالتالي سيتناقض ذلك مع مصالح إسرائيل، وهي لا تستطيع إغضاب إسرائيل.

_______________________________

((الرسالة الأخيرة))

قال رسولنا الكريم عليه صلوات الله وسلامه ((إعقل، ثم توكل))

أمريكا زعيمة العالم الحر تقف ضد ثورتنا المجيدة. روسيا زعيمة عالم الظلام تقف ضد ثورتنا العظيمة. إيران المنحرفة عن مبادئ الدين الحنيف تقف ضد ثورتنا العريقة. ومع ذلك الثورة مستمرة.. ألا يطرح هذا الوضع سؤالاً جوهرياً وهو: ما هو السر؟

لكل أمة على وجه الأرض خصائص معينة، وللشعب السوري خصائص ينفرد بها عن سائر أمم الأرض. هذه أرض الشام على مر التاريخ تعتبر موئلاً لعدد من أمم وأقوام الأرض، فهي ممراً ومقراً، ومن يختار البقاء فيها يذوب في نسيجها، فهي أرض مباركة، وهواؤها مبارك، وشعبها مبارك.

هذه الأرض صهرت وتصهر قي بوتقتها أخيار العالم ذكاءً وجبروتاً. كل ذلك ضمن مظلة مقدسة من الإيمان بالله الواحد الأحد، خالق الكون ومرتب الأمور.

وإلا ما معنى أن تكون هذه الأرض مكاناً لهبوط الرسالات.. ومنطلق لانتشارها عبر العالم، حيث يعيش العالم على مبادئها وسيبقى كذلك.

إن الخصائص الفريدة للشعب السوري تجعله قادراً على إبداع قوته بذاته وكلما صبر وصابر وتوحد وجاهد وقدم التضحيات والبطولات كلما أشعر العالم بأنه ليس رقماً سهلاً، لذلك ليس أمامك أيها الشعب العظيم سوى الإعتماد على الله عز وجل أولاً وأخيراً، ثم الإعتماد على قوتك الذاتية وإثبات وجودك في وجه كل قوى الشر والطغيان في العالم التي تتآمر ضدك. وثق أن النصر - بإذن الله - سيكون حليفك، وسيزحف العالم لمساعدتك، كما نرى شعوباً الآن ترفع قبعاتها احتراماً لك أيها الشعب العظيم.

((وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون))

صدق الله العظيم