إنها حلب الشهباء

عبد الرحمن الحياني

عبد الرحمن الحياني

[email protected]

اسمحي لي يا صاحبة الجلالة ، أن أهمس في أذنك هذا العتب الصادق ... ففي ضمير الأحرار كان بعض العتب عليك ، ولكنك ـ كعادتكِ ـ كالفرس الأصيل ، لا يَضيرُها بعضُ التأخر في بداية السّباق ، ليقينٍ منها أنَّ المثابرةَ والجدَّ المتواصل ، يؤتي أكله في نهاية المضمار . . . وهكذا كنتِ يا حلب الشهباء ، فما إن بادرت حتى كان لك قصب السبق في هذه الثورة المباركة  ، فقد حققت في وقت قصير ، ما كان مأمولاً منك ، فكانت انتفاضتك مفصلاً حقيقياً في مسار الثورة ، وكنت معلماً بارزاً من معالمها ، حيث دعمت المدن الثائرة ، ووقفت بجدارة لتنافحي عن الحياض كما فعلت أخواتك من قبل ، فأخذت زمام المبادرة في غضون أيام قليلة .. أجل يا حلب الأصالة والشموخ والإباء ، يا معقل الرعيل الأول من الثوار في ثمانينيات القرن الماضي ، يا من قدمت فلذات كبدك طِعمة للسجون والغربة تارةً ، وقرابين فداء في ساحات المواجهة والشرف تارة أخرى ، فمعدنك الأصيل لا يتغير ، ودورك الريادي محفوظٌ لكِ ، وليس لأحد أن يحرف مساره ... أجل يا حاضرة الحضارة منذ الأزل ، ألم تكوني معبر نبي الله إبراهيم ـ عليه السلام ـ إلى الأرض المقدسة ، وكان اسمكِ منحة كريمة منه ( حلب الشهباء ) ، ألم تكوني أمَّ الثغورعبر الأزمان والعصور ؟ فمن منا لا يذكر سيف الدولة الحمداني وصراعه مع الروم ؟! ألم تكوني قلعة الصمود والمواجهة عبر التاريخ بإمتياز ؟ فما أسماء أبوابك السبعة إلا شاهد على ذلك . . باب إنطاكية . . باب قنسرين .. باب النيرب . . باب الحديد . . باب الجنائن . . باب الفرج . . باب النصر . . أجل يا حلب الشهباء يا رمز البطولة والكرامة ، وما عساي أن أقول فيك ؟! ألم تكوني بارة بالقائد العظيم صلاح الدين ، يوم أعددتِ منبر المسجد الأقصى ، هدية ليوم الفتح في حطين ، والنصر المبين .. ألم تكوني جوهرة المدائن من سالف  الزمن ؟! ففيك المعالم الأموية .. والمملوكية .. والعثمانية .. فأنى صوبت بصرك  تجد الشواهد .. فهذا الجامع ينبيك عن أتقياء صالحين كانوا فيه ، وذاك السوق ينبيك عن أنبل التجار وأصدقهم ، وهذه المدرسة تخبركِ عن علماء ثقاة تخرجوا فيها ، وذلك القصر ينبيك عن حاكم من الحكام الشرفاء الذين قاموا على خدمة شعبك المعطاء  . . . أجل يا أم العراقة والأصالة ، يا أم القدود الحلبية ، والأكلات الشهية  ، والأصوات الندية ، والسواعد الفتية ، ها أنت تتصدرين مشهد الكفاح والنضال ، وتخوضين مع أخواتك – معركة الشرف والحرية ، ضد هذا الطاغية المجرم ، الذي ملأ ـ  ومن قبله والده الهالك ــ ملأ الأرض ظلماً وجوراً ، فقتّل العباد ، وخرّب البلاد ، فعل ما لم يفعله هولاكو ببغداد ، لقد أظهر في الأرض الفساد ، أجل يا حلب الشهباء ، يا أم الأبطال والشرفاء ، لقد أخذت دورك في ركب معركة النصر والتمكين ، لهذا الشعب الأبي العظيم ، الذي رفض الضيم والقهر والذل والمهانة ، وقف في وجه السفاح الحاقد الفاجر ، قال له : لا ، وألفَ لا.. قال له : كفى ظلماً .. كفى قهراً .. كفى استخفافاً بهذا الشعب العظيم . . كفى لعباً بمقدراته . . كفى نهباً لخيراته .. كفى .. كفى .. فحُقت لك الريادة في تواضع . . والصدارة دون عجب .. وإلى لقاء قريب في ساحة الجابري ، والجامع الأموي ، في السبع بحرات ، في سوق المدينة ، في باب المقام ، فوق قلعتك الشماء .. عندما تعانق أغصان الزيتون والغار أقواس النصر.. وتعلو أهازيج االفرح، لتملأ الأرجاء ، وتعود البسمة لسورية الشموخ الإباء ، وما ذلك على الله بعزيز .. وإن غذاً لناظره قريب.