فصل المقال فيما قال بشار

زهير سالم*

فصل المقال فيما قال بشار

بشار لم يتعلم من الثورة...

وهو غير قابل للتعلم

زهير سالم*

[email protected]

( إن الذي لم يتعلم من الأزمة حتى اليوم فهو غير قابل للتعلم .....) كانت تلك هي الجملة الوحيدة المفيدة التي استوقفتني في خطاب بشار الأسد الجديد القديم . وبعد خمسة عشر شهرا من الثورة في سورية ، ومع خمسة عشر ألف شهيد ، ومن بينهم أكثر من ألف طفل ، وعشرات المجازر ، التي لم تكن مجزرة الحولة إلا واحدة منها لم أستطع أن أظفر رغم محاولتي الجادة بأي معطى جديد في خطاب بشار الأسد . ..

كنا كمدرسين للغة العربية في تصحيحنا لموضوعات الإنشاء نكتب تعليقا على موضوع بعض التلاميذ ( خارج عن الموضوع ) ونمنحه علامة ( المكعب ) بكل راحة ضمير . وبكل راحة ضمير تستطيع أن تعلق على خطاب بشار الأسد بأنه خارج السياق . أو أنه خارج الزمان ، وخارج الحدث .. .

خطاب بشار الأسد اليوم هو خطاب اللامعقول الذي يقوم على التساؤل : هل يعقل أن تقوم حكومته بهذا... ؟!  كيف يمكن لشبيحته أن يرتكبوا هذا الفعل المخجل ؟!!! وينسى أنهم لم يخجلوا أن يعلنوه إلها على رؤوس الناس ... ) ( ويتساءل بشار : من يستفيد مما يفعله أزلامه ؟!!  ويتجاهل أن عقول المتوحشين من أتباعه أقل من أن تحسن تقدير العواقب.. ) بهذا المنطق المعكوف تخلص بشار الأسد في خطابه من مسئوليته عن جرائمه ،  متجاهلا شهادة الواقع على دماء الأبرياء ، وما ينطق به كل الناجين أن الذين يرتكبون المجازر هم من الوحوش البشرية الذين طالما هتفوا كما يهتف بشار الأسد في خطابه الأسود ، الذي يصر على رفض اللون الرمادي : بشار الأسد أو يحرقون البلد ..

الحديث المختلط الملتاث عن الوطنية والدولة والعمالة والمؤامرة والداخل والخارج والإرهاب و (كراهية الدماء ) هكذا قال.. !!! كل هذا يؤكد أن بشار الأسد لم يتعلم من الدرس شيئا ..

 والحديث عن الإصلاح المنجز الذي بلغ غايته  والحوار الشعار المفرغ من معناه وعن الخلط بين الوطن والدولة والفرد والعصابة والإقرار بوجود الهدر والفساد والمحسوبية وسحق الطبقة المتوسطة وتعميم الفقر وتحميل الثورة والحصار مسئولية تدهور الوضع الاقتصادي ...يجعل كل الشراح والمعلمين والموجهين يعلنون اليأس من الحالة المستعصية في الإفهام والتفهيم كما فعل ذلك من قبل كل الذين حاولوا أن يكونوا رسل الإصلاح من قبل ..

 ثم التنصل من المسئولية القانونية والجنائية .. بتعليق كل الجرائم التي ترتكبها العصابات الموالية على مشجب المسئولية الفردية . مع أن الشعب لم يشهد حتى الآن محاسبة لا على فردي ولا على جماعي ، و لم يسمع حتى الآن إقرارا بخطأ أو محاسبة على جريمة ... والتأكيد على أن الوقت هو وقت التصفيق له وليس وقت مساءلته أو محاسبته تؤكد أن بشار الأسد كان يتحدث في مجلس الشعب السوري حيث تم التوجيه المسبق بتخفيض مستوى التصفيق ..

نقول للتركيز على سماحة النظام ورفضه للانتقام !!! خير دليل على صدق الرئيس ومصداقيته وجديته في هذا سماحة والده مع رفيق دربه صلاح جديد أو مع رئيس سورية السابق عليه نور الدين الأتاسي أو سماحة بشار الأسد مع أمهات المفقودين بتهدئة قلوبهنّ ولو بعد ثلاثين سنة من جريمة والده بحقهن ، أو سماحته بحق طفلة سورية اسمها طل الملوحي مهما تكن خلفية و حقيقة ما نسب إليها .. ..

بشار الأسد الذي يتأدب بأدب – شبيحته الإعلاميين – فينهل من عبقريتهم باستخدام لفظ ( المتعربين ) في الإشارة إلى حاضن سورية العربي وهو يعمل بلا بصيرة على إغراقها في المستنقع الإيراني ...

 وبشار الأسد الذي يدعي أنه سيعطي دروسا في الحرية لما يطلق عليه دول العبودية ....!!!

وبشار الأسد الذي يدعي أنه سيحارب الطائفية بإلحاق سورية كما يفعل بدولة تنص المادة الثانية عشرة من دستورها ( الدين الرسمي لإيران الإسلام والمذهب الجعفري – الاثني عشري – وهذه المادة تبقى للأبد غير قابلة للتغيير )

وينسى بشار الأسد أنه لو كان على مذهبه في إيران التي يريد إلحاق الشعب السوري بها بنزعه من حاضنه العربي لما سمح له هذه الدستور أن يكون رئيسا وإن تردى ثياب المقامة والممانعة..

نقول بشار الأسد  هذا يعري جذوره  أمام أعين الجميع بالتنكر للانتماء القومي والحضاري فلا يحتاج منا إلى مزيد تعبير ..

بشار الأسد الذي رأى في هؤلاء الثائرين الذين يخرجون إلى الموت طلبا للحرية والكرامة الإنسانية مجموعة من العاطلين عن العمل الذين وجدوا في هذه المظاهرات مصدرا للرزق ... ينسى أن الذي حاصر هؤلاء الشباب بالبطالة هو نفسه ونظامه وأخطبوطه الاقتصادي الذي لا يقل بشاعة عن أخطبوطه التشبيحي .. .

وينسى بشار الأسد أنه بهذه التهمة إنما يتهم شباب سورية الجميل بأرخص ما في القاموس السياسي لمفلس ما عاد يعرف ماذا يقول !!!

 خطاب بشار الأسد في احتكار الوطنية واعتبار ذاته النرجسية هي المصدر الذي يمنح ويمنع ويضر وينفع ويخفض ويرفع يترجم عمليا عقيدة أتباعه فيه : لا إله إلا بشار . فالوطنيون هم الذين يقفون وراء بشار الأسد والعملاء والمتآمرون والإرهابيون هم كل ما عداهم ..

وبشار الأسد – فيما لم يقله - يفعل فعل وزير خارجيته ولا ندري أيهما تعلم من الآخر ، فيشطب دول العالم التي طردت سفراءه عن أسطر خطابه فلا يعلق على هذا الموقف الدولي على أهميته وانعكاساته وتداعياته بشيء !! فأسهل شيء إسقاط كل المخالفين في الداخل والخارج عن الخارطة ..فلا يستحقون منه رغم الدقائق السبعين التي شغلنا بها تعليقا ..

عد بنا إلى المربع الأول ستجد بشار الأسد لم يقل شيئا... ولم يتعلم جديدا ..وستعود لتشدد على قوله :

( الذي لم يتعلم من الأزمة حتى اليوم فهو غير قابل للتعلم .....)

نعم هي الجملة الوحيدة التي تختصر المشهد وتختصر القيل والقال .. وهذا هو فصل المقال فيما قال بشار ..

               

* الناطق الرسمي باسم جماعة الإخوان المسلمين في سورية

*مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية