فضيحة الإسلاميين في مصر تجاه الشعب سوريا

حسام مقلد

فضيحة الإسلاميين في مصر

تجاه الشعب سوريا!!

حسام مقلد *

[email protected]

قالت صحيفة الأهرام القاهرية (الاثنين12/3/2012م): "إن شبيحة الأسد ذبحوا 45 امرأة وطفلا بالسكاكين والسيوف، حيث عثر ناشطون سوريون على جثث 20 امرأة و25 طفلا في حي كرم الزيتون وحي العدوية في مدينة حمص".

ونسبت الصحيفة لفضائية (الجزيرة) القول ـ نقلا عن هؤلاء الناشطين ـ: "بأن موالين للنظام السوري أقدموا على ذبح هؤلاء النساء والأطفال بالسكاكين والسيوف ورمي جثثهم، كما اغتصبوا عددا من النسوة قبل قتلهن".

وقبل ذلك بيوم واحد ذكرت وكالات الأنباء أن الجامعة العربية قد أعلنت ما سُمِّي بـ "اتفاق النقاط الخمس" مع روسيا، والذى يتضمن:

وقف العنف في سوريا.

إنشاء آلية رقابة محايدة.

رفض التدخل الخارجي في الأزمة السورية.

السماح بوصول المساعدات الإنسانية للسوريين.

تقديم الدعم الكامل لجهود مبعوث جامعة الدول العربية والأمم المتحدة (كوفي عنان).

ولسان حال الشعب السوري الأبي ومئات الآلاف من القتلى والجرحى والمشردين يستصرخون أحرار العالم وشرفاء البشرية جميعا أن يهبُّوا لنجدتهم قبل أن يبيدهم هذا النظام القمعي المتوحش، وكأني بالسوريين يتوسلون للقادة والزعماء والسياسيين العرب أن يكفوا عن هذه الاجتماعات الضعيفة والقرارات الهزيلة التي تتمخض عنها فلا أعراضا تحمي ولا أرواحا تحفظ، وغاية ما تفعله هو مزيد من الثرثرة والضجيج بلا طحن!!

والحقيقة التي يعرفها القاصي والداني، وشاهَدَها العالم كله عبر الفضائيات والإنترنت أن نظام الأسد البعثي الطائفي يقوم منذ عام كامل بارتكاب جرائم بشعة ضد الإنسانية وحرب إبادة جماعية بحق الشعب السوري الأعزل، وإن كانت هذه الحرب تُمارَس بالتدريج لعدم إثارة الرأي العام العربي والعالمي، وأية محاولات تساوي بين ما يرتكبه نظام بشار الأسد المتوحش بشبيِّحَته وأمنه وجيشه النظامي من جرائم بشعة ومذابح مروِّعة وبين مظاهرات واحتجاجات الثوار السوريين الأبرياء العُزَّل الذين لا يمتلكون إلا حناجرهم وهتافاتهم السلمية من أجل حقوقهم الإنسانية في الديمقراطية والحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية ـ أية محاولات من هذا القبيل هي في الواقع نوع من التضليل والخداع والتزوير وتزييف الحقائق، أو نوع من التواطؤ مع الجلاد ضد الضحية العزلاء، بل هي في الواقع جريمة منكرة في حق الشعب السوري البطل الذي يواجه بمفرده منذ عام كامل دون ناصر أو معين طغيان وجبروت نظامه الغاشم الذي يفتك به، ويقتل منه العشرات يوميا دون أدنى رحمة!!

وإن كنا لا نستغرب الموقف الروسي الداعم لبشار الأسد، ولا المواقف الغربية المتواطئة، ولا حتى المواقف الرسمية العربية العاجزة، فلا جديد في ذلك كله، لكننا نستغرب أشد الاستغراب من المواقف الشعبية العربية الهزيلة التي لا ترقى إلى حجم الكارثة، لاسيما مواقف الإسلاميين، وخصوصا الإسلاميين في مصر الثائرة!!

فأين هم الإخوان المسلمون في مصر مما يحدث في سوريا؟! وأين هم السلفيون الذين فاجؤوا العالم بحضورهم وكثافة عددهم بعد ثورة 25يناير المجيدة؟!

لقد ثارت ثائرة سلفيي مصر قبل بضعة أشهر حميَّة لأحد مشايخهم إثر نزاع قانوني بينه وبين مفتي الجمهورية، وتجمعوا بالآلاف تضامنا مع شيخهم وهذا حقهم القانوني ولا غبار عليه أبدا، لكن ألا تستحق أرواح آلاف السوريين الذين قضوا حتى الآن في الثورة السورية الشجاعة وقفة مُضَرِيَّة من شباب السلفيين؛ للإعراب عن تضامنهم مع إخوانهم ورفضهم سفك دمائهم بهذه الوحشية؟!! ألا تستحق أعراض المسلمات السوريات اللائي تنتهك يوميا على أيدي عصابات بشار الأسد وشبيحته وقفة تنديد واستنكار؟!! أليس أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر؟! كما ورد في الحديث الشريف الذي رواه أبو سعيد الخدري ـ رضي الله عنه ـ عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنه قال: "أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر" (رواه الترمذي وأبو داود وابن ماجة وصححه الألباني) أم أن مشايخنا وأحبابنا يرون أن أفضل الجهاد يكون برفع الآذان في مجلس الشعب؟!!

وماذا عن جحافل (الإخوان المسلمون) الذين طالما أثاروا حميتنا، وشنَّفوا أسماعنا بشعارهم الأثير: "الله غايتنا، والرسول زعيمنا، والقرآن دستورنا، والجهاد سبيلنا، والموت في سبيل الله أغلى أمانينا" ماذا حدث لهم إذن؟! أفلا تستحق حرائر سوريا مليونية في ميدان التحرير كتلك المليونيات التي عقدت طوال السنة الماضية؟! وأي جهاد أفضل من إعلان كلمة الحق والضغط السياسي والدبلوماسي نصرة للضعفاء والمظلومين والوقوف بجانبهم حماية لأرواحهم وأعراضهم وأبسط حقوقهم في الحياة؟!

قد يزعم قائل أن هذا الكلام مجرد (طيش شباب...!!) وعواطف مندفعة لا تُحسِن تقدير عواقب الأمور!! وسيتساءل آخر: وماذا بيد المصريين عامة والإسلاميين خاصة ليقدموه لسوريا سيما وأن الثورة المصرية لمَّا تنتهي بعد وما يزال أعداؤها يتربصون بها الدوائر؟! وسيقول ثالث: كفانا مليونيات فالبلد قد استُنزِفت، والاقتصاد المصري لم يعد يحتمل!! وسيصيح رابع قائلا: علينا أن ننأى بأنفسنا عن المستنقع السوري، فما يجري هناك هو حرب بالوكالة، وسوريا ما هي إلا ساحة متقدمة للحرب بين القوى الإقليمية والقوى الكبرى...، والحكمة وبعد النظر يقتضيان منا التريث وعدم الاندفاع أو المغامرة!!

ورغم وجاهة معظم هذه الأقوال والتساؤلات إلا أنها قاصرة عن التعامل الشامل مع الأزمة السورية انطلاقاً من رؤية استراتيجية بعيدة المدى، وقد ظل المخلوع يردد هو ونظامه كالببغاوات طوال الثمانينات مقولة: "ارفعوا أيديكم عن لبنان" حتى غدا لبنان ساحةً لكثير من اللاعبين الدوليين والإقليميين بعيدا عن مصر!! ولا يخفى على أحد تدهور مكانتنا، وتآكل قوتنا الناعمة، وتراجعنا الإقليمي المخزي والمخيف، وخيبتنا القوية في معظم الملفات المهمة كملفي غزة ودار فور، وحتى ملف مياه النيل التي هي روح مصر وعصب الحياة فيها!! كل ذلك بسبب قصر نظرنا وانكفائنا على أنفسنا ورضانا بالتبعية الذليلة للمواقف الأمريكية والغربية، بل حتى والخليجية مؤخرا...!!

هذا فضلا عن أن أحداً من المصريين لم يقل: إن على المجلس العسكري الحاكم في مصر أن يعلن الجهاد ويدق طبول الحرب نصرة للشعب السوري المقهور المغلوب على أمره، نحن أكثر واقعية من ذلك، وكل ما نرجوه أن نكون على مستوى الحدث، ولو شعبياً فقط، ولو حتى على نطاق الجماعات الإسلامية التي ينشغل بعضها بأفكار عجيبة كتحضير كميات كافية من الشمع لصبها على التماثيل!! وبعضها الآخر يقف مشدوها منذهلا مما جرى على الساحة المصرية والعربية وكأن ما حدث كان أضخم كثيرا من قدراته العملية، وأن تنظيره الرائع قد تشتت وتبدد أو تقزَّم عند اصطدامه بأرض الواقع!!

ويجب أن أؤكد هنا أن حساسية موقف الإخوان المسلمين معلومة ومُقدَّرة، والكثيرون يتفهمون مخاوفهم من اتهامهم بالسعي لبناء إمبراطورية إخوانية في الشرق الأوسط؛ لذلك يتحركون بحذر بالغ في مختلف القضايا، لكن يبقى الشأن السوري قضية عربية وإنسانية في المقام الأول، والأمر لا يخص المصريين ولا إسلاميي مصر وحدهم، فالشعب السوري مع تقديره البالغ للمواقف الخليجية إلا أنه يرجو المزيد من المواقف العملية، وينتظر من إخوانه في الخليج ـ خاصة الإسلاميين ـ أكثر من التأثر والتعاطف ودعاء القنوت (رغم أهميته القصوى...) لكن السوريين يتمنون تدخلا فعالا أكثر على الصعيد الإنساني وتقديم المساعدات، وكذا على الصعيد السياسي من خلال مزيد من الضغط الدبلوماسي المصري والعربي من أجل إقامة مناطق عازلة وممرات إنسانية آمنة لإنقاذ المنكوبين وإخلاء الجرحى والمصابين، وهذا ما لن يتحقق ما لم يكن هناك ضغط شعبي قوي ومتواصل على الحكومات العربية، وخاصة مصر التي تبقى مصر ويبقى لثقلها وقيمتها السياسية والحضارية هيبتها ومكانتها في المنطقة والعالم، فهل يستفيق الإسلاميون ويؤدون دورهم السلمي في حماية أشقائهم السوريين قبل فوات الأوان؟!

               

* كاتب إسلامي مصري