منصف المرزوقي من المنافي إلى القصر الجمهوري
منصف المرزوقي
من المنافي إلى القصر الجمهوري
محمد فاروق الإمام
[email protected]
بداية مبارك لتونس الخضراء بنجاح ثورتها.. مبارك لتونس الحرية باختيار رئيسها الديمقراطي الإنساني الدكتور منصف المرزوقي.. مبارك لتونس بمجلس نوابها المتنوع بإيديولوجيات أعضائه الذين اختارهم الشعب التونسي بحرية ونزاهة وشفافية لم يعهدها منذ استقلاله عن فرنسا عام 1956.
يوم أمس الثلاثاء 13 كانون الأول كان بالنسبة إلى تونس يوماً تاريخياً يحق أن يسجل بحروف من نور، حيث أدى الرئيس التونسي الدكتور منصف المرزوقي اليمين الدستورية بعد اختياره رئيساً للجمهورية التونسية عقب إطاحة الثورة فيها بالطاغية زين العابدين بن علي، ولم يكن الملايين – وأنا منهم - ليخطر ببالهم أن المعارض التونسي الذي بقي مطارداً يتنقل بين المنافي والسجون والملاحقة لأكثر من خمسة عشر عاماً سوف يُختار ليكون رئيساً لتونس الديمقراطية المدنية التي تحكمها المؤسسات
وسيادة القانون، بعد حكم استبدادي بدأ منذ فجر الاستقلال عام 1956 وليس كما يقال أنه بدأ مع زين العابدين بن علي وهذه حقيقة لابد من التذكير بها، ويمكن القول دون مغالاة أن تونس الآن قد نزعت ثوب الاستعمار والديكتاتورية لتصبح دولة مستقلة حرة بعد أن تمكن شبابها بثورتهم من إزاحة كابوس الاستبداد واقتلاع سرطانه الذي كان امتداداً لحقبة مظلمة تمثلت في الاستعمار الفرنسي وديكتاتورية الحزب الدستوري الشمولي الواحد.
منصف المرزوقي رجل لا يسع الإنسان إلا أن يقف أمامه باحترام فقد عرفته من خلال مواقفه الصلبة تجاه نظام ابن علي الديكتاتوري ومن خلال نضاله السلمي الطويل ومن خلال المؤتمرات والندوات والحوارات واللقاءات عبر وسائل الإعلام التي كان يشارك فيها، وكان يتنبأ بما يحدث اليوم من ثورات عربية، مؤمناً بأن الشعوب لابد وأن تثور وتنتفض على طغاتها وتزيل كابوس حكمهم الفاشي وأجهزتهم القمعية، وكان لي شرف مشاركته في بعض هذه النشاطات على شاشة قناة بردى السورية المعارضة، وكنت أستلهم
من مواقفه الأمل وأستشرف من عزيمته بزوغ شمس الحرية، التي كان يؤكد دائماً على سطوعها في سماء البلدان العربية المقهورة بأنظمة ديكتاتورية فاسدة، وأن الشعوب لابد وأنها ستلعب الدور في القضاء على هذه الأنظمة، ولا زال رجع صدى كلمات هذا المناضل التي كانت أبلغ من الرصاص التي واجه فيها الشبيح السوري طالب إبراهيم على شاشة الجزيرة في برنامج الاتجاه المعاكس ترن في أذني، وهو يفضح ما يقوم به النظام السوري من قمع المحتجين السوريين بأسلوب وحشي وهمجي وسادي لم تعرفه البشرية من قبل ولم ترويها
بطون التاريخ، مما دفع الشبيح طالب إبراهيم – بعد أن فقد توازنه أمام ما ساق المرزوقي من أمثلة وحجج دامغة عن جرائم النظام الفظيعة – أن يتجرأ على الله متحدياً عظمته وقوته وجبروته، وأمثال هؤلاء لم يمر على مسامعهم الصماء وعيونهم العمياء وبصيرتهم السوداء الحديث القدسي الشريف، حيث يقول الله تعالى: (العظمة إزاري والكبرياء ردائي فمن نازعني فيهما قصمت ظهره ولا أبالي)!!
نجحت تونس بثورتها وحققت ما تصبو إليه من إقامة الدولة المدنية التي تقوم على الحق والعدل ويتساوى فيها الجميع، وهذه مصر الكنانة تسير على نفس الطريق بعد أن خلعت اللامبارك، وكذلك ليبيا بعد أن نفذت حكم الله في طاغيتها معمر القذافي، وكذا اليمن هي في طريقها إلى تحقيق أمانيها في التخلص من نمرودها علي عبد الله صالح، وتبقى سورية في صراع دام مفتوح مع فرعونها الصغير بشار الأسد، الذي تخطى كل الخطوط الحمر التي عرفتها الأنظمة الديكتاتورية الباغية، فلم يترك هذا الفرعون
الصغير وسيلة من وسائل القمع المبتكرة والتي لا تخطر على بال بشر إلا واستعملها في قمع السوريين المتظاهرين سلمياً على مدى تسعة أشهر، راح ضحيتها ما يزيد على خمسة آلاف شهيد وأضعاف أضعاف هذا العدد بين مفقودين وجرحى ومعتقلين ومهجرين ونازحين، ولا يزال موغلاً في دماء السورين مستبيحاً مدنهم وديارهم ودور عبادتهم بشكل وحشي لم تصله الضباع مع فرائسها ولا الذئاب مع ضحاياها ولا البوم مع طرائدها.
وصول منصف المرزوقي إلى سدة الرئاسة في تونس تجعلنا أشد إيماناً وتصميماً وأثبت جناناً في مواجهة فرعون سورية الصغير، وتؤكد لنا أن الطغاة إلى زوال وأن النصر في النهاية للشعوب.. وإننا لصامدون ولن تلين قناتنا أو تنحني جباهنا أو تتقوس قاماتنا في وجه هذا الباغي وعصابته الحاكمة، فلن نركع إلا لله، مهما بلغت التضحيات وغلى الثمن، فالحرية التي ننشد أغلى وأعز من كل ما يُقدم على طريق الفوز بها وانتزاعها من مخالب هذا الفرعون الصغير، وإنا لماضون في ثورتنا على خطى أحرار تونس
وليبيا ومصر حتى إزاحة هذا الكابوس عن صدر سورية.