سردشت عثمان

بسام الهلسه

الجرأة على الأسياد

بسام الهلسه

[email protected]

*القتلة الذين اقتادوه ليواجه مصيره,فعلوا ذلك في وضح النهار وامام الانظار. لم يأتوا متخفين في الظلام او متنكرين للتمويه على هويتهم, فهم واثقون من انفسهم ومن قدرتهم, وارادوا ابلاغ رسالة واضحة لكل من يرى ولكل من يسمع: نحن هنا الاسياد, والويل لمن ينسى هذا...

*            *          *

في الثامنة والنصف تقريبا من صباح يوم 4-5 الماضي, اجتازت سيارة نقاط التفتيش الكثيرة في مدينة اربيل شمال العراق, دون ان يدقق في هوية ركابها احد, وتوقفت بهدوء امام مبنى كلية اللغات في جامعة صلاح الدين, ثم ترجل راكبوها ليقتادوا شابا في الثالثة والعشرين من عمره على مرأى من طلبة الجامعة ومن الناس الآخرين المتواجدين, هو الطالب في السنة النهائية بقسم اللغة الانجليزية: سردشت عثمان.

*            *          *

وكما جاءت السيارة بثقة وهدوء, انطلقت بمن اقتادته بهدوء..وبعدها وجد سردشت ملقى على طريق الموصل مقتولا بالرصاص وعلى جسده علامات التعذيب.

*            *          *

- من فعل هذا؟ ولماذا؟

-لا يحتاج السائل للبحث حتى يعرف الجواب..

فأربيل تحت السيطرة المطلقة لجهاز الامن الكردي المسمى ب"الاسايش", وجهاز المخابرات "الباراستن" الذي يقوده مسرور البارزاني, ابن مسعود البارزاني.

و"خطيئة" سردشت هي انه اجترأ على احدى"المحرمات", بالمسِ  بالعائلة الكردية الحاكمة, ووضع نفوذها وامتيازاتها وتجاوزاتها موضع التساؤل.

لم يقل رأيه همسا, كما هي عادة معظم الناس الذين يلجؤون الى تقنية الاستغابة الدارجة في البلدان المبتلاة بعائلات حاكمة متسلطة . قال رأيه علنا وبشجاعة نادرة تليق بأصحاب الرسالة المؤمنين بقضيتهم, الذائدين عن حقوق الناس في الحرية والعدالة والمساواة, الذين يرون ان انتهاك هذه الحقوق لا يشكِل فقط ظلما يشتكى منه في المجالس الخاصة, بل خطر ينبغي التصدي له ومواجهته على الملأ, وإلا صار عادة طبيعية مألوفة.

*             *          *

بالطبع, يعرف الجميع هذا, لكنهم يتغاضون عنه تواطؤا او خوفا, او يكتفون بكلام عام يقيهم عواقب المساءلة...

ميزة سردشت انه جاهر بما يؤمن به, وانه شخَص الحالة وحدد من يعنيهم ويتهمهم بعبارات صريحة. وميزته الاخرى انه امتلك موهبة لافتة في التعبير.. موهبة تنم عن طاقة ابداعية واعدة كشفت عنها المقالات القليلة التي كتبها ونشرها. لكن الاسياد المتسلطين من كل الاقوام والاعراق, لا يحبون المواهب الا اذا كانت في خدمتهم..فكيف يكون مصيرها اذا تجاسرت على تحديهم بما يشبه الفضيحة؟

*           *           *

كتب سردشت عثمان مقالة مدفوعة بحسٍ عالٍ بالحرية والمساواة, منددة بتسلط عائلة البارزاني المحمية من الاميركيين والاسرائيليين, واستئثارها بالامتيازات, بعنوان جسور: " انا اعشق بنت مسعود البارزاني".

فجاءته التهديدات متوعدة, لكنه لم يخف ولم يرتدع, فكتب مقالة ثانية تؤكد على الاولى بعنوان " الرئيس ليس إلها ولا ابنته". فقيل له انه سيدفع الثمن قريبا, فكان ردهُ مقالة ثالثة : " اول اجراس قتلي دقت". وكانت هذه هي مقالته الوداعية الاخيرة التي انتظر فيها قتله الذي لم يتأخر..بل الغريب انه تأخر حتى المقالة الثالثة, فلو ان احدا من العرب كتب ما كتبه سردشت بحق عائلة حاكمة في بلاد العرب, لما تمكن على الارجح من كتابة مقالة ثانية !

*                *            *

حينما بلغني نبأ تصفية سردشت وقرأت مقالاته, انتابني احساس بالاسى على فقد واحد من الصادقين الشجعان الذين يُعلون بكلماتهم ومواقفهم النبيلة منارة الكرامة الانسانية.

فإلى عائلته واصدقائه والمتضامنين معه, اتقدم بعزائي ومواساتي, واشدُ على ايديهم مشاركا لهم مشاعر الفجيعة والغضب.

*            *          *

سردشت عثمان..يا للشجاعة !!