كشاف (محتمل) لرسائل عن الأميري

عبد الله زنجير

كشاف (محتمل) لرسائل عن الأميري!

عبد الله زنجير *

عضو رابطة أدباء الشام

 من دار الأرقم(1) وعبق بقيع المدينة، كانت رحلة الأميري عمر بهاء الدين –شاعر العربية النبوية والإنسانية المؤمنة- جهاداً وجمالاً وجدارة، وبحثاً مخلصاً من أجل أمته وإيمانه وخير هذا العالم.

 لقد اعتذرت لصديقي باسل(2) المقيم في أمريكا، عن تناول سيرة هذا العملاق كرة جديدة لا لندرة المعرفة به والعرفان له، بل لمهابة الغوص مع منهج متكامل في الفكر والحياة ولا أروع، نحتاج إليه ونحن أبعد ما نكون عنه، فالأميري يمثل كنزاً تجديدياً شاملاً يقوم على أسس الأصالة والعراقة والانفتاح، ومضى وقضى من دون تخل عن أهدافه النقية التقية، إحقاقاً لملحق وذوداً عنه، وإسعافاً وإسعاداً لعشيرته الأقربين والأبعدين، وإعلاء لراية القرآن العظمى، في عصر من أعتم وأعوص العصور، غربة وتيهاً وتوعية.. إلى أن انبثقت تجليات الصحوة، بفعل جمود هؤلاء الأميري وأمثاله وعرقهم وعملهم!

 ثم علمت من أستاذنا البراء نجل (أبي البراء) بمشروع التوثيق الخاص، فاغتبطت لهذه الفكرة الحصيفة ورجوت الله أن يوفق لإتمامها بالحدود الممكنة التي تؤسس للعدل وإنصاف الرجال بما يعوضهم بعض ما يستأهلونه، عسانا ننتقل قريباً من قلة المبادرين إلى تعميم المبادرة لتوطينها في تربتنا وتربيتنا، فنعرف حق عالمنا ونوقر كبيرنا ونتأسى بالنفيس وندع المدّعي.

*   *   *

 ما سبق كان مفتاحاً لابد منه لعناوين لم تعد تنتظر، وجدت كراسيها شاغرة من تلامذة وجادين ونقّاد، فهي تمثل كشافاً مقترحاً أو محتملاً لأطروحات ودراسات علمية وعالمية وضرورية، تروي فهم العطشان وتؤسس لثقافة عصرية في التراجم لكل من عمل على نفس المنوال وطار محلقاً في سماء هذه الواحة، فكتب باحثاً في حياة الأميري وشعره كالدكتور وليد السامرائي ود. خالد الحليبي وكذلك كاتبات أديبات من المغرب وسورية وغيرهما، وهو يباشر بالثمرات القادمة ويصب في قلب دعوتنا هذه.

 إن (الزعيم) عمر بهاء الدين الأميري، هو رجل المناقب والمنابر في طول العالم الإسلامي وعرضه، وكثيرون لا يعرفون عنه سوى الشاعر المسلم المجاهد السلفي الصوفي، وهذا بعض الحقيقة وليس كلها، فأدواره الأكاديمية والمؤسساتية والفكرية والنهضوية، لا تقل شأواً عن جاذبيته الشعرية والأدبية وأثره الحي الناطق في نهضة القرن الماضي للعالم الإسلامي وربوعه العربية بالذات.

 هذا وإذ أعرض لكشافي المقترح، فلكي أضوئ بعضاً من ملامح العبقرية التي تتماسك وتتجانس في عقل وقلب ونفسية وشخصية الراحل الكبير –عليه رحمة الله- وهو اجتهاد فردي متواضع، يأتي في خضم الأبحاث القيمة المنشورة، لا يغني عنها ولا تغني عنه. وفيما يلي رؤوس أقلام، أمر عليها سريعاً ومتطلعاً لأبطال يخرجونها لنا معالماً على الطريق، وبوصلة هادية طال انتظارها وقعدت عنها الهمم والمهمات:

 أ- (فن اللغة في شعر الأميري) إن توظيف البيان في شعر الأستاذ له طراز خاص، والكثير من المفردات التي يشتقها تضيف بديعاً غير مسبوق للعربية الرائجة، وهو في وضعه لشرح الكلمات نهاية معظم دواوينه يريد من القارئ أن يرقى إلى مستوى اللغة وفنيتها، وربما لو أراد أن يجعل كل كلامه شعراً لفعل ذلك!

 ب- (الأم في الإسلام من خلال شعر الأميري) إن علاقة الأميري بأمه نموذج مشرق لمكانة المرأة في الإسلام وهو قد تفرد بوضع ديوانه (أمي) يبرهن على وشائج الأسرة ودور العاطفة الإنسانية.

 ج- (الأصالة والمعاصرة في شعر الأستاذ الأميري) المؤمن الكيّس من عرف زمانه واستقامت طريقته، والأميري في شعره ونثره لم يقع في فخ الفصام الثقافي أو التناقض الفكري، بل كان واثق الخطى بعيد النظر.

 د- (الإنسانية عند الأميري) وهو موضوع متفرد في النظرية والممارسة، تقرأ هذا من رمزية معينة في قصيدته (بنات المغرب) وفي انفتاحه على الآخرين والتعاون معهم، فهو واسع الدائرة في ملائكيته وبشريته،.

 هـ- (الجمال عند عمر بهاء الدين الأميري) إنه عاشق للجمال ومتناغم معه لكنه لا يفصله عن الخير والحق وتذوقه له فطرة ونعمة، لا يجحده ولا يجابهه ولا يبالغ في تفسير مفهوم الفتنة، بل يؤطره ويبشر به.

 و- (الفقه الحضاري من منظور عمر الأميري) وهي نظرية تجديدية ناظمة لعقل المسلم المعاصر، طرحها كآراء وأفكار للحوار وطبعتها فلسفته ومحاكماته لجل القضايا، ولاقت رواجاً كبيراً في الأوساط المثقفة.

 ز- (الأثر والآثار الفكرية لعمر بهاء الدين الأميري) لقد ترك –رحمه الله- تراثاً منشوراً ومسطوراً في الفكر والحياة، وقد أرخ لبعض أدواره كما في كتاب (لقاءان في طنجة) وكثيراً ما يمزج بين الفكر والشعر.

 ح- (الطفولة في شعر الأميري) إنه ميدان واسع وفؤاد نابض، وقصيدته أب التي أعجبت العقاد والرافعي والطنطاوي وأنشدها أبو الجود، من عيون الشعر العربي الممتاز، ليس في ذلك ريب، وقد امتد اهتمامه بالطفولة والأطفال طيلة عمره، فأخرج دواوين (أب) و(أبوة ونبوة) و(جدو) الذي لم ينشر.

 ط- (الأميري والمعجزة الفردية) هل هي موهبة فحسب أم تطوير ذاتي وبناء متقن محكم لشخصيته المتميزة الرائدة، كان منظماً في حياته لأبعد الحدود، جميلاً في طلعته وطبيعته، خطيباً مفوهاً ومتحدثاً ملوكياً، أجاد عدة لغات في آن واحد، وفاعليته ونشاطه مدد من الرحمن وصلة معه.

 ي- (الأميري وأدوات العصر) لأن الأميري رجل قضية وشاعر فكرة، فقد توثقت علاقاته مع المنابر الإعلامية المتنوعة، كتابة وصوتاً وصورة، وكان سباقاً في هذا المجال وله مئات ومئات المشاركات المبثوثة في صحف ومجلات القرن الماضي، والتي تنتظر من يزيح عنها ركام الهجرات، وقد احتفظ ببعض ما يصادفه منشوراً ضمن أرشيف خاص، حرص عليه في أوقات مرضه وغربته.

 ك- (الإصلاح والتجديد في فكر الأميري) مكانة الفكر عن الأميري، دفعته للبحث والابتكار، فهو أول من تحدث عن وسطية الإسلام وأمته، وكتب عن (الأبعاد الحضارية للجهاد المقدس) مفنداً مواقف الأصدقاء الجاهلين والأعداء الجاحدين، وكان موقفه من الصحوة الإسلامية الترحيب والترشيد والتسديد، وصولاته وجولاته في موضوع الإصلاح والتجديد تنقلنا للحديث عنه.

 ل- (عمر بهاء الدين الأميري والتجديد الأكاديمي) ذلك لأن تدريسه في عثرات الجامعات: السعودية والمغرب واليمن والجزائر والأردن والإمارات والكويت وقطر والباكستان وتركيا وأندونيسيا إلخ.. وضعته على تماس مع عوامل الضعف والكلاسيكية التي يعاني منها التعليم الإسلامي، فأبدى آراءه ودون ملاحظاته ونصائحه، وأوصى بالاهتمام بالعلوم الإنسانية ووضع كتابه الرائع (الإسلام وعلم الاجتماع) وحضّ على قراءة المستقبل والحيلة في سبيل الله، وألف في موضوع (الإسلام وحضارة المستقبل) ودعا للاهتمام بالمواهب ورعايتها وتنميتها وإلى إعادة النظر بأساليب التدريس ووسائله.

 م- (الأميري والتربية) نظرات الأميري في التربية انطلقت من إدارته للمعهد العربي الإسلامي في دمشق، فركز على المناهج وتجسيد مفاهيم النظافة والنظام والرقي الإنساني والمشاركة والعصرنة وإعادة إنتاج لعقل المسلم الشاب وتنضيجه ورسم صورة حقيقية وحيّة لمعنى القضاء والقدر والأمر بالمعروف في الإسلام واستخلاص العبر من التاريخ دون الفرق فيه، وحسن اختيار التراث من معينه.

 ذ- (الأميري والاجتهاد) على الرغم من كون الأستاذ غير متخصص في القه بمفهومه المحدد إلا أن فهمه للنصوص وتعامله معها يؤكد على استيعابه ومقاصديته وإلمامه بدقائق الأحكام، وقدرته على استنباط الفتوى المناسبة في شؤون الدين والدنيا، بعيداً عن صنعة المشيخة وتضاريسها.

 س- (رحلات الأميري.. المغزى والسيرة) كان الأميري رجل المهات الصعبة والمساعي الحميدة، فمن طلبه للعلم وحرصه عليه انطلقت جولاته في قارات الدنيا لأهداف سامية ومصالح مشروعة للأمة.

 ع- (الأميري والعمل الإسلامي) ولأنه أسهم بالانطلاقة المعاصرة للعمل الإسلامي وكان من مؤسسي الحركة الإسلامية في سورية، فقد تميز دوره في هذه الساعة، وكان شاهد عيان على كثير من أموره وأماراته، مسموع الكلمة ومحترم الجناب، لا يخاف في الله لومة لائم، متسامحاً ومنفتحاً.

 ف- (الوطنية في شخصية الأميري) إننا نلاحظ وطنيته وغيرته في ثنايا شعره ونثره، وفي حراكه وحميته، فهو قد شارك مع جيش الإنقاذ في الدفاع عن القدس سنة 1948م وناضل طويلاً ضد الديكتاتورية والطغيان، وكانت له علاقات هامة مع الوطنيين والأحرار في مواقع كثيرة.

 ص- (السياسة في مفهوم الأميري) عاصر أستاذنا الكثير من الأحداث الساخنة، وعلى مدى سنوات مكث سفيراً ووزيراً لسورية الاستقلال، وهو في ذلك يعتبر السياسي الأول عند الإسلاميين موقعاً ومكانة، لكنه لم يكن ميكافيلياً نفعياً بل مؤمناً متديناً يعمل بالأولويات والتوازنات ودرء المفاسد وجلب المصالح، والوثائق الدبلوماسية في تلك الحقبة تعاضد هذا الرأي وتدعمه.

 ت- (مكتبة الأميري.. نموذجاً) قل لي ماذا تقرأ أقل لك من أنت، و الأميري في عالمه الممتد الرحيب قرأ كثيراً وتأثر بأسماء معينة مثل محمد إقبال، ومكتبته الكبيرة الموزعة في أكثر من مكان، هي نموذج لثقافة المسلم المعاصر من حيث تنوعها وتكاملها وأولوياتها المعرفية، وكذلك ما أهدي إليها من عقود.

 ر- (لطائف وطرائف الأميري من أفواه عارفيه ومريديه) الأميري –رحمه الله- كان مزوحاً يبتكر النكات ويصطاد البسمات، يتمتع بالأريحية والمرح، وكان يقصد ما يقول لحاجة في نفس يعقوب، ولا أكاد أعرف أحداً اختلط به إلا ويروي عنه طرفة ما تفيض بالجمال وخفة الظل وحلاوة المنطق وظرافة الحديث.

*   *   *

 وبعد: فإن ما يقال في الزعيم المسلم (عمر بهاء الدين الأميري) وما يمكن أن يحكى عنه أكثر من هذا بكثير لكن وكما يقول فقيه الزمان مصطفى الزرقا: مالا يدرك كله لا يترك قلّه، فالأميري منهج مطلوب مفقود في حياتنا الأدبية والفكرية والدعوية، نحتاج للتعلم منه في كل تفاصيلنا، حكمة وعقلاً وذوقاً وتجرداً ومعشراً متحضراً، وقد تجاوزت الشواهد الشعرية والنثرية، لأنها أكثر من أن تحصى، والثقة كبيرة بأن يجد الباحث العلمي ضالته في ثنايا وخفايا هذا الرجل العملاق.. والله من وراء القصد.

               

* كاتب وإعلامي سوري

 (1) جمعية دار الأرقم الإسلامية في شارع اسكندرون بحلب.

 (2) الأستاذ الإعلامي باسل الرفاعي.