مَن يقتل في سبيل حريته

عبدالله القحطاني

مَن يقتل في سبيل حريته .. ما حكْمه !؟

عبدالله القحطاني

جاء في الحديث الشريف، أن مَن قتِل دون ماله فهو شهيد ، ومن قتِل دون أرضه فهو شهيد ، ومن قتِل دون عرضه فهو شهيد ..  فما حكْم من قتِل دون حريته ، وهي التي تجعل منه إنساناً، بكل ماللإنسانية من معنى ، وبكل مالها من مقتضيات ، بما في ذلك قدرته على الدفاع عن الأشياء المذكورة آنفاً ؛ إذ لايستطيع دون الحرية ، أن يقاتل دون هذه الأشياء ، بل لايستطيع أن يدعي حيازتها ، أو ملكيتها ، أصلاً ! لأنه لايملك ، أساساً ، حرية القول والفعل والحركة، بَلهَ الرفضَ والمنابذة والمناجزة والقتال !

· لقد جعل الإسلام تحرير الإنسان ، هدفاً أساسياً سامياً من أهدافه ؛ بل هو الهدف الأول ، الذي لايتحقق أيّ هدف من أهداف الإسلام دونه ، بما في ذلك حرية الإيمان ، وما ينضوي تحتها ، من عبادات وأخلاق ومعاملات . لذلك :

 إيمان المكرَه لاقيمة له عند الله ، ولاقيمة لما يندرج تحته من عبادات وأخلاق ..! وقد قال ربّنا عزّ وجلّ : (لاإكراه في الدين قد تبيّنَ الرشد مِن الغيّ ) .. وقال : فذكّرْ إنّما أنت مذكّر. لستَ عليهم بمسيطر . وقال : ولو شاء ربّك لجعل الناس أمة واحدة أفأنتَ تُكره الناس حتى يكونوا مؤمنين ) وقال : (فمَن شاء فليؤمنْ ومن شاء فليكفر) . ومعلوم أن الإيمان هو اعتقاد قلبي أساساً.. والادّعاء به ظاهراً ، دون انعقاده في القلب ، لاقيمة له ، لأنه يدخل في دائرة النفاق !

 جعل الإسلام لتحريرالرقاب شأناً عظيماً ، وشدّد النكيرعلى من استعبد حراً دون وجه حقّ، وحضّ على تحرير رقبة الإنسان من الرقّ ، أياَ كان دينه ، وفي مقدّمة ذلك الرقبة المؤمنه ، فجعل قسماً خاصاً من أموال الزكاة لتحرير الرقاب .. كما جعل تحرير الرقاب ، من الكفّارات التي يكفّر بها الله الخطايا والذنوب ، في مجال العبادات والمعاملات والنذور، والقتل الخطأ .. ونحو ذلك !

* عبودية الأفراد كانت معروفة طوال قرون خلت ، وقد اندثرت أو كادت . والعصر اليوم في عالمنا العربي والإسلامي ، هو عصر عبودية الشعوب ، أو بالأصح ، استعبادها .. مع الأسف الشديد !

وللأمانة التاريخية ، لابدّ من الإشارة ، إلى أن ظاهرة استعباد الشعوب ليست جديدة ، بل هي قديمة جداً ! وقد قال الله ، على لسان موسى عليه السلام ، لفرعون : (وتلك نعمة تمنّها عليّ أن عبّدت بني إسرائيل ). إلا أن عصر الحريات الراهن ، دفع شعوب الأرض إلى التمرّد على مستعبديها ، ودفعت في سبيل ذلك أثماناً باهظة ! ويكاد استعباد الشعوب اليوم ، يكون مقصوراً على الشعوب العربية والمسلمة ! 

· إذا خرجت الشعوب العربية والمسلمة ، إلى شوارع مدنها ، في مظاهرات سلمية حاشدة، تطالب بحريّاتها ، التي سلبتها أنظمة الاسبتبداد .. وقابلَها زبانية الأنظمة بالرصاص ، وقتِل منها مَن قتِل ، في الشوارع ، أو في السجون .. فما حكم الذين يقتَلون من الناحية الشرعية !؟ مع التذكير بأن هذه الشعوب مسلمة بأكثرياتها الساحقة ، ولا تحبّ أن تضحّي بأنفسها إلاّ انطلاقاً من قواعد شرعية ، وفتاوى صحيحة من علماء موثوق بهم، توضح لها أن عملها هذا هو نوع من الجهاد في سبيل الله ، لإنقاذ إنسانيتها المسحوقة، وكراماتها المهدورة تحت أحذية الطغاة ، وإستعادة حريّاتها التي لاقيمة لها من الناحية الإنسانية إلاّ بها .. فضلا عن أموالها التي ينهبها لصوص الحكم ، وأوطانها التي يستبيحونها ويبيحونها لأعداء أمتهم !

· وإذا كانت حياة الناس بلا حريّة ، هي أشبه بحياة الدوابّ ..! فهل الأكرم للشعوب عامّة   المؤمن من أفرادها ، وغير المؤمن  من الناحية الإنسانية ، أن تتحرك حركة البشر العقلاء ، أصحاب الكرامة ، لتنتزع حريّاتها، فتعيش حياة البشر.. أم تظلّ تحت نير المستبدّين ، تعيش عيش العبيد والدواب العجماء ، بل لاتحظى ، لدى حكّامها الطغاة ، حتى بما تحظى به الدوابّ العجماء ، من عناية ورعاية !؟